بعد 11 يوما من قيام الجيش الإثