فلاحون يكشفون لـ”أخبار الآن” ملامح أزمة الحليب والحلول المنتظرة

  • الاتحاد التونسي للفلاحة: منظومة الألبان في تونس مهددة بالانهيار كليًا
  • الغلاء وأزمة المناخ وتهريب الأبقار نحو الجزائر وراء أزمة الحليب في تونس

تتوالى على تونس الأزمات، بعد أزمة الخبز والحبوب، تقف البلاد على عتبات أزمة الحليب، ومع أن الحليب متوفر حاليًا في الأسواق، إلا أن الفلاحين يحذرون من تراجع الإنتاج وعودة فقدان هذه المادة الأساسية.

وللحديث أكثر عن هذه الأزمة، تواصلت “أخبار الآن” مع عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، الناصر العمدوني الذي أكد أن أزمة الحليب ليست جديدة، وهي قديمة متجددة و”أبله” من ينتظر نتائج مختلفة من اعتماد نفس الأساليب والأخطاء -وفق تعبير العمدوني.

وأضاف: “هذا الإشكال موجود منذ سنوات، لكنه زاد حدة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، ووباء الكورونا وأزمة المناخ”.

وقال العمودني: “مع أن هذه الأزمات عالمية ولم تقتصر على تونس، إلا أن بقية البلدان كانوا متهيئين لمواجهة مثل هذه الأزمات لكن في تونس لم يقع اعتماد أي إجراءات استثنائية لذلك فإن منظومة الألبان في تونس مهددة بالانهيار كليا.”

أزمة الحليب في تونس: ما سر تراجع المخزون؟ وكيف تحل الدولة الأزمة التي تهدد المواطنين؟

واعتبر “الناصر” أن حل هذه الأزمة يتوقف على الإرادة السياسية، ومن ورائها الإرادة الإدارية، مشيرًا إلى أن الفلاحين مدوا أيديهم لسلطات الإشراف من أجل مراجعة منظومة إنتاج الألبان على قاعدة الحق والواجب، الحق الذي يتمثل في أن يكون السعر المرجعي مساويًا للتكلفة مع هامش الربح والواجب هو توفير مادة ذات جودة للشعب التونسي.

وتابع: “الحل بالنسبة لنا هو التحكم في تكلفة الإنتاج وحماية الفلاحين من السرقات، وتكوين اليد العاملة المختصة وهذا ما يغيب في تونس”.

وشدد على أن الفلاح لا يمتلك قطيعا بما يكفي لأنه مشروع خاسر، الفلاح يخشى من شراء قطيع ويتم سرقته ويخشى أيضا من غلاء الأسعار الناتج عن الحرب الروسية الأوكرانية والجفاف العالمي.

أما عن تفاعل السلطات مع هذه الأزمة قال العمدوني إن هناك تفهم من وزارة الإشراف التونسية، لكن الإشكال يتمثل في المالية العمومية في تونس.

وصرح: “ما نحتاجه بكل بساطة هو رفع سعر الحليب، وهو ما لا يمكن أن تقوم به الدولة لأن الحليب مادة مدعمة، مع أن الدعم ليس موجهًا للمواطن وحده إذ تشتري المقاهي ومحلات المرطبات والنزل، الحليب بسعره المدعم”.

أزمة الحليب في تونس: ما سر تراجع المخزون؟ وكيف تحل الدولة الأزمة التي تهدد المواطنين؟

وكشف الناصر أن استهلاك الحليب اليومي يبلغ ما بين 1,6 و1,8مليون لتر في حين أن الانتاج لا يتعدى 1,6مليون في الوقت الحالي وهذه الأرقام مقلقة وتبين أن تونس حاليا تعيش حاليا أزمة حليب حقيقية، وفق تعبير الناصر.

في حين يرى عضو مجلس المركزي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، أنس خرباش أن أزمة الحليب ستبدأ خلال شهر أغسطس/آب من السنة الحالية، وفي تلك الفترة سيتراجع الإنتاج، وقد ينتهي المخزون الإحتياطي والانتاج لن يواكب الطلب في تلك الفترة وستصبح الأزمة عميقة.

تراجع المخزون الاحتياطي من الحليب

وكشف أن المخزون الاحتياطي من الحليب في تونس يبلغ 18 مليون هذه السنة، في تراجع لأكثر من النصف.

وسجل المخزون الاستراتيجي التونسي من الحليب في نهاية يوليو 2021 أكثر من 54 مليون ليتر، وبعدها بعام انخفض إلى 34 مليون ليتر، كما سجل 29 مليون ليتر في أغسطس 2022، بينما تظهِر المؤشرات الحالية نفاده بالكامل بفعل اللجوء إلى المخزون الاستراتيجي على خلفية تراجع الكميات اليومية التي تصل إلى المصانع.

