جراحات وولادات وعلاجات من الأمراض السرطانية تتم في الملاجئ

يزداد تدهور الأوضاع الإنسانية سوءاً في أوكرانيا، فقد تمّ خلال هذا الأسبوع استهداف مستشفى للأمراض السرطانية في كييف، ما ترك المرضى والطواقم الطبية بحالة من الذعر الشديد في كل مستشفيات البلاد خصوصاً وأنها تعمل تحت القصف والضغط النفسي المريع الذي تتسبب به الحرب. فكيف هو وضع الطواقم الطبية في أوكرانيا؟ كيف تعمل؟ وتحت أي ضغط نفسي يعيش المرضى في المستشفيات؟

القصف الروسي على مستشفيات اوكرانيا

بحسب الدكتورة ليزا ليسيتسيا التي تعمل في مستشفى أوخماديت المتخصص بأمراض الاطفال “نُبقي جميع مرضانا الذين لا يمكن إجلاؤهم بسبب المرض في الملجأ تحت الأرض، أما المرضى الأكثر استقرارًا بعد الجراحة فيذهبون إلى غرفهم عادة ثم يذهبون إلى تحت الأرض عندما نسمع تنبيهًا. حالات المرضى الموجودون تحت الأرض عديدة بينهم أطفال ولدوا قبل أوانهم، أطفال يعانون من أورام سرطانية، مرضى خضعوا للجراحة بالإضافة إلى كل الطواقم الطبية الموجودة في المستشفى، وبالتالي لا توجد مساحة كافية هناك ومسألة علاج المرضى مروعة في الواقع. فمن المهم جدًا بالنسبة للأطفال الذين ولدوا قبل أوانهم أن يتلقّوا عناية خاصة بحيث يتم وضعهم ضمن مساحة معينة بمعايير خاصة، لذلك تحت الأرض ليس لدينا مثل هذه الإمكانية فنستخدم الأغطية والوسائد لخلق شيء شبيه بتلك الظروف الخاصة الملائمة لهؤلاء الأطفال”.

أوكرانيا

جراحات في الملجأ

لم يكن للمستشفى بحسب ليسيا ملجأ جاهز، فمع بدء القصف الخامسة صباحاً كان يتعين على الطاقم الطبي تنظيم أموره على الفور: “حاولنا تنظيم أنفسنا على الأرض، وحاولنا أن نرسل أكبر عدد ممكن من المرضى غير الملزمين بالبقاء في المستشفى إلى منازلهم، أعطيناهم بعض الأدوية ثم طلبنا منهم الذهاب. وبالنسبة للبقية تواصلنا مع زملائنا في غرب أوكرانيا لإرسال كل المعلومات عن المرضى إليهم، لذلك اخترنا في اليوم الأول شخصًا عمل كسكرتير إذ كان يتعين عليه كتابة كل شيء عن المرضى، عادةً يتطلّب إعداد الوثائق ثلاثة أيام لكننا قمنا بذلك في غضون ساعتين فالمرضى سيذهبون إلى مستشفى آخر والأطباء لا يعرفون شيئًا عنهم. ولأنه من الصعب أيضاً على المستشفى والأطباء أن يبقوا في هذا المكان الصغير حاولنا تنظيم المكان على الأرض، أخذت الدواء من الطوارئ وبعض الأطعمة مثل الكعك والخبز والماء إلى تحت الأرض لأننا لا نعرف كم من الوقت يجب علينا أن نبقى هناك. ثمّة مرضى يعانون من حالات التسرب في قلبهم، من الصعب جدًا عليهم الصعود والنزول لمرات عديدة إلى المستشفى للحصول على العلاج لذلك فهم يبقون لمدة 24 ساعة تحت الأرض مع أطبائهم ويتلقون العلاج هناك”.

وأضافت “وجدنا المكان وقمنا بإعداده بأنفسنا، لأنه لدينا هناك التصوير بالرنين المغناطيسي والعلاج الإشعاعي، لذلك فالجدار جيد جدًا هناك، وقررنا أنه سيكون ملجأ جيد لجميع مرضانا، وفتحنا قسم الطوارئ ليس فقط للحالات الحرجة والقصوى كما أننا نحصل من هناك على جميع المعدات اللازمة، ونضع جدولًا للأطباء من أجل تبادل التناوب الطارئ بين بعضهم البعض”.

أوكرانيا

أما بالنسبة للعمليات الجراحيّة قالت: لم نوقف جميع أنشطتنا التي نقوم بها عادة، لكننا بدّلنا أنشطتنا لذلك توقفنا عن إجراء عمليات معيّنة كالجراحات التجميلية على سبيل المثال أو جراحات الأمراض الخلقية، لكننا نواصل تشغيل عمليات مرضى الأورام الذين يمكن أن يكون علاجهم قد توقف. نستمر في إجراء العمليات لبعض الحالات المستعجلة أو الحالات التي يمكن أن تساعد في تأخير العلاج والتي سيكون لها بعض المضاعفات في المستقبل القريب”.

