أمراء وولايات وهمية.. داعش يهين أنصاره بـ”خُدع المغفلين”

  • صحيفة النبأ الناطقة بلسان داعش كذبت على أتباع داعش وأنصاره مرة تلو أخرى
  • كذب داعش على أنصاره بإخفاء نبأ مقتل أبو سارة العراقي وأبو خديجة العراقي
  • منذ خسارة التنظيم لمعقله بقرية الباغوز لم يعد له أي سيطرة مكانية على أي بقعة جغرافية

عندما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، منتصف فبراير/ شباط الماضي، مقتل حمزة الحمصي (الأنصاري)، أحد الأمنيين البارزين بتنظيم داعش، سارعت صحيفة التنظيم الرسمية “النبأ” لتأكيد الخبر زاعمةً أن القتيل لم يكن قياديًا وإنما أحد الجنود العاديين، على حد زعمها، لكن نفس الصحيفة التزمت الصمت طوال الأسابيع التالية والتي شهدت الإعلان عن مقتل 2 من أبرز قادة داعش، أحدهما أبو سارة العراقي، الذي عُدّ بمثابة الرجل الأول في داعش.

ففي الأسبوعيين التاليين، التزمت صحيفة النبأ الصمت وتجاهلت أنباء مقتل كبار قادة داعش رغم أنه أُعلن عن مقتل أبو خديجة العراقي، عبدالله مكي الرفيعي، والي العراق ومسؤول مكتب بلاد الرافدين ثاني أهم مكتب (المكاتب هي عبارة عن قيادات إقليمية لأفرع داعش)، وأبو سارة العراقي/ عبدالرؤوف المهاجر علي سلمان جاسم محمد الجبوري، أمير الإدارة العامة للولايات، إدارة الولايات البعيدة سابقًا)، والذي قُتل أواخر الشهر الماضي، وكان يُوصف بأنه “صانع الأمراء والخلفاء” والرجل الأهم في التنظيم، منذ سنوات.

لكن اللافت للأنظار في كل المرات السابقة، أن صحيفة النبأ، الناطقة بلسان داعش، كذبت على أتباع داعش وأنصاره مرة تلو أخرى، ففي المرة الأولى روجت أن حمزة الحمصي، مهند السراي، ليس سوى مقاتل أو أحد عناصر التنظيم، مع أنه تولى مسؤوليات عدة في ديوان الأمن العام، وهو الديوان الأهم في داعش، وعُرف لدى أهالي بلدة الصبحة بريف دير الزور الشرقي بدوره البارز، منذ انضمامه لداعش إبان مرحلة الخلافة المكانية.

من "قرداش" إلى أبو سارة العراقي... خداع داعش لأنصاره لا ينتهي

إخفاء الأمير المجهول لم يكن كافياً لحماية العراقي الذي كان يحكم داعش

وفي المرتين التاليتين، كذب داعش على أنصاره بإخفاء نبأ مقتل أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر، وأبو خديجة العراقي، وهو ما فعله التنظيم لمرات عديدة أكثر من أن تُحصى، معتمدًا في كل مرة على ترويج نفس الأكذوبة وهي أن أعداء وخصوم التنظيم يُعلنون عن مقتل القادة أو الأمراء ليُغطوا على تمدد داعش وقدرته على الصمود والاستمرار، بينما يكشف واقع التنظيم على الأرض أنه يتراجع ويتدهور، وهو ما تؤكده الإحصائيات المختلفة الصادرة عن أذرعه الإعلامية مثل صحيفة النبأ، ووكالة أعماق الإخبارية.

ويبرهن النهج الذي يتبعه داعش أنه تنظيم قام على الكذب والخداع والتضليل الدعائي، إلى حد كبير، وهذا الخداع والتضليل استهدف أتباعه قبل خصومه، فماكينة إنتاج وترويج الأكاذيب الداعشية تتعامل مع أنصاره كأنهم لا يدرون ما يدور في الإعلام ولا يدركون ذواتهم ومعلوماتهم إلا عن طريق ديوان الإعلام المركزي، الوكيل الحصري للدعاية السوداء، وهو ما يعني أن التنظيم يتعامل مع مؤيديه وكأنهم “مغفلين” أو في أحسن الأحوال يمتلكون ذاكرة ضعيفة للغاية لا تحتفظ بأي معلومات وبالتالي لا يمكن أن يقعوا في تناقض معرفي منشأه المعلومات المتضادة التي يقدمها لهم داعش.

من "قرداش" إلى أبو سارة العراقي... خداع داعش لأنصاره لا ينتهي

من الخليفة المبتور للخليفة المجهول

ولعل واحدة من أكبر الكذبات التي واصل التنظيم ترويجها منذ سنوات، هي “الخلافة والخليفة”، فمنذ خسارة التنظيم لآخر معاقله بقرية الباغوز السورية، في مارس/ آذار 2019، لم يعد للتنظيم أي سيطرة مكانية على أي بقعة جغرافية لكنه مع ذلك ظل متشبثًا بـ”الخلافة” التي هي مجرد اسم لا يدل على أي مسمى، فحتى الولايات التي يُفترض أنها تكون أفرع الولاية يُطلق عليها التنظيم “الولايات الأمنية” بما يعني أنها لا وجود لها على أرض الواقع سوى في الإعلام الداعشي.

ومن الخلافة إلى الخليفة، تعرض أنصار داعش لخديعات كبرى فبعد مقتل أبو بكر البغدادي، في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، اختار مجلس شورى داعش (أهل الحل والعقد)، أبو إبراهيم القرشي (الهاشمي) خليفةً له دون الكشف عن هويته الحقيقية، فيما ذكرت جهات متعددة منها الاستخبارات الأمريكية والعراقية وغيرهما أن “القرشي” هو نفسه حجي عبد الله قرداش أو أبو عمر قرادش التركماني، أمير عبد المولى الصلبي، والذي شغل منصب نائب “البغدادي”، قبل مقتل الأخير.

 

من "قرداش" إلى أبو سارة العراقي... خداع داعش لأنصاره لا ينتهي

أخيراً داعش يعثر على خليفته الدائم

وظل أتباع التنظيم غير متأكدين من هوية أميرهم، طوال الفترة التي تقلد فيها منصب الخليفة، منذ أكتوبر 2019 وحتى فبراير/ شباط 2022، حين قُتل في عملية عسكرية أمريكية ببلدة أطمة على الحدود التركية السورية، فبعد فترة وجيزة من مقتله، أعلن المتحدث الرسمي لداعش، أبو عمر المهاجر، مقتله لينكشف أن الهوية التي أعلنها أعداء التنظيم له، منذ البداية، صحيحة وأن أنصاره كانوا آخر من يعلم هوية أميرهم المزعوم.

وفي نفس السياق، أكد مقتل أبو إبراهيم القرشي أن داعش يتلاعب بالأفكار المؤسسة للأيديولوجيا الجهادية وقواعد الفقه الحركي التي استقر الجهاديون عليها منذ زمن طويل، فعندما أعلن التنظيم رسميًا عن مقتل خليفته (الأسبق)، أثبت عن غير قصد الشكوك والاتهامات التي وجهت له بأنه اختار أميرًا فاقدًا للأهلية من المنظور الحركي، إذ كان مبتور الرجل اليمنى وهو ما يقدح في أهليته لتولي أي منصب في التنظيم فضلًا عن أن يكون خليفةً له.

وسبق للمنشقين عن داعش أن ألمحوا إلى أن اختيار “قرداش” أو أبو إبراهيم القرشي أميرًا أو خليفةً لا يمكن أن يصح من المنظور الجهادي، لأنه لا يستوفي الشروط التي وضعها المنظرون الجهاديون لأي شخص يشغل منصب قيادي أو إمارة تنظيم أو جماعة.

وقال أبو عيسى المصري، الشرعي المنشق عن داعش، في مقال نشرته مؤسسة التراث العلمي (منشقة) في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، إن الخليفة، الذي لم يكن مضى عن الإعلان عنه إلا أيام معدودة، مجهول الهوية ولا يُعرف أحد من شرعيي أو قادة التنظيم يحمل اسمه الحركي “أبو إبراهيم القرشي”، مردفًا أنه لو كان حجي عبد الله قرداش فهذا يطعن في شرعية  أو صحة توليه الإمارة بالأساس لأنه مبتور الرجل اليمنى.

من "قرداش" إلى أبو سارة العراقي... خداع داعش لأنصاره لا ينتهي

أبو عيسى المصري المنشق عن داعش يكشف خداع التنظيم لأنصاره باختيار خليفة مبتور الرجل اليمنى

وثبت في نهاية المطاف أن ما قاله أبو عيسى المصري وغيره من المنشقين كان صحيحًا فالخليفة الذي ادعى داعش أنه كامل الأهلية من المنظور الجهادي افتقد شرطًا أساسيًا يسلب منه صلاحيته لإمارة التنظيم أو تولي الخلافة بيد أن قيادة داعش العليا تجنبت الاعتراف بذلك أو حتى الالتفاف إليه، دون مراعاة أتباعها وأنصارها.

وعقب مقتل أبو إبراهيم القرشي، عادت القيادة العليا وعلى رأسها أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر لنفس الأسلوب فأعلنت اختيار أبو الحسن الهاشمي خليفةً جديدًا، وعادت لتروج نفس الأكاذيب بأنه فارس من فرسان المعارك وأحد العلماء الشرعيين وواحد من كبار الجهاديين الذين عاصروا التجربة العراقية منذ بدايتها، دون أن تُقدم أي معلومات عنه لأتباعها، ليبقى الخليفة مجهولًا لهم حتى اللحظة الأخيرة في حياته.

بيعة الأموات

وفي منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، تحدث المنشقون عن داعش ومنهم قناة “فضح عُباد البغدادي والهاشمي” أن خليفة داعش أبو الحسن الهاشمي قُتل في سوريا، بيد أن التنظيم لم يؤكد ذلك رسميًا بل نشرت وكالة أعماق، الذراع الإخبارية له مقطعًا مرئيًا يُوثق بيعة منفذ هجوم شيراز في إيران له في بدايات الشهر المذكور، كما دعت المؤسسات الإعلامية المناصرة (شبه الرسمية) إلى “إغاظة الأعداء” وتجديد البيعة لأبي الحسن الهاشمي، وبالفعل جدد المئات من أنصار داعش بيعتهم للخليفة الذي كان مقتولًا منذ منتصف أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.

وفي الـ30 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، خرج المتحدث الرسمي باسم داعش، أبو عمر المهاجر، معلنًا نبأ مقتل أبو الحسن الهاشمي دون أن يوضح متى ولا أين قُتل، مضيفًا أن أهل الحل والعقد (مجلس الشورى) اختار أبو الحسين الحسيني القرشي الذي وصفه بـ”الأمير الهمام والفارس المقدام” خليفةً جديدًا له، ودعا المتحدث باسم التنظيم لبيعة “الحسيني” والالتزام بطاعته وعدم الخروج عليه أو الانشقاق عن التنظيم.

وتبين، في هذه الأثناء عبر مصادر عراقية ومنشقين عن داعش، أن أبو الحسن الهاشمي هو “نور كريم مطني عساف الراوي” وأنه ليس شيخًا من شيوخ التنظيم كما وصفه المتحدث الرسمي لداعش، في بيان تنصيبه، وإنما أحد قادة الصف الثاني، وكان يُعرف أيضًا باسم حركي هو عبد الرحمن العراقي/ سيف بغداد، ليتأكد، مرة أخرى، أن داعش مارس خداعًا وتضليلًا متعمدًا لأنصاره.

كما مثل الإعلان عن تنصيب أبو الحسين الحسيني استمرارًا لمسلسل الخلفاء والأمراء المجهولين لقيادة داعش، لكن أسبوعية النبأ، الناطقة بلسان التنظيم، اعتبرت في مقال بعنوان: “وليرني امرؤ أميره” نُشر بالعدد 368 من الصحيفة، أن هذا الاختيار لا مراء ولا شك فيه، وأن أهل الحل والعقد (المجهولين) هم الوحيدين القادرين على اختيار خليفة مناسب، متجاهلةً أن أعضاء مجلس شورى داعش أو أهل الحل والعقد كلهم مجهولين ولا يُعرف، منهم وقتها، سوى أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر، وأبو الحارث العراقي زياد عبد الله جوهر، المختفي من المشهد منذ وقت طويل.

وبدورهم، اعتبر المنشقون عن داعش أن اختيار أبو الحسين الحسيني لعبة وخدعة جديدة من أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر يُمارسها كي يظل مسيطرًا على داعش وأفرعه الخارجية، وذهبت قناة “فضح عُباد البغدادي والهاشمي” إلى أنه لا يمكن الجزم بوجود “الحسيني” من الأساس وأنه ربما يكون اسم وهمي اخترعه “صانع الأمراء والخلفاء”- في إشارة لأبي سارة العراقي- حتى يتجاوز أزمة مقتل أبو الحسن الهاشمي.