كما أوضح خرباش في حواره مع “أخبار الآن” أن الفلاح يبيع اللتر الواحد من الحليب بـ1,34 دينار في حين كلفة الإنتاج تكلفه 1,85 دينار أي أن الفلاحين في تونس يتكبدون الخسائر في إنتاج الحليب لذلك يطالبون بالتسريع في زيادة سعر الحليب على الأقل بنصف دينار كي لا يتخلى الفلاحون عن قطيعهم.

أزمة الحليب في تونس: ما سر تراجع المخزون؟ وكيف تحل الدولة الأزمة التي تهدد المواطنين؟

كما كشف أن الفلاحين الذين لا يطالهم أي ربح من إنتاج الحليب فرّطوا بأكثر من من 30 بالمئة من القطيع سواء بالذبح أو البيع العشوائي أو تهريبه نحو الجزائر، ويصعب عادة إحصاء رؤوس الأبقار التي تهرّب عبر الحدود، على الرغم من عشرات عمليات التهريب التي تحبطها الأجهزة الأمنية لا سيما في المناطق الحدودية مع الجزائر بولاية جندوبة أو الكاف.

من ناحيته قال رئيس الغرفة الوطنية لمصنعي الحليب ومشتقاته (مستقلة) علي الكلابي – في وقت سابق- إن “الأزمة لاحت في الأفق بسبب ما بدا من نقص في الإنتاج واستهلاك المخزون الاستراتيجي من الحليب، بعدما ارتفعت أسعار الأعلاف منذ مارس 2022 و لم تراع كلفة الإنتاج لدى مربي الأبقار بإقرار زيادة في الأسعار”.

وأضاف أن “آخر زيادة أُقرت كانت في أبريل 2022 بقيمة 120 مليم (0.04 دولار) لليتر الواحد من الحليب وهي ضئيلة للغاية، وغير مجدية بحكم أن الكلفة في تلك الفترة بلغت 1600 مليم (0.521 دولار) لليتر الواحد، بينما تباع من طرف المربي بـ1140 (0.371 دولار) و1200 مليم (0.390 دولار)، أي بخسارة تقدر بنحو 400 مليم في الليتر (0.130 دولار)”.

وطالب المصنعون الحكومة منذ أكثر من سنة بالتدخل لإقرار زيادة في الأسعار لإنقاذ منظومة الإنتاج أو تعويض النقص الحاصل المنذر باللجوء إلى التوريد من دون جدوى”، وفق الكلابي.

أزمة الحليب في تونس: ما سر تراجع المخزون؟ وكيف تحل الدولة الأزمة التي تهدد المواطنين؟

ونتيجة عدد من العوامل أصبح عدد الأبقار المنتجة للحليب في تونس حوالي 210 ألف فقط في حين يبلغ عدد الأبقار في شقيقتها الجزائر 809 ألف رأس، وخلال سنتين فقط تم التفريط بأكثر من 30 بالمئة من القطيع التونسي وهذا الرقم مفزع وفق خرباش الذي يؤكد إمكانية ارتفاع هذه النسبة إلى 50 بالمئة خلال سنة واحدة في حال لم يتم دعم الفلاح في أقرب وقت من قبل الدولة.

استيراد الحليب سيعمق الأزمة ويضرب الفلاح التونسي

ويعتبر أنس خرباش أن استيراد الحليب لا يمكن أن يكون حلاً بأي شكل من الأشكال، وهو شكل من أشكال تعميق الأزمة وضرب مباشر للفلاح لأن الدولة حين تتخلى عن فلاحيها وتستورد من الخارج ستدفعهم إلى التخلي الكلي عن أبقارهم.

كما أن الوضعية الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الدولة التونسية لا تسمح لها باستيراد الحليب، وحتى في حال التخفيف من الإجراءات الجمركية الأمر لن يكون ممكنا.

وأشار إلى أن تونس حاليًا عالقة في استيراد الحبوب وغيرها من المواد التي لم تستطع توفيرها بسبب عدم توفر العملة الصعبة.

كما ذكر أن وزارة التجارة قامت بإنجاز إستشارة للتوريد في وقت سابق وتبينت أن اللتر الواحد من الحليب سيكلف الدولة 1 أورو أي ما يقابل 3 دنانير تونسية وهو رقم يعتبر ضخم  ومن الأولى دعم الفلاح التونسي الذي يجابه شح الأمطار وأزمة المياه والمناخ والغلاء عوض دعم الفلاح الأجنبي.