في السادس عشر من أغسطس/ آب من العام 2021، صرّح رئيس وزراء باكستان عمران خان مبتهجاً بأنّ “الأفغان قد حطّموا أصفاد العبودية” فيما كانت حركة طالبان تطبق سيطرتها على مقاليد السلطة في أفغانستان.

  • بعد مرور أقل من 6 أشهر بدأت حقيقة حكم طالبان القاسية تظهر جليّاً بالنسبة إلى باكستان
  • عودة طالبان الأفغانية شجّعت حركة تحريك طالبان – باكستان ومنظمات إرهابية أخرى على تكثيف نشاطاتها
  • علاقة الصين وباكستان متوتّرة جراء عجز الأخيرة عن حماية موظفي مشاريع بكين من هجمات طالبان – باكستان
  • مستشار أمن باكستان القومي: أراضي أفغانستان لا تزال تستخدم ضدّنا وتنشط فيها شبكات إرهابية منظّمة

اليوم وبعد مرور أقل من 6 أشهر، بدأت حقيقة حكم طالبان القاسية تظهر جليّاً لباكستان… فقد شجعت عودة طالبان في أفغانستان، حركة تحريك طالبان – باكستان ومجموعات إرهابية أخرى على تكثيف نشاطاتها العنيفة معزّزة بالتالي المخاطر الناجمة عن التطرّف والطائفية. وبالرغم من كلّ الوعود التي قطعتها طالبان الأفغانية، لقد رفضت أن تمنع حركة تحريك طالبان – باكستان من مواصلة اعتداءاتها على قوّات الأمن الباكستانية.

وصلت هجمات تحريك طالبان – باكستان إلى قلب البلاد، وقد نفّذت هجوماً على دورية شرطة في إسلام أباد في 17 يناير/ كانون الثاني، ما أوقع قتيلاً في صفوف رجال الشرطة وجرح إثنين آخرين. من المفارقة أنّه فيما دعت باكستان إلى عقد مؤتمر لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي من أجل إيجاد سبل لتأمين مساعدات إنسانية  لأفغانستان، اندلعت اشتباكات مسلّحة بين قوات طالبان الأفغانية والقوات الحدودية الباكستانية في ولاية نانغرهار الأفغانية الشرقية، على خلفية إقامة السياج الحدودي بين البلدين.

اعتبرت الحكومة الباكستانية أنّه من مصلحتها أن تكون هناك حكومة صديقة في كابول لتساعدها على مراقبة الحركة القومية الباشتونية، إلّا أنّ الأحداث قد كذّبت ذلك الإحتمال

وكانت حكومات أفغانية سابقة أبدت اعتراضها على تسييج الحدود، إلّا أنّ أيّاً من الطرفين لم يلجأ إلى استعمال القوّة في الفترة الأخيرة. كما أنّ تلك الإشتباكات وقعت بالرغم من أنّ القوات الأفغانية تخضع لسيطرة رجل جهاز الإستخبارات الباكستانية سراج الدين حقاني.

على ذلك الصعيد، كانت حكومة عمران خان وصّفت الإعتداءات التي نفّذتها تحريك طالبان – باكستان في وقت سابق، بأنّها من صنيع الهند وجهاز الإستخبارات الأفغانية بإمرة الحكومة الوطنية. ولكن مع طرد الإثنين من كابول، لماذا تتواصل تلك الإعتداءات؟ في الحقيقة، اعتبرت الحكومة الباكستانية أنّه من مصلحتها أن تكون هناك حكومة صديقة في كابول لتساعدها على مراقبة الحركة القومية الباشتونية، إلّا أنّ الأحداث قد كذّبت ذلك الإحتمال.

لقد تساءل بعض الناقدين الباكستانيين إنْ كانت السياسة التي تنتهجها الدولة الباكستانية قد مُنيت بخسارة فادحة على صعيد تقييم التقارب بين حركة طالبان في أفغانستان وتحريك طالبان – باكستان. ومؤخراً اعتبر رئيس هيئة الأركان في الجيش الباكستاني الجنرال قمر باجوا أنّ حركة طالبان الأفغانية وتحريك طالبان باكستان هما “وجهان لعملة واحدة”، ملمّحاً إلى أنّ أيّاً من الطرفين هو أهل للثقة.

ما الثمن الذي تدفعه باكستان بعد سيطرة طالبان في أفغانستان؟

لا شك في أنّ عودة طالبان في أفغانستان كبّدت باكستان أثماناً باهظة. على حد قول رئيس الوزراء عمران خان، فقد شهدت بلاده سقوط  ما يزيد على 80 ألف ضحية ونزوح 3.5 ملايين مواطن باكستاني وخسائر إقتصادية بقيمة تفوق 150 مليار دولار.

كما أنّ دعمها لطالبان قد أدّى إلى تراجع علاقاتها مع شركائها الرئيسيين بمن فيهم الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية والصين وغيرها من الدول. فمثلاً الرئيس الأمريكي جو بايدن لم يتصل برئيس الوزراء الباكستاني بعد توليه مقاليد الحكم بسبب استيائه من دور باكستان المضلّل. كما أنّ الولايات المتحدة خفّفت من حجم مساعداتها الأمنية والإقتصادية التي كانت تقدّمها لباكستان.

عودة طالبان في أفغانستان كبّدت باكستان أثماناً باهظة، وقد قال رئيس الوزراء عمران خان إنّ بلاده شهدت سقوط  ما يزيد على 80 ألف ضحية ونزوح 3.5 ملايين مواطن باكستاني وخسائر إقتصادية بقيمة تفوق 150 مليار دولار

أمّا بالنسبة إلى علاقة الصين مع باكستان، فقد اعتراها التوتّر هي أيضاً بما أنّ إسلام أباد عاجزة عن تقديم الحماية الأمنية الكاملة لموظفي المشارع الصينية من الهجمات التي قد تنفذها تحريك طالبان – باكستان. بالإضافة إلى ذلك وبسبب تباطؤ النمو الإقتصادي في البلاد، حدّت الصين من تمويلها لمشروع الحزام والطريق بنسبة تناهز 55 %، فتراجع التمويل من 105 مليار دولار في العام 2019 إلى نحو 47 ملياراً العام 2021، ما أثّر بدوره على تمويل المشاريع الباكستانية.

وهكذا مع تضاؤل الإستثمارات من مصادر خارجية، تسعى باكستان جاهدةً لإدارة إقتصادها… فاضطر رئيس الوزراء عمران خان من أجل معالجة عزلة باكستان وهشاشتها الإقتصادية، إلى إعلان “سياسة أمنية جديدة” تتضمن رؤية جيو – إقتصادية في صلبها، وصخباً كبيراً إلّا أنّ النقّاد يعتبرون أنّ “السياسة الأمنية الجديدة” لا تقدّم إلّا بديهيات فارغة من أيّ استراتيجية أو خريطة طريق قابلة للتنفيذ. كما تشبه تلك السياسة نداءً واضحاً يوجّهه رئيس الوزراء الباكستاني لإطلاق برنامج “نايا باكستان”. من جهة أخرى، لا تتضمن النسخة المنشورة لـ”السياسة الأمنية الجديدة” أي جديد على صعيد تحديد المشاكل أو تنفيذ معالجتها.

أمّا حكم حركة طالبان الجديدة فلا يزال رجعياً شأنه شأن حكم طالبان القديمة باستثناء بعض البلاغة الحاشدة والدعائية. فقد صرّح الناطق باسم طالبان ذبيح الله مجاهد مؤخراً بما يلي: “إنْ كان العالم لا يريد أن تمثل أفغانستان تهديداً له، فعليه أن يعترف بنا”. يقول بعض النقّاد إنّ طالبان لا تتبنى فكرة “الحكم من أجل الشعب”، فبالنسبة إليها، يتلخص دور الدولة بجمع الشعب تحت جناح “الإسلام الحقيقي”، بدلاً من حمايته أو تقديم الخدمات له.

وفيما تخطط منظمة الأمم المتحدة لتنفيذ برنامج إغاثة لأفغانستان بقيمة 8 مليار دولار والولايات المتحدة، أصدرت بعض الإعفاءات لمسؤولين أمريكيين وللأمم المتحدة للسماح لهم بالتعامل مع طالبان، لكن لا تزال مراقبة وصول المساعدات للشعب الأفغاني مسألة شائكة. بالإضافة إلى ذلك، أبلغت بعثة أوروبية أمير خان متقي، وزير خارجية طالبان، في محادثات أوسلو التي عقدت بين 23 و25 من يناير/ كانون الثاني العام 2022، بأنّ المساعدات الإنسانية ستكون مربوطة بتحسن وضع حقوق الإنسان في البلاد بما في ذلك ارتياد الفتيات للمدارس.

تزداد تساؤلات الباكستانيين حول ما إذا كانت كلفة تربية ذلك “الطفل” تستحق العناء مقارنةً بالنتيجة، أم أن ذلك ليس سوى فشل ذريع مُني به جهاز الإستخبارات الباكستانية

من غير المحتمل أن تشهد البلاد تحسّناً في الخدمات الغذائية والصحية والأساسية، أو أن تتوصل إلى حدّ أدنى من الإستقرار والأمن، إلّا إنْ تخلّت طالبان عن معتقداتها البدائية المتشدّدة، وانبرت على ممارسة حكم منطقي. ولا شك أنّه في ظلّ غياب الإستقرار والأمن، ستبقى الإستثمارات أو إنشاء البنى التحتية الآيلة إلى تحسين التواصل مع دول آسيا الوسطى ودول أخرى، مجرّد أحلام واهية.

وأعلن مستشار الأمن القومي الباكستاني معيد يوسف في السادس والعشرين من يناير/ كانون الثاني، أنّ “الأراضي الأفغانية لا تزال تستخدم ضدّ باكستان وتنشط فيها شبكات إرهابية منظّمة”.

كما “لم يبدِ أمله إطلاقاً” بشأن حكومة طالبان بعد اليوم… لكل تلك الأسباب، بدأت خيبة باكستان تظهر إلى العلن، وإنْ واصلت طالبان التصرّف كمنظمة إرهابية بدلاً من التصرّف كحكومة مسؤولة، ستزداد تساؤلات الباكستانيين حول ما إذا كانت كلفة تربية ذلك الطفل تستحق العناء مقارنةً بالنتيجة، أم أن ذلك ليس سوى فشل ذريع مُني به جهاز الإستخبارات الباكستانية؟

شاهدوا أيضاً: ماذا لو نفّذ داعش هجوماً مماثلاً للحسكة في أفغانستان.. ذبيح الله مجاهد يرد على تلك الإحتمالات