أوكرانيا

وعن شعورها بعد أن قصف الروس مستشفى لسرطان الأطفال وإمكانية قصفهم للمستشفى الذي تعمل به قالت: “لا أريد أن أفكر في ذلك فزوجي يعمل معي هنا في المستشفى في قسم آخر لذلك يبقى أطفالنا معنا ونحاول فقط ألا نفكر في الموضوع، نحاول فقط تقديم أفضل علاج ممكن وإجلاء المرضى وبعد إجلائهم نفكّر في الأمر”.

وأضافت “لي صديق مقرّب في ألمانيا سألني كيف حالك؟ قلت له لا أعرف، لأنه يبدو لي أن إطلاق النار والقصف والتنبيهات أصبحت طبيعة حياتنا خلال الأسبوع الماضي، ولا أعرف أن أصف مشاعري الآن”.

أوكرانيا

ولادات تحت الأرض!

توقفت ليسيا عند بعض القصص المؤثرة التي حصلت في المستشفى “فثمّة عائلة أصيبت خلال هجوم إذ تعرّضت سيارة الإسعاف للهجوم عندما كانت تقوم بإجلاء المرضى. وأحد المرضى بكى لأنه لم يكن يرغب في إجلائه فهو يقاتل مرض السرطان كل يوم وعليه الآن أن يواجه مسألة الهجوم، إن مسألة العلاج هي عملية طويلة جدًا وبالتالي يصبح المريض جزءًا من حياتك وتصبحين جزءًا من حياته لذلك من الصعب عليهم أن يتم إجلائهم، بعض المرضى لا يريدون حتى مجرد التفكير في ذلك”.

وأضافت “لدي مريض يعاني من مرض نادر جداً وكان علينا أن نوقف العلاج والمريض يرفض أن يتم إخلاؤه، فقلت له حسنًا لا أريد أن أسمع شيئًا عنك أنت بحاجة إلى أن يتم إخلاؤك ونحن سنجري جميع العلاجات المطلوبة، وعلى مدار يومين كان يأتي إلى المستشفى حيث قمنا بمواصلة العلاج بحسب خطتنا، وأعتقد أنه فوز كبير لمثل هؤلاء الأشخاص، ولدينا توأمان وُلدا تحت الأرض وهم لا زالوا هنا، ولدينا طفل ولد قبل أوانه تركه والداه في المستشفى لأنه يحتاج إلى رعاية خاصة… ثمة الكثير من القصص المؤذية للغاية والمؤثرة حقاً”.

أوكرانيا

رسالة إلى الشعب الروسي

توجهت ليسيا عبر “أخبار الآن” للشعب الروسي ولأقربائها الذين يعيشون في روسيا وقالت: “حين تجلس في منزلك وتقول أنا مكتفٍ فقط بتنشق الهواء وسيكون كل شيء هادئاً وتعتقد أن كل شيء سيكون على ما يرام فإن شيئاً لن يتغير. نحن بحاجة إلى تغيير رأينا فهذه ليست حربًا بين أوكرانيا وروسيا إنها حرب عالمية، وعلى روسيا وأوكرانيا أن توقفا الحرب الآن على أراضيهما، لذلك أعتقد بشدّة أنه إذا لم يصدق الشعب الروسي ما نقوله له فلن يتغير الوضع أبدًا”.

أوكرانيا

أما إذا كان الروس وأصدقاؤها في سوريا يصدّقون ما تقوله لهم قالت: إنهم يصدّقون ما تقوله لهم برامجهم التليفزيونية بنسبة 100% ولذا فإن لديهم إحساس أقل بالموقف في أوكرانيا وبما يعانيه الأطفال هنا وذلك لأنه لا تتاح لهم أي فرصة للاطلاع على وجهة النظر المعاكسة”.

وأضافت “رأيت بالأمس مقابلة مع أم لأحد الجنود الروس الذين كانوا يطاردون جنودنا وقد حصل على جميع العلاجات الطبية والطعام وكل ما يحتاجه كما منحناه إمكانية الاتصال بمنزله. الحقيقة أن كل شيء على ما يرام بيننا وبين هؤلاء الجنود، لكن إذا لم يتوقفوا فلن نتمكن من مساعدتهم. إذاً شاهدت في الأمس المقابلة مع أحد أمهات الجنود الروس وهي تقول أريده فقط أن يعود إلى الوطن، ربما يستطيع الأوكرانيون إرساله إلى الحدود الروسية وبعد ذلك سنأخذه إلى المنزل. فسألها الصحافي هل تدركين أن هناك حرب في أوكرانيا بسببنا؟ قالت لا، ليست بسببنا بل بسبب حركة الفاشيين هناك، فحاول أن يوضح لها أن هذه الحركة ساعدت ابنك في كل ما يحتاجه وما زلت تفكرين بهذه الطريقة. لذلك أعتقد أن التغيير مستحيل”.