أخبار الآن | هولندا (Global Voices)

عندما كان نجم الدين صغيرا، لم يكن يتصور أنه سيضطر إلى التخلي عن منزله وحياته وأسرته في إحدى مدن إقليم شينجيانغ في الصين، ويعيش في منفاه بهولندا.

قصة الإيغوري نجم الدين، ليست الوحيدة من نوعها، بل هي حلقة في سلسلة طويلة من مسلسل الاضطهاد الذي يتعرض له الإيغور في الصين، بسبب ديانتهم وممارساتهم العقائدية.

القصة التي رواها نجم الدين لموقع Global Voices بدأت من مدينة “كاشغار” وهي مدينة يقطنها أغلبية من الإيغور، في جنوب شينجيانغ. عائلته كان لها ثقلها في المنطقة، بسبب نشاطاتها التجارية المزدهرة وصلة أبناءها القوية بين بعضهم البعض. في تلك العائلة المتماسكة التي تؤدي فروضها الخمسة، نشأ نجم الدين.

ممارسات تلك العائلة وفق ما رواه الشاب الإيغوري كانت تتم بعيدا عن الإشهار تجنباً لغضب السلطات الصينية. يتذكر نجم الدين كيف أجبر أيام دراسته مع زملائه على الإمساك بأيدي بعض والتعهد بعدم الانخراط في الاحتفالات أو الممارسات الدينية، مثل الصيام وحضور صلاة الجمعة. ومع ذلك، كان لدى بعض العائلات الإيغورية بعض الحرية لممارسة دينهم بهدوء.

لم يستمر الحال على ما هو عليه، وتحديدا في العام 2015 عندما انقلبت الأمور بالكامل وبدأت السلطات الصينية باضطهاد الإيغور بشكل معلن، وقال نجم الدين: “فجأة في أواخر عام 2015، تلقيت اتصالاً من والدتي أثناء إقامتي بالخارج، رجتني وهي تبكي ألا أعود مرة أخرى إلى شنجيانغ، أخبرتني أن أبي قد زج به في السجن بعد اتهامه بارتكاب جريمة سياسية وحكم عليه بالسجن مدة عام في “أكسو”، وهي مدينة في جنوب شينجيانغ، كذلك حُكم على شقيقي الأصغر بالسجن ستة أشهر في “كاشغار” بسبب اتهامه بجريمة مماثلة. توسلت لي والدتي بعدم العودة مجدداً إلى المنزل أبدًا من أجل سلامتهم لأن وجود شخص ينتمي لعائلة إيغورية ويقيم في الخارج يمكن أن يؤدي إلى تكثيف المراقبة والاستجواب لتلك العائلة”.

جدار صمت لا ينكسر

مواقف صادمة يعيشها الكثير من الإيغوريين في المنفى بسبب قلقهم العميق على مصير ذويهم، وخشيتهم كذلك من محاولة التواصل معهم لعدم تعريضهم لأي خطر، في الوقت الذي يواجه المنفيون فيه مشقة العيش في أراض أجنبية ويكافحون من أجل تأمين وضعهم الخاص، نظرًا للضغط الذي تمارسه الحكومة الصينية على البلدان التي تستضيف طالبي اللجوء الإيغور.

نجم الدين كان قد تلقى معلومات من أشخاص تكتم على هويتهم خوفاً من افتضاح أمرهم، أن جده اتهام بالتطرف الديني وتم اعتقاله في يونيو 2016 في بداية شهر رمضان.

ووفقا لمصادر نجم الدين، فقد تم نقل جده إلى المستشفى، قبل أن توافيه المنية داخلها. المصدر أخبر نجم الدين كذلك، أن جده تعرض للضرب المبرح قبل وفاته. كان في السبعين من عمره.

القمع الذي واجهته عائلة نجم الدين لم يتوقف إلى ذلك الحد، بل امتد لتصادر الحكومة الصينية أصول عائلته بما في ذلك مدخرات جده الضخمة.

قال نجم الدين: “باسم إعادة التأهيل والتدريب المهني، قتلت الحكومة الصينية جدي وصادرت ثروته”.

في مارس 2019 علم أن والده البالغ من العمر 50 عامًا، وعمه الكبير، الذي كان في الستينيات من عمره، توفيا أيضًا في الحجز ولم يتمكن من معرفة أي تفاصيل حول تلك الوفيات وأسبابها.