من "قرداش" إلى أبو سارة العراقي... خداع داعش لأنصاره لا ينتهي

أبو سارة العراقي ولعبة الأقنعة

وذكرت قناة “فضح عُباد البغدادي والهاشمي” أن صحيفة النبأ والعاملين في ديوان الإعلام المركزي لا يعرفون هوية “أبو الحسين الحسيني” وأن أبو سارة العراقي الوحيد الذي يعرف ما إذا كان الخليفة الحالي موجودًا من الأساس أم لا.

وعلى الجهة الأخرى تجنب التنظيم التطرق لمسألة هوية “الحسيني” وعمل على كسب الزخم الدعائي عن طريق إعادة نشر صور وأخبار عن هجمات قديمة والإيحاء بأنها هجمات تمت في الفترة التي تلت الإعلان عن تولي الخليفة الجديد منصبه، وذلك كي تُضفي عليه هالة مصطنعة وتقول إنه كفء وقادر على قيادة داعش، في الوقت الحالي.

وفي ظل تلك الأوضاع المضطربة، قُتل أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر في غارة أمريكية، أواخر فبراير الماضي، على طريق “قاح- دير حسان” بريف إدلب وتلقى التنظيم ضربة قوية بمقتله، غير أنه التزم الصمت وتجاهل مقتله فلم تُصدر أي جهة في التنظيم بيانا لنعيه أو تعميمًا يُحدد من سيخلفه في إمارة الإدارة العامة للولايات المسؤولة عن إدارة الأفرع الخارجية لداعش في إفريقيا وآسيا.

من "قرداش" إلى أبو سارة العراقي... خداع داعش لأنصاره لا ينتهي

وأتى مقتل أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر ليخلخل صفوف داعش ويُطيح بمن تبقى من قادته البارزين ويُصّعب مهمته في اختيار بديل يشغل منصب أمير الإدارة العامة للولايات والتي تُوصف بأنها “تنظيم شبه مستقل داخل داعش” نظرًا لارتباطها بشبكة المكاتب الخارجية أو القيادات الإقليمية لداعش في مختلف المناطق.

وألمحت قناة “فضح عُباد البغدادي والهاشمي” إلى أن الهيئات أو اللجان الأساسية في داعش، حاليا، عبارة عن كيانات وهمية وهلامية فلا اللجنة المفوضة، التي تُدير التنظيم نيابة عن الخليفة، ولا مجلس الشورى (أهل الحل والعقد) أو غيرهما من كيانات التنظيم لها وجود حقيقي بل مجرد وجود اسمي يُروج إعلاميًا لإظهار التنظيم وكأن له هياكل ومؤسسات وأن التنظيم “باقٍ ويتمدد”، بخلاف الحقيقة.

من "قرداش" إلى أبو سارة العراقي... خداع داعش لأنصاره لا ينتهي

فضح عُباد البغدادي تتحدث عن خليفة أبو  سارة العراقي في إدارة الولايات البعيدة

وأضافت القناة التي يُديرها منشقون عن داعش أن أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر جمع بين يديه جميع الخطوط القيادية في التنظيم فكان قائمًا على مجلس الشورى، واللجنة المفوضة، وأيضًا الإدارة العامة للولايات، مشيرةً إلى أنه التنظيم يخدع أنصاره حتى يُظهر أن هناك قادة متعددون يديرون تلك الكيانات لكنهم في الواقع شخص واحد يتم تغيير كنيته أو قناعه وأسمائه الحركية فقط.

وتابعت “فضح عُباد البغدادي والهاشمي” أن هوية من سيتولى منصب أمير الإدارة العامة للولايات خلفًا لـ”أبو سارة العراقي”/ عبد الرؤوف المهاجر غير معروفة، إلى الآن، معتبرةً أنه لن يكون واحد من قادة الأفرع الخارجية أو المكاتب الموجودة خارج سوريا، بل إنهم لن يكون لهم أي دور في عملية اختيار الأمير الذي يُفترض أنه مسؤول مباشر عنهم لأن ليس لهم رأي بل يقتصر دورهم على تنفيذ أوامر القيادة العليا والالتزام بمبدأ “السمع والطاعة”، وفق تعبير القناة.

الولايات الوهمية وانهيار معنويات عناصر داعش

وعلى هذا الصعيد، يتضح من مراسلات ووثائق مسربة من أرشيف تنظيم داعش أن أفرع داعش الخارجية ولايات وهمية لا تملك أي تمكين أو سيطرة فعلية وأن الهجمات التي تشنها تلك الأفرع تتراجع بصورة ملحوظة منذ انهيار الخلافة المكانية في 2019.

