يبدو أن اتفاقية السلام التي وقّعت في نهاية حرب البوسنة والهرسك بوساطة أميركية تواجه خطر الإنهيار، فالبوسنة والهرسك تقف اليوم على حافة أزمةٍ يحذّر المحللون من أنها ستكون الأخطر منذ نهاية الحرب في العام 1995 التي قُتل فيها الآلاف وارتُكبت خلالها أعمال تطهير عرقي بحق المسلمين.

وفي تفاصيل الأزمة أن الزعيم الصربي ميلوراد دوديك، أحد أعضاء المجلس الرئاسي للبوسنة والهرسك المكون من ثلاثة أشخاص، هدّد مراراً بالانفصال عن بقية البلاد التي كانت منذ الحرب تتألف من منطقتي حكم ذاتي مرتبطتين بحكومة مركزية، لكنه هذه المرة يضيف مزيداً من التفاصيل عن طريق سن تشريع يمكن أن يؤدي إلى انفصال جمهورية صرب البوسنة عن المؤسسات المشتركة للدولة، مثل القوات المسلحة والهيئات القضائية، وقد انزعج دوديك مؤخراً من تشريع جديد سُنّ عن طريق مكتب المفوض السامي، وهو تشريع يمكن أن يُعاقَب بموجبه بالسجن أيُ شخصٍ ينكر الإبادة الجماعية التي ارتُكبت.

فما هو الدور الروسي في تلك الأزمة ولماذا تتدخل فيها روسيا؟ ما مدى خطورتها؟ وهل يمكن للتاريخ أن يعيد نفسه؟

يقاطع السياسيين الصرب الدّولة، وعليه فقد توقفت الأعمال في المباني التابعة للحكومة والبرلمان في سراييفو منذ يوليو الماضي، ويقف دوديك خلف قرار عرقلة عمل المؤسسات، ما جعل العمل في برلمان الولاية مستحيلاً إذ لا يستطيع أعضاؤه القيام بعملهم.

ويقول النائب في البرلمان ساشا ماجازينوفيتش إن “حصار الدولة جاء بعد أن فرض المجتمع الدولي حظراً على إنكار الإبادة الجماعية وجرائم الحرب”، ويضيف “أن أحد أولئك الذين يقولون إن هذه إحدى القضايا الأمنية التي تمثل تحديًا للبوسنة والهرسك. والآن، بعد أشهر قليلة من اندلاع الأزمة، يمكنني القول إن البلد على بعد خطوة واحدة من التصعيد”.

على بعد 100 متر فقط من مبنى البرلمان، لا يزال أحد المبنى مليئًا بثقوب الرصاص، تذكيراً بحرب البوسنة في التسعينيات وحصار سراييفو، وإلى جانبه جسراً كان بمثابة خط المواجهة والمكان الذي ماتت فيه الضحية الأولى للحرب الطائفية التي اندلعت في العام 1992. ينتشر تاريخ الحرب الحديث في كل مكان، وسط تساؤل كثر من المحللين والمراقبين حول إذا ما كان التاريخ سيعيد نفسه بعد انقضاء 26 عاماً على الحرب.

يقول السفير البوسني السابق لدى الناتو في بروكسل عليجا كويلجاك “إن ذلك يمكن أن يحدث بسهولة خصوصاً وأن صربيا وروسيا تديران الأزمة، ويقوم العضو الصربي في رئاسة الدولة ميلوراد دوديك بتنفيذها”.

ويهدف دوديك من ذلك بحسب ما أوضح كويلجاك إلى “تقويض مؤسّسات الدولة ونقل صلاحيات بعض المؤسسات من مستوى الدولة إلى مستوى الكيان، وهو على وشك تقويض سيادة البوسنة والهرسك. في الواقع يود تجاوز سيادة البوسنة والهرسك ونقلها إلى مستوى الكيان وهذا يمكن أن يشعل الحرب”.

الدّور الروسي

يبدو أن روسيا هي أحد اللاعبين الرئيسيين في الأزمة البوسنية الحالية، وتنقل وسائل الإعلام المحلية ذلك صراحة إذ تقول إن روسيا ليس لها مصلحة إقتصادية هناك ولكنها تريد فقط إحداث ضرر سياسي وإبطاء اندماج البوسنة في الهياكل الأوروبية الأطلسية.

وبحسب الصحافي في مجلة جورنال الإلكتروني أماريلدو غوتيش “يحاول الروس إظهار قوتهم ضد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن طريق معارضة كل ما تدافع عنه هذه القوى في البوسنة والهرسك، قبل كل شيء إنه الاندماج في حلف الناتو وبعد ذلك في الاتحاد الأوروبي”.

روسيا تلعب بنار الحرب في البوسنة والهرسك.. فهل يعيد التاريخ نفسه بعد انقضاء 26 عاماً؟

 

ويتابع الأكاديميون في كلية العلوم السياسية في العاصمة البوسنية عن كثب التطورات السياسية والأمنية الأخيرة، يقولون إن الأزمة الحالية مخطط لها منذ فترة طويلة بدعم من صربيا وروسيا، وهي تقود البلاد إلى الإنهيار الداخلي ثم الانفصال مع تداعيات إقليمية أوسع، وغالبًا ما يكتب عميد الكلية سياد تورتشالو عن التدخل الروسي في البوسنة بقوتها الناعمة ويخلص إلى أن “روسيا تدعم الفوضى السياسيّة وعدم الاستقرار”.

ويضيف “لم يعد لدينا أزمة سياسيّة بعد الآن، إنها أزمة أمنيّة وتهديد حقيقي لأمن الدولة، إن الدولة مهدّدة من الناحية الأمنيّة ولا يلزم سوى لحظة تافهة حتى يتصاعد الوضع إلى عنف”.

ويخطط برلمان جمهوريّة صربسكا، وهي إحدى منطقتين تتمتعان بحكم شبه ذاتي في البوسنة والهرسك، لاعتماد قوانين جديدة وسحب اختصاصات الدولة في مجال الضرائب والعدالة والدفاع في الأشهر الستة المقبلة، ويشمل ذلك إعادة بناء الجيش الذي ارتكب الإبادة الجماعية في سريبرينيتسا عام 1995.

وبالعودة إلى برلمان الولاية، يقول ساشا ماغازينوفيتش إن هذا صراع واضح بين ميلوراد دوديك كسياسي بارز، والعالم المتحضر، برأيه إن “وقف عمل المؤسسات لأن شخصاً ما لا يسمح لك بتعكير صفو قبور الضحايا بكلماتك وأفعالك هو بكل بساطة أمر مروع”.

إذاً كيف يمكن حل هذا المأزق وما الذي ينتظر البوسنة والهرسك في الأيام المقبلة؟