عمليات حماس في أوروبا

لا يبدو أنه مقاتل محتمل في حماس، فهذا الفلسطيني الهولندي نزيه رستم الذي يبلغ من العمر 56 عامًا، ويعاني من صعوبة في المشي ويتحرك على دراجة نارية، لا تتناسب بنيته بتاتا مع الصورة النمطية المعروفة عن الجهاديين بشبابهم ولياقتهم البدنية.

ومع ذلك، ففي 14 ديسمبر الجاري تم القبض على رستم في منزله في روتردام بهولندا، بناءً على طلب المدعي العام الاتحادي في ألمانيا، كما تم اعتقال ثلاثة آخرين يعتقد أنهم أعضاء في حماس في العاصمة الألمانية برلين.

ووفقاً للائحة الاتهام التي قدمتها السلطات الألمانية، فإن الرجال الأربعة جميعهم أعضاء منذ فترة طويلة في حركة حماس، كما شاركوا في عمليات حماس في الخارج ويرتبطون ارتباطًا وثيقًا بقيادة الفرع العسكري.

بعد اعتقالات ألمانيا وهولندا.. مخاوف من تحول نشاط حماس في أوروبا إلى عمليات إرهابية

لكن، وفقا للائحة الاتهام، هناك المزيد، ففي أوائل عام 2023، بدأ أحد الرجال الأربعة، “عبد الحميد أ.”، بالبحث عن مخبأ أسلحة سري تحت الأرض في أوروبا أنشأته حماس في الماضي، حيث تلقى “عبد الحميد أ” هذه الأوامر من قادة حماس في لبنان.

هجمات محتملة بأوروبا

وكتب المدعي العام الألماني في بيان له: “كان من المقرر نقل الأسلحة إلى برلين وإبقائها في حالة استعداد في ضوء الهجمات الإرهابية المحتملة ضد المؤسسات اليهودية في أوروبا”.

وبحسب السلطات الألمانية، “في أكتوبر 2023، سافر “عبد الحميد أ” و “محمد ب.” و “نزيه ر.” بشكل متكرر من برلين للبحث عن الأسلحة، مع “إبراهيم الر.” لتقديم المساعدة.”

خبراء التطرف الأوروبيون قد أصيبو بالذهول والانزعاج من هذه الاعتقالات.

ويرجع اندهاشهم في ذلك لأن الإرهاب في الغرب لم يكن قط جزءاً من استراتيجية حماس، وحتى وقت قريب، كانت حماس تركز على “المقاومة المسلحة” في إسرائيل نفسها.

ومثلها كمثل منظمات أخرى تابعة لجماعة الإخوان، اعتبرت حماس أن الهجمات الإرهابية في أوروبا تأتي بنتائج عكسية.

ووفقاً لحركة حماس، فإن الهجمات الإرهابية في أوروبا لن تؤدي إلا إلى الإضرار بلوبيها السياسي ومحاولاتها للحصول على الدعم الإنساني والمالي في أوروبا.

ومما يثير القلق أيضا في الغرب، أنه لو كانت حماس قد قررت بالفعل ليس فقط ارتكاب هجمات داخل إسرائيل، بل وأيضاً ضد أهداف في أوروبا، فإن هذا من شأنه أن يخلف عواقب جمة بالنسبة للغرب.

علاوة على ذلك، يخشى خبراء التطرف الأوروبيون من أن تتمكن حماس من استقطاب الدعم من شبكة واسعة من المجتمعات الفلسطينية والمنظمات الخيرية، التي أسسها نشطاءها الأوروبيون خلال العقود الماضية.

بعد اعتقالات ألمانيا وهولندا.. مخاوف من تحول نشاط حماس في أوروبا إلى عمليات إرهابية

التقاء مسارات

كان نزيه رستم، الرجل الذي اعتقل في روتردام، جزءاً من هذه الشبكة ذات يوم، ومن عام 2005 إلى عام 2009 كان سكرتيرًا لمؤسسة “إسراء”، وهي مؤسسة خيرية فلسطينية في روتردام.

ظهرت هذه المؤسسة مؤخرًا في الأخبار بعد أن سجن زعيمها، المواطن الهولندي أمين أبو راشد، في يونيو 2023.