ودأب التنظيم على الإعلان عن تأسيس ولايات عديدة وصلت، في أوج انتشاره إلى 35 ولاية مزعومة منها 19 في العراق وسوريا، و16 في خارجهما، فيما يبلغ عددها حاليا نحو 15 ولاية في (العراق، وسوريا، وسيناء، واليمن، ليبيا، وغرب إفريقيا، ووسط إفريقيا، والساحل، وموزمبيق، والصومال، وخراسان، وباكستان، والهند، والقوقاز، وشرق آسيا.

وكلما اشتد الخناق على قيادة التنظيم العليا، لجأ داعش إلى تلك الأفرع أو الولايات الوهمية ومثف من نشر المواد الدعائية التي تروج لها حتى يُوحي لأنصاره أن هزائمه وانكسارته لا تعدو انحياز من مكان إلى مكان ضمن حرب استنزاف طويلة بينه وبين خصومه.

من "قرداش" إلى أبو سارة العراقي... خداع داعش لأنصاره لا ينتهي

وفي الحقيقة، لا تُوجد روابط فعلية بين بعض هذه الأفرع وتنظيم داعش ففرع موزمبيق (ولاية موزمبيق) والكونغو الديمقراطية (ولاية وسط إفريقيا) لا تتلق تعليمات من قيادة داعش العليا (المركزية) ولا يوجد أي اتصال عملياتي بينهما بل مجرد اتصالات وتنسيقات دعائية يتم بموجبها نشر أخبار الهجمات الإرهابية التي تشنها تلك الأفرع على أنها استجابة لتوجيهات القيادة العليا، حتى تكسب الزخم وتظهر قوية أمام أنصارها، وذلك وفق أحدث تقرير لفريق رصد الجزاءات والدعم التحليلي المعني بداعش والقاعدة في مجلس الأمن الدولي والصادر في 13 فبراير/ شباط الماضي.

أما الأفرع التي توجد بينها وبين قيادة داعش قنوات اتصال حالية، فيُجيد التنظيم استغلالها واستنزاف مواردها عن طريق توجيه قيادة تلك الأفرع لإرسال الأموال التي تجمعها بوسائل غير مشروعة لتمويل أنشطة التنظيم المركزي وكذلك الأفرع الأخرى، بحيث يظهر التنظيم وكأنه أرسل تلك الأموال من خزينته الخاصة وبذلك يضمن ولاء الفرع الذي تلقاها.

وأظهرت وثيقة من أرشيف المراسلات بين أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر وأمير داعش في الصومال عبد القادر مؤمن أن التنظيم استغل الفرع الصومالي (ولاية الصومال) في عمليات تحويل أموال إلى تركيا واليمن وشبه الجزيرة العربية، وغيرها، وهو ما يعني أن داعش خدع أتباعه في الصومال وتعامل معهم كأجهزة صرف آلي، مهمتهم تمويل عملياته وإرسال الأموال التي يجمعونها كي يتصرف فيها أمراء داعش.

من "قرداش" إلى أبو سارة العراقي... خداع داعش لأنصاره لا ينتهي

رسالة عبد القادر مؤمن وأبو سارة العراقي والتي توضح استغلال داعش للفرع الصومالي

الخلاصة

وبناءً على كل تلك الوقائع والشهادات والوثائق، يتضح أن التنظيم الذي أنشأ أسطورته على ترويج فكرة “الخلافة.. باقية وتتمدد” “والدولة التي لا تُقهر”، كما يصفها أحد الأناشيد الدعائية الصادرة عن مؤسسة أجناد التابعة لديوان الإعلام المركزي لداعش، هو في الواقع مجرد منظمة عصابات تقليدية أصابها الضعف حتى النخاع، وأضحت “فانية وتتدهور”، لكن قادتها يواصلون خداع أنصارهم والكذب عليهم لكي يضمنوا استمرار ولائهم وتبعيتهم العمياء لهم.

وعلى الرغم من أن التنظيم نجح، في ما مضى، في عملية خداع أنصاره وتضليلهم والسيطرة عليهم بالأساليب الملتوية، إلا أن الانتكاسات الأخيرة ومقتل كبار القادة، بما فيهم أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر وغيره، تُثبت أن التنظيم جرى تقويضه من الداخل وأن مواصلة الخداع والكذب لن يُخفي الفشل والضعف الذي يعتري التنظيم، في الوقت الراهن.