أخبار الآن | موسكو – روسيا (the daily beast)

مصادرة لشحنة ضخمة للمخدرات في السفارة الروسية بالأرجنتين.. محاكمة سرية.. الكرملين يكذب.. العملاء الروس يتسترون على تورط المسؤولين.

ما سبق ليس سيناريو لفيلم سينمائي ولكنها تفاصيل حصلت عليها The Daily Beast، بالتعاون مع Dossier Center في لندن، ضمن وثائق للتحقيقات الروسية والأرجنتينية في عملية ضبط كوكايين لعام 2018.

ستة رجال ينتظرون المحاكمة بتهمة إدارة واحدة من أكثر جماعات تهريب المخدرات جنونًا في التاريخ في موسكو وبوينس آيرس، حيث كانت سفارة روسيا في الأرجنتين هي مستودع التخزين للمخدرات، فيما كانت عربات النقل الحكومي الروسي تستخدم من أجل نقل شحنة كبيرة من الكوكايين من أمريكا الجنوبية إلى موسكو.

ففي عام 2012، قال علي أبيانوف، رئيس القسم الإداري والاقتصادي في السفارة الروسية في بوينس آيرس، إنه تلقى مكالمة من شخص قدم نفسه على أنه أندريه كوفالتشوك، ضابط أمن في السفارة الروسية في برلين، والذي يدعي أنه ضحية مؤامرة واسعة، وحافظ كوفالتشوك على علاقات دائمة مع سلسلة من مسؤولي الأمن في مختلف البلدان، وكذلك الموظفين في وزارة الخارجية الروسية، وكان لديه معرفة عملية ممتازة بتخطيط وبروتوكولات البعثات الروسية، ناهيك عن بروتوكول التغليف والطرود الدبلوماسية.

ووفقًا لملفات القضية، أخبر كوفالتشوك زميله أبيانوف أنه سيسافر إلى الأرجنتين في منتصف العام وأنه يرغب بشدة في الاجتماع به. أخبر أبيانوف لاحقًا المحققين الروس أنه لا يعرف لماذا اتصل به هذا الشخص أو لماذا يريد مقابلته، لكنه وافق على أي حال.

لابد أن كوفالتشوك ترك انطباعًا أولًا جيدًا، لأن أبينوف وافق على إعادته إلى مطار بوينس آيرس الدولي بالسيارة الدبلوماسية. وبمجرد وصولهم إلى المطار، أخرج كوفالتشوك أمتعته من السيارة كلها باستثناء حقيبة واحدة تزن ما بين 25 و 30 كيلوجرام، وقال لأبيانوف إن ثقل هذه الحقائب هو بسبب محتوياتها، مثل النبيذ والقهوة والبسكويت.

تعد هذه الجريمة عابرة للحدود، حيث أذهلت العالم، لأسباب ليس أقلها أن السلطات تزعم أن هذه العملية قد نفذتها عصابة صغيرة ماهرة، تتضمن موظف سفارة فاسد وشرطي فاسد ورجل غامض و متخفي، والذي استخدم بعضًا من أكثر العقارات التابعة للدولة الروسية أمانًا لتخزين وتهريب كمية من المخدرات بقيمة 60 مليون دولار.

وفي 22 فبراير 2018، أشعلت وزيرة الأمن القومي الأرجنتينية باتريشيا بولريتش، موقع تويتر بعد أن نشرت على حسابها الرسمي مقاطع فيديو تظهر مصادرة ما يقارب 400 كيلوغرام من الكوكايين من السفارة الروسية في بوينس آيرس. وجاء في إحدى تغريدات بولريتش: “استغرق التحقيق أكثر من عام في كل من الأرجنتين وروسيا، واحتجزنا معًا 6 أعضاء من هذه المجموعة التي خططت لنقل شحنة تزيد قيمتها عن 50 مليون يورو”.

وفقًا للرواية الرسمية، قاموا بكل شيء رغم أنوف الدبلوماسيين وضباط المخابرات الأبرياء وكانوا سينجون بفعلتهم لولا العمل المشترك بين أجهزة إنفاذ القانون الروسية والأرجنتينية، ولكن ماذا لو كان هذا الاستنتاج الدقيق، الذي سيتم تقديمه قريبًا في المحكمة، ناقصاً بطريقة مقصودة ومخططاً بطريقة ما لحماية المزيد من كبار المسؤولين في الحكومة الروسية؟

ومن ضمن الوثائق التي حصلت The Daily Beast، بالتعاون مع Dossier Center في لندن، كل من التحقيقات الروسية والأرجنتينية في عملية ضبط الكوكايين لعام 2018، بما فيها مئات الساعات من تسجيلات التنصت على المكالمات الهاتفية، ورزم أوراق إستجواب الشهود ونصوص استجواب المشتبه بهم، و ما يقرب من 10,000 صفحة من ملفات قضايا الشرطة والاستخبارات.

وفي شهادته أمام المحققين الروس، ناقض أبينوف نفسه في ما يُشتبه بأنه ينقله إلى كوفالتشوك. الأول، في عام 2017،إذ كان يعتقد أن الطرود التي كان يحملها كوفالتشوك تحتوي على مواد “محظورة”. ولكن في استجواب منفصل في عام 2019، قال إنه لم يشك أبدًا في أن يكون كوفالتشوك شخصاً فوق القانون، بسبب معرفته بـ “كل شخص في السفارة” وحضوره المتكرر في حفلات الاستقبال في السفارة.

ولتلك القضية احتمالين، الأول هو عدم الكفاءة، و عدم متابعة خيوط موثوقة، بالإضافة إلى تورط المسؤولين الحكوميين بشكل مؤكد في مسار التحقيق المشترك،،

والثاني مايعتقده أحد وكلاء إنفاذ القانون الفيدرالي في الولايات المتحدة، والذي رفض الكشف عن هويته، أن جميع المؤشرات تشير إلى أن بعض أعضاء السفارة الروسية في الأرجنتين كانوا على دراية بأنشطة متعلقة بالمخدرات وكانوا مرتبطين بمافيا المخدرات، ولكن كان هناك تسرب للمعلومات في وقت ما، وعلمت السلطات الأرجنتينية عن الكوكايين واتصلت بالسفارة، وبعد ذلك قرر الجانب الروسي أنه من الأكثر آمناً “العثور” على المخدرات، وتم حل الفضيحة على المستوى الدبلوماسي ولم يتم إجراء تحقيق حقيقي من قبل الأرجنتين

جدير بالذكر أنه تم تسريب هذه الملفات إلى Dossier Center من مصدرين منفصلين، أحدهما في الأرجنتين على صلة بالتحقيق الخاص بها، والذي يعتقد أن هذه المواد تلقي بظلال من الشك على التورط المزعوم في قضية اثنين من الأرجنتينيين المتهمين، ويعد المصدر الآخر قريب من التحقيق الروسي ولكن، تُظهر كلتا المجموعتين من الملفات ثغرات كبيرة وتناقضات واستنتاجات غير معقولة، والتي غالبًا تميل إلى أن تكون سخيفة.

في أحسن الأحوال، تشير هذه الوثائق إلى مستوى مذهل من عدم الكفاءة، مع عدم متابعة خيوط موثوقة، بالإضافة إلى تورط المسؤولين الحكوميين بشكل مؤكد في مسار التحقيق المشترك، أما في أسوأ الأحوال، فإنهم يرسمون صورة أكثر قتامة للتستر المنسق الممتد على نصف الكرة الأرضية لحماية هؤلاء المسؤولين الحكوميين وربما المتآمرين الآخرين الذين لم يتم الكشف عن هويتهم في المناصب الأعلى مقاماً في روسيا.

ويعتقد أحد وكلاء إنفاذ القانون الفيدرالي في الولايات المتحدة، والذي رفض الكشف عن هويته، أن جميع المؤشرات تشير إلى الإحتمال الثاني، حيث قال “وفقًا لمعلوماتنا، فإن بعض أعضاء السفارة الروسية في الأرجنتين كانوا على دراية بأنشطة متعلقة بالمخدرات وكانوا مرتبطين بمافيا المخدرات. ولكن كان هناك تسرب للمعلومات في وقت ما، وعلمت السلطات الأرجنتينية عن الكوكايين واتصلت بالسفارة، وبعد ذلك قرر الجانب الروسي أنه من الأكثر آمناً “العثور” على المخدرات، وتم حل الفضيحة على المستوى الدبلوماسي ولم يتم إجراء تحقيق حقيقي من قبل الأرجنتين”.

الموقع الاستثنائي والحجم الهائل للمخدرات التي تم الكشف عنها جعل هذه العملية قصةً دوليةً مدوية، وأصبحت هذه العملية حدثًا إخباريًا أكبر عندما أعلنت بولريتش أن إيفان بليزنيوك، أنه تم القبض ضابط الاتصال في معهد الأمن العام وأكاديمية الشرطة في بوينس آيرس، فيما يتعلق بقضية المخدرات نفسها، ومع ذلك، فإن الدليل على مشاركته في نقابة تهريب المخدرات يعتمد بالكامل تقريبًا على كلمة مسؤول أمني في السفارة الروسية، والذي باعترافه تبنى نهج “لا أرى شراً” لعدة أشهر عند رؤيته 12 حقيبة غريبة مخزنة في مبنى أراضي السفارة.

وقال عميل مكافحة المخدرات الأمريكي أن “بليزنيوك وزميله الأرجنتيني تم احتجازهم من أجل صرف الشبهات عن السفارة و مسؤولو وزارة الخارجية الروسية، الذين استخدموا القنوات الدبلوماسية للتهريب وكانوا المستفيدين الحقيقيين من هذه المخدرات“، ويوافق ضابط في وكالة الاستخبارات الفيدرالية الأرجنتينية على أن هناك موظفين آخرين في السفارة متورطون، ويضيف أنه من المحتمل أن يكون لديهم صلات بالمخابرات الروسية بسبب الأعمال التقليدية والتخطيط المتضمنين في هذا المخطط الذي تم إحباطه.

ويُزعم أنه أعار مجموعة من المركبات والطائرات الحكومية الروسية ليس فقط لنقل المخدرات، بل أيضاً لنقل المجوهرات والملابس والأدوية عبر الحدود الوطنية، وبناءً على لوائح الاتهام الأرجنتينية والروسية، فلا يسعنا إلا الاعتقاد بأن كل هذا تم ترتيبه بشكل خاص من قبل كوفالتشوك، بمبلغ قليل من المال والكثير من الكونياك والسيجار والحلوى من قبل شريكه، وهو روسي منفي في ألمانيا يطلق على نفسه لقب “البارون”، بالإضافة إلى ذلك يُحاكم كوفالتشوك في محكمة روسية مغلقة، وهو إعفاء مخصص عادةً للقصر ومرتكبي الجرائم الجنسية أو أولئك الذين يُعرّضون للإجراءات القانونية الواجبة للخطر مسائل الأمن القومي.

فشلت الحكومتان الروسية والأرجنتينية على حد سواء في تفسير كيفية حصول كوفالتشوك ، وهو رجل ذو موارد مالية محدودة، على ما قيمته ثمانية أرقام من الكوكايين عالي النقاء، أو تحديد المستفيدين النهائيين. في بعض الأحيان، يفشل المحققون ببساطة في تتبع الخيوط الواضحة، مثل التحقيق في التورط المحتمل لعصابة المخدرات في سينالوا كمصنعين للكوكايين أو متابعة رقم هاتف هولندي يُقال إنه يخص المشتري المقصود أو الذي كان من المفترض أن يستمله.

بغض النظر عن من هو أندريه كوفالتشوك، أو من كان قبل ظهور اسمه في العناوين الرئيسية للصحف العالمية، فإن خطته المزعومة لتهريب الكوكايين تتطلب شبكة من الوسطاء والناقلين المتواجدين في المواقع المناسبة، ويُزعم أن كوفالتشوك دفع 1,000 دولار لكل حقيبة سفر. ربما لم يكن أبينوف من النوع المتطفل، لكنه لم يكن لديه أي شكوك حول سبب حصوله على تعويض رائع. 1,000 دولار تعتبر مبلغاً كبيراً في الأرجنتين.

ولا يزال سبب فضول آخر لهذه القضية هو لماذا سافر نيكولاي باتروشيف، رئيس مجلس الأمن القومي والمدير السابق لجهاز الأمن الفيدرالي وأحد أقوى الرجال الأقوياء في حرم فلاديمير بوتين الداخلي، من وإلى الأرجنتين على نفس الطائرة الحكومية الروسية التي استخدمت في العملية التي تم فيها الإيقاع بكوفالتشوك؟ ولماذا أنكر الكرملين بعد ذلك أن طائرته (وربما باتروشيف نفسه) متورطين في قصة تهريب المخدرات هذه؟