وكان أبو راشد مشتبهًا به في تحويل 11 مليون يورو إلى حسابات حماس في غزة، وهو لا يزال في السجن.

التقت مسارات نزيه رستم وأبو راشد مرة أخرى في عام 2009 عندما كان رستم أيضًا عضوًا في مجلس إدارة “المنصة الفلسطينية لحقوق الإنسان والتضامن” (PPMS)، وهي مجموعة ضغط سياسية يديرها أبو راشد.

في عام 2009، بدأ نزيه رستم مؤسسته الخيرية الخاصة، مؤسسة “باب الجنة”، لكنه لم ينجح في الحصول على تمويل من الكويت لمؤسسة “المنارة”، العاملة في روتردام.

وفي السنوات الماضية، أصبح أبو راشد  البالغ من العمر (56 عاما)، والذي فقد إحدى ذراعيه خلال الحرب الأهلية في لبنان، معروفا في هولندا كأبرز النشطاء الفلسطينيين، حيث قام بتنظيم الاحتجاجات وكان حاضرا في كل مظاهرة ضد “الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين”، لكن الأقل شهرة هو دوره القيادي في منظمة حماس الأوروبية.

محاكمة الأرض المقدسة

وظهر اسم أبو راشد بعد عام 2000 في المحاكمة ضد مؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية (HLF)، وهي مؤسسة خيرية في تكساس أدينت بتمويل حماس.

وخلال المحاكمة، تم نشر قائمة تظهر قائمة بأسماء المجموعات الأوروبية التي تقدم الدعم المالي لحماس، وحملت الوثيقة توقيع أبو راشد.

أصبح أبو راشد سكرتيرًا ثم رئيسًا لمؤتمر الفلسطينيين في أوروبا، وهو حدث سياسي وثقافي سنوي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بحماس، وفقًا لوزارة الداخلية الألمانية.

في عام 2010، صعد أبو راشد على متن سفينة كانت جزءًا من أسطول غزة الأول، وفي وقت لاحق شارك في تنظيم الأساطيل المتعاقبة.

ومن المنظمات الأخرى المرتبطة بحماس والتي يرأسها أبو راشد هي “حملة الوفاء”، وهي عبارة عن تجمع لجمعيات خيرية أوروبية، معظمها معروف بالفعل.

بعد ذلك بعامين وتحديدا في 2012، حصل أبو راشد على جائزة من زعيم حماس إسماعيل هنية عندما زارت قافلة الوفاء غزة.

وبسبب دوره القيادي في أساطيل غزة، صنفت إسرائيل في عام 2014 أبو راشد و11 ناشطًا فلسطينيًا آخر كأعضاء في “مقر حماس في أوروبا”.

ولطالما نفى أبو راشد أن يكون عضوا في حماس، وأكد أيضًا أن  منظمة “إسراء” كانت مجرد مجموعة إغاثة إنسانية ونفى أي إشارة إلى استخدامها لتمويل حماس.

وتم دعوة أبو راشد لحضور اجتماع من قبل مجلس العموم الهولندي، وفي عام 2020، رافق أبو راشد بعثة تجارية هولندية إلى قطر، بدعوة من إحدى الشركات المشاركة، ومع ذلك، في يونيو 2023، تم اعتقال أبو راشد وابنته إسراء بعد اكتشاف تحويلات مالية إلى مؤسسات حماس الخاضعة لعقوبات الاتحاد الأوروبي.

وقضت المحاكم الهولندية بوجود أدلة كافية لإبقائهما في السجن، في انتظار المحاكمة المقرر إجراؤها في أبريل 2024.

وحتى وقت قريب، كانت السلطات الهولندية تنظر إلى أشخاص مثل نزيه رستم وأبو راشد على أنهم مجرد نشطاء سياسيين، وليسوا إرهابيين، لكن الاتهامات الإرهابية التي وجهتها ألمانيا ضد نزيه رستم والمحاكمة المقبلة لأبو راشد تعني أن دولاً مثل هولندا ستواصل رقابتها بشكل أوثق على الجماعات المؤيدة لحماس، وعلى ما يبدو فإن الأيام التي كانت فيها حماس قادرة على العمل في أوروبا دون مشاكل كثيرة قد ولت.