أخبار الآن | هونغ كونغ – الصين (HKFP)

كان من المفترض أن يكون أمس، الأحد، يوم انتخابات للهيئة التشريعية، التي تنتخب جزئياً في هونغ كونغ، وهي واحدة من الحالات القليلة التي يدلي فيها سكان المدينة بأصواتهم.

لكن الحكومة أجلتها لمدة عام معتبرة أن التأجيل ضروري، في ظل ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا، بحسب ما أعلنت كاري لام رئيسة السلطة التنفيذية في هونغ كونغ.

وبدلا من احتشاد سكان المدينة للإنتخاب، ملأ مئات المحتجين شوارع هونغ كونغ، رافضين ومعترضين على تأجيل الانتخابات التشريعية في البلاد، في فصل جديد من توابع زعزعة الحزب الشيوعي الصيني لاستقرار الإقليم.

استندت حكومة هونغ كونغ على قانون الطوارئ لتأجيل انتخابات المجلس التشريعي التي كانت مقررة في سبتمبر الحالي، لتصبح في 5 سبتمبر 2021.

رئيسة السلطة التنفيذية في هونغ كونغ كاري لام ادعت أن قرار التأجيل جاء بسبب الارتفاع في إصابات فيروس كورونا، ولضمان العدالة والسلامة العامة، وتحدثت عن المخاطر الكبيرة للعدوى الجماعية المحتملة في يوم الاقتراع، والعقبات التي قد يواجهها الناخبون الذين يعيشون في الصين وأجزاء أخرى من العالم وسط إجراءات الحجر الصحي الإلزامية. وأصرت لام على أن “قرار تأجيل الانتخابات لا علاقة له بالسياسة.

السبب الذي اعطته لام قد يكون مشروعا لتأجيل الانتخابات في حال عقدها دون مراعاة الإجراءات الاحترازية والاستعداد له بطريقة مناسبة وتوفير الموارد الكافية.

التأكيد المستمر من لام على أن القرار ليس له على بالسياسة يلفت الانتباه، لان الحكومات الدكتاتورية تتخذ عادة في أوقات الأزمات والطوارئ قرارات لإسكات المعارضة والتفوق عليها.

وبالنظر إلى أن طاقم الحكومة الحالية غير مرغوب فيه كما هو معروف، فالتأجيل يحرم المواطنين من فرصة التعبير عن رأيهم بشكل رسمي من خلال صندوق الاقتراع، وتأكيد رفضهم للحكومة الحالية وقراراتها.

في مايو، أصدرت مؤسسة كوفي عنان بيانا قالت فيه” يجب ألا تصبح الديمقراطية الضحية الصامتة لوباء فيروس كورونا، ويجب ألا تستغل هذه الإجراءات الاستثنائية لإبطال الحقوق المكتسبة بشق الأنفس، كتأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى”.

خبراء حقوق الإنسان الدوليين يدعون مرارًا وتكرارًا إلى وضع حقوق الإنسان “في المقدمة” وسط جائحة فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم. من جانبها، ترى نقابة المحامين في هونغ كونغ أن “هناك شكوكًا جدية بشأن الأساس القانوني والدلائل الواقعية لقرار الحكومة”.

بالإشارة إلى المعايير والالتزامات الدولية، أخضع مشروع مراقبة الانتخابات (EOP) ادعاء كاري لام – بأن قرارها بتأجيل الانتخابات لا علاقة له بالسياسة – للتدقيق القائم على الأدلة ووجد سبعة عيوب أو ثغرات في الأسباب التي اعطتها في خطابها كما يلي:

1- انتقاء البيانات العالمية

مشروع مراقبة الانتخابات يرى أن التجارب العالمية لا تقدم سببا كافيا لقرار الحكومة بتأجيل الانتخابات، كما كانت تدعي لام.

وذكر المشروع أنه اعتبارًا من 25 أغسطس، قررت 70 دولة ومنطقة على الأقل في جميع أنحاء العالم تأجيل الانتخابات الوطنية أو المحلية وغيرها بسبب كوفيد-19، في المقابل أجرت 75 دولة ومنطقة على الأقل انتخابات وطنية أو محلية وسط انتشار الفيروس، لكن رفضت الحكومة اتباع نهجها.

2- عدم استشارة الخبراء

وفي ثغرة أخرى يقول المشروع إن قرار الحكومة لم يكن مدعومًا بأي نصيحة أو رأي من خبراء الصحة العامة أو خبراء السياسة في شؤون الانتخابيات.

واعترفت كاري لام في المؤتمر الصحفي في 31 يوليو بأنها لم تطلب المشورة من الخبراء قبل أن تصل إلى قرارها بإلغاء الانتخابات، ولم تتمكن الحكومة من تفسير سبب فشلها في استشارة خبراء الصحة العامة لديها كما وعدت سابقًا قبل الوصول إلى قرار إلغاء الانتخابات.

3- حملات التضليل والتخويف

وبحسب المشروع فإن الخبراء الطبيون قد قدموا أدلة على أن قرارات الحكومة هي السبب في تفشي الفيروس، حيث قامت بإعفاء أكثر من 40 فئة من الدخول والخروج بحرية دون الحاجة للحجر الصحي الإلزامي أو الشهادات الصحية، على عكس ما تحاول بكين التسويق له على أن سبب انتشار الفيروس نتج عن الانتخابات التمهيدية في 11-12 يوليو، من أجل تقديم انتخابات المجلس التشريعي على أنها تهديد خطير للصحة العامة وحياة الناس.

فالمعسكر المؤيد لبكين لا يهتم بمناقشة سياسية قائمة على العقلانية، بل رفض ما تحدث يه الخبراء الطبيون في مناسبات عديدة عن أن هونغ كونغ يمكنها إجراء الانتخابات بأمان من خلال مراعاة التدابير الاحترازية.

4- دوافع سياسية

وأشار المشروع إلى دوافع سياسية أيضا، من خلال تنسيق مزدوج بين الحكومة والمعسكر المؤيد لبكين لشن حملة منتصف يوليو للمطالبة بتأجيل الانتخابات، بذريعة أنه من غير المرجح أن يعود مئات الآلاف من الناخبين الذين يعيشون في الصين بسبب الحجر الصحي الإلزامي لمدة 14 يومًا.

كما صعدت بعض التجمعات التابعة المؤيدة لبكين من هجومها على مفوضية شؤون الانتخابات مطالبة باستقالة رئيسها وحل الهيئة، في حين وقفت الحكومة مكتوفة الأيدي ولم تفعل شيئًا لمنع مؤيديها من توجيه الاتهامات إلى EAC.

5- اضطرابات غير مسبوقة في النظام الدستوري

تم الإعلان عن تأجيل الانتخابات في نفس يوم انتهاء فترة الترشيح، حيث ترشح ما مجموعه 184 مرشحًا محتملاً، وقبل أكثر من أربعة أسابيع من يوم الاقتراع المقرر.

في حين تمنح القوانين واللوائح الانتخابية القائمة الحكومة سلطة تأجيل الانتخابات لمدة 14 يومًا. لكن لام تجاوزت ذلك واختارت اللجوء إلى قانون الطوارئ لوقف الانتخابات وتأجيلها لمدة عام.

وبعد انتهاء المدة المحددة للهيئة التشريعية وهي أربع سنوات، يجب على الحكومة أن تطلب من الحكومة المركزية أن تقرر كيفية ملء الفراغ المؤسسي.

فقرار التأجيل لم يؤدي إلى اضطرابات في النظام الدستوري والقانوني الحالي فحسب، بل أدى أيضًا إلى مشاركة بكين المباشرة.

6- الإخفاق في إجراء المشاورات العامة

كانت الاستعدادات لإجراء الانتخابات كما هو مخطط لها جارية وفقًا لمجموعة من تدابير الصحة العامة التي صممتها لجنة الشؤون الانتخابية (EAC).

لكن الحكومة اتخذت قرارها دون القيام بأي محاولة لإجراء مشاورات مستنيرة مع مواطني هونغ كونغ، التي يقدر عدد الناخبين فيها بـ 4.4 مليون ناخب مسجل.

7- عدم وجود توافق في الآراء

مشروع مراقبة الانتخابات  تحدث أيضا عن عدم محاولة السلطة التنفيذية في هونغ كونغ إلى إيجاد صيغة توافقية بين الأحزاب، كما أنه لم يكن هناك أي جهد لإشراك جميع الأحزاب السياسية وأصحاب المصلحة في المناقشة التي أدت إلى التأجيل.

بل تم الإعلان عن القرار باعتباره أمرًا واقعًا، ما يضع العديد من نقاط الاستفهام أمام الشرعية اللازمة لنفاذه، حيث يُنظر إليه بشكل عام على أنه فعل لتلاعب بالانتخابات، بالإضافة للأثار الأخرى التي خلفها القرار من خلافات سياسية في المجتمع.

فكما يعلم الجميع، فإن تأجيل الانتخابات أو إجرائها هو في الأساس عمل سياسي، وما تم ذكره سابقا يسمح بدحض ادعاء الحكومة بأن قرارها كان قائمًا فقط على الصحة العامة بسبب انتشار فيروس كورونا.

ومن الواضح والجلي التناقض الذي ظهر في خطوات الإعلان عن القرار، حيث سارعت السلطة التنفيذية في هونغ كونغ لنشر معلومات لجعل المواطنين يعتقدون أن قرارها بتأجيل الانتخابات كان بناءً على مخاوف الصحة العامة، في المقابل رفضت رئيسة السلطة كاري لام على طلب المشورة من الخبراء الطبيين، بل وصممت على ذلك.

وعلى الأرض تظهر هذه المفارقة بشكل جلي، حيث تعم المظاهرات هونغ كونغ احتجاجا على هذا القرار، بينما يشيد المعسكر الموالي لبكين بالقرار.

قرار تأجيل الانتخابات لمدة عام فشل في تلبية مبادئ التناسب والضرورة والقدرة على التنبؤ والتوافق وسيادة القانون، لا سيما بعد استبعاد 12 من مرشحي المعارضة.