العد العكسي بدأ لثاني أطول نهر في العالم… الجفاف يتهدد النيل خلال العقود المقبلة

  • نهر النيل مصدر رزق للملايين في القارة السمراء
  • في مصر يعيش 97 % من السكان على شريط مواز لنهر النيل
  • النيل يعاني من انخفاض في مستوى المياه

يؤمن النيل الذي كان يعتبره الفراعنة شريان الحياة، استمرار ملايين من سكان القارة الإفريقية.. لكن مع أزمة المناخ المصحوب باستغلال البشر لهذا المجرى المائي الكبير، بدأ العد العكسي لثاني أطول أنهر العالم.

وقد بدأ التحول بالفعل. فخلال خمسين عاما، انخفض منسوب النيل من 3000 متر مكعب في الثانية الى 2830 متر مكعب، أي أقل 100 مرة عن منسوب نهر الأمازون. ومع انخفاض الأمطار وتكاثر  موجات الجفاف في شرق إفريقيا، قد يتراجع منسوبه بنسبة 70%، وفقا لأكثر توقعات الأمم المتحدة تشاؤما.

في الدلتا، قضم البحر المتوسط سنويا 5 إلى 75 مترا من الأراضي الساحلية منذ ستينات القرن الماضي. واذا ما ارتفع مستوى البحر مترا واحدا فإن مياهه ستغمر 34% من هذه المنطقة الواقعة في شمال مصر وسيضطر 9 ملايين شخص الى النزوح. فدلتا النيل هو واحد من أكثر ثلاث مناطق في العالم عرضة لأزمة المناخ .

وتؤجج هذه التوقعات شهية الدول لاستغلال مياه النهر. وتعجل السدود، التي شيدت على النيل على مر السنين، من كارثة متوقعة.

من البحر إلى المنبع، من مصر إلى أوغندا، أرادت  فرق من فرانس برس نقل الحقائق حول انحسار النيل الذي ييمتد حوضه على 10 % من مساحة إفريقيا ويشكل موردا أساسيا لقرابة 500 مليون شخص.

مغمور أم مسمم

في صور ملتقطة من الجو بالاقمار الاصطناعية، لم يعد يظهر مصبا نهر النيل (اللذان كانا قبل عقود  مرتفعين بشكل  ملحوظ عن سطح البحر) عند مدينتي دمياط ورشيد حيث يلتقي فرعا النهر بالبحر المتوسط. وعلى الأرض يتكسر موج البحر بعنف فوق أراض زراعية ما يؤدي إلى انخسافها.

ففي دلتا النيل، غمرت مياه البحر أراضي اليابسة بعمق ثلاثة كيلومترات بين العامين  1968 و2009.

ويغطي الرمل والمياه نصف الحوائط الاسمنتية التي أقيمت لمنع مياه البحر من التقدم .

ويعجز المنسوب الضعيف للنيل عن  التصدي للبحر الذي يرتفع مستواه باطراد مع ارتفاع درجة حرارة الأرض (15 سنتيمترا خلال القرن العشرين).

أما الطمي الذي كان على مدى آلاف السنين يشكل حاجزا طبيعيا، فلم يعد يصل حتى البحر بل يبقى محتجزا في جنوب مصر منذ بناء سد أسوان في الستينات للتحكم بمنسوب النهر.

وقد يبتلع البحر المتوسط على المدى الطويل،  100 الف هكتار من الأراضي الزراعية في الدلتا الواقعة على أقل من 10 أمتار فوق سطح البحر، أي ما يوازي مساحة جزيرة رينيون، وفق برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

وسيشكل ذلك كارثة لشمال مصر الذي ينتج 30% إلى 40% من المحاصيل الزراعية في البلاد.

الجفاف

مصر: منظر عام للنيل في 26 سبتمبر 2022 – Getty Images

تقنين

في مصر، يعيش 97 % من السكان البالغ عددهم 104 ملايين على شريط مواز لنهر النيل يمثل أقل من 8 % من مساحة البلاد. ويعيش نصف سكان السودان الخمسة أربعين مليونا على 15 % من مساحة البلاد بمحاذاة النيل الذي يوفر 67 % من احتياجات البلاد من المياه.

في 2050 ، سيتضاعف عدد سكان البلدين وستكون الحرارة ارتفعت درجتين الى ثلاث درجات مئوية وسيكون النيل شهد تغيرات إضافية.

وتوقعت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في الأمم المتحدة، أن يؤدي التبخر الناجم عن الاحترار المناخي الى انخفاض منسوب النيل بنسبة 70% وتراجع نصيب الفرد من المياه بنسبة 75% بحلول العام 2100.

من مصر إلى أوغندا الجفاف يتهدد النيل خلال العقود المقبلة

ويؤكد خبراء الهيئة الأممية أن الفيضانات والأمطار الغزيرة التي ستهطل على شرق إفريقيا خلال العقود المقبلة لن تعوض سوى 15% الى 25% من هذه الخسارة.

ويشكل النيل في الدول العشر التي يعبرها مصدرا رئيسيا للمياه والطاقة ويعتمد سكانها بشكل أساسي على الأمطار والنهر.

فالسودان على سبيل المثال، يوفر نصف ما يستهلكه من كهرباء من الطاقة الكهرومائية. أما في أوغندا، فتصل هذه النسبة إلى 80%.

الاستفادة من النهر

يعيش نصف الاثيوبيين (110 ملايين) من دون كهرباء على الرغم من أن هذا البلد يحقق واحدا من أسرع معدلات النمو في إفريقيا. وتعول أديس أبابا على مشروعها الكبير، سد النهضة، لمعالجة هذا النقض حتى لو تسبب ذلك بقطيعة مع جيرانها.

بدأ تشييد سد النهضة في العام 2011 على النيل الأزرق، الذي يلتحم بالنيل الأبيض في السودان ليشكل نهر النيل، بهدف تشغيل 13 توربينا لتوليد 5 الاف ميغاوات. منذ آب/اغسطس يحوي خزانه 22 مليار متر مكعب من المياه وستستمر عملية الملء خلال السنوات المقبلة حتى يبلغ سعته الإجمالية وهي 74 مليار متر مكعب.

وتتباهي أديس ابابا بهذا السد وهو الأكبر لتوليد الطاقة الكهرومائية في افريقيا: “النيل هو هبة منحها الله للاثيوبيين كي يستفيدوا منها”، على حد تعبير رئيس الوزراء الاثيوبي أبيي أحمد.

غير أن هذا السد بالنسبة للقاهرة يؤثر على حصة  مصر من مياه النيل ويخالف اتفاقا أبرم عام 1959 مع الخرطوم، وليست اثيوبيا طرفا فيه، تحصل مصر بموجبه على 66% من مياه النيل سنويا والسودان على  22%.

اليوم، ما تزال مصر في عهد عبد الفتاح السيسي تخشى من انخفاض كبير في منسوب النيل في حال حصول عملية ملء سريع لخزان السد الاثيوبي.

المزارعون المصريون من جهتهم يعرفون تأثير السد العالي في أسوان على أراضيهم، فهو، مثل سدود اثيوبيا والسودان واوغندا التي تستخدم لتوليد الكهرباء، يحتجز الطمي الذي يعمل كسماد طبيعي للتربة.

 

من مصر إلى أوغندا الجفاف يتهدد النيل خلال العقود المقبلة

الطمي مفقود

في الحقول الخضراء بولاية الجزيرة السودانية المعروفة بخصوبة تربتها العالية أصبح العمل شاقا أكثر فأكثر على مر السنين بالنسبة للمزارعين بسبب السدود التي بينت بالقرب من منابع النيل

ومع الفوضى السياسية والاقتصادية التي يشهدها بفعل الانقلابات العسكرية التي تتالت منذ استقلاله العام 1955، لم يعد السودان قادرا على ادارة موارده المائية.

كل عام، تهطل أمطار غزيرة على السودان فتسبب فيضانا وتوقع ضحايا – هذا العام سقط 150 قتيلا ودمرت قرى بأكملها – إلا أن هذه المياه لا تفيد الزراعة لعدم وجود نظام لتحزين مياه الأمطار.

اليوم يهدد الجوع ثلث السكان رغم أن السودان كان لاعبا رئيسيا في الأسواق العالمية للحبوب وخصوصا السمسم والذرة والفول السوداني فضلا عن الصمغ العربي.

على غرار السودان، تقبع بقية دول حوض النيل – بوروندي، جمهورية الكونغو الديموقراطية، مصر، اثيوبيا، كينيا، أوغندا، رواندا، جنوب السودان وتنزانيا،  في ذيل تصنيف الدول القادرة على مواجهة آثار أزمة المناخ ؟

أما بحيرة فكتوريا، أكبر مصدر مياه للنيل، مهددة بسبب انحسار الأمطار والتبخر والتغيرات البطيئة في محور الأرض، وقد تختفي هذه البحيرة يوما ما.