الصين تبتز ناشطين إيغور عبر الزج بأقربائهم في السجون

من اليأس إلى النشاط عبر الإنترنت

هذه باختصار كانت تجربة نجم الدين مع قمع السلطات الصينية لعائلته، والتي أرخت بظلالها عليه، لتصيبه باليأس والاحباط.

نجم الدين أجرى مكالمات هاتفية عديدة إلى مراكز الشرطة في “كاشغار” في فبراير 2019، لتطلب منه الشرطة القدوم بشكل شخصي إلى تلك المدينة إذا أراد معرفة مصير عائلته.

حاول الشاب الإيغوري الاتصال بالسفارة الصينية في هولندا مكان إقامته، في خطوة غير عادية ويائسة، أرسل معلومات الاتصال الشخصية لجميع أفراد عائلته إلى السفارة. بعد إجراء مكالمات متعددة كل يوم لمدة أسبوع، أخبره موظف الاستقبال في السفارة أخيرًا أن رسالته ستُنقل إلى سلطة معينة والتي ستقرر  في وقت غير معروف ما إذا كانت ستنظر في القضية أم لا.

في نهاية المطاف، التقط موظف آخر الهاتف، وأخبر نجم الدين أنه مرحب به في حال أراد العودة إلى الصين والبحث عن عائلته بمفرده. لقد مضى أكثر من عام على اتصال نجم الدين بالسفارة الصينية.

شاهد عيان يصف تفاصيل مذبحة قامت بها الصين بحق مسلمي الإيغور

وبناءً على الملفات الشخصية العديدة للمعتقلين التي ظهرت للعلن في السنوات العديدة الماضية، فإن أحد العوامل التي دفعت السلطات الصينية إلى استهداف عائلة نجم الدين، كونهم مسلمين متدينين، وهو الأمر الذي يتفق مع ممارسات بكين ضد معتقدات وثقافة الإيغور وهدمهم لمبان إسلامية وتدمير مقابر عديدة في الهجوم الأكبر للصين على الثقافات المسلمة في شينجيانغ.

في الوقت الذي بدأ فيه الإيغور في الخارج مثل نجم الدين يفقدون الاتصال بأحبائهم في أعقاب حملة القمع التي تشنها الصين في وطنهم، بدأ الكثيرون في نشر شهادات بالفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، وتوصيف أقاربهم المفقودين والمطالبة بإجابات.

وقال نجم الدين: “بعد اليأس الذي تعرضت له، قررت إنشاء محتوى على السوشيال ميديا لدعوة مسؤولي الحكومة الصينية لمعرفة مصير أسرتي. لقد كانت لحظة عاطفية، عندما كنت أصنع هذا الفيديو بكيت كثيرًا. شعرت ببؤس لأنني اضطررت إلى إنشاء الفيديو لأن هذا ليس ما يفعله الناس في بلد يوجد به قانون. في بلد يوجد فيه قانون، لا يُحبس الناس لمجرد أنهم ينتمون إلى مجموعة عرقية مختلفة أو كونهم مسلمين متدينين… لن يحتاجوا إلى تقديم شهادات الفيديو هذه … ولكن بالنسبة لنا، علينا القيام بذلك … نحن يائسون لسماع أي شيء عن عائلاتنا في شينجيانغ”.

منذ عام 2018، نشر نجم الدين، عدداً من مقاطع الفيديو على منصة للشهادات تسمى “نبض الإيغور”. وهو لا يعرف ما إذا كانت جهوده قد اثمرت، سواء بشكل إيجابي أو سلبي. ولكن على الأقل تدرك الحكومة الصينية أن ضحايا الحملة لم ولن ينسوا عوائلهم، وأن الأقارب الذين يعيشون في الخارج سيستمرون في التحدث نيابة عنهم.

في هولندا، يكافح نجم الدين من أجل صنع حياة جديدة لنفسه بعيدًا عن عائلته المقربة التي نشأ معها. ما حدث لهم ما زال يلقي بثقله عليه. كتب في أحد منشوراته: “في كل مرة أريد أن أقول أن والدي وجدتي ماتا على يد الحكومة الصينية، لا أستطيع التوقف عن البكاء… أجد صعوبة كبيرة في التصالح مع سبب وفاة أفراد عائلتنا… لا يوجد سبب منطقي وراء ما حدث”.

أقرأ أيضا:

ناشطة: الإيغور يتعرضون لهولوكوست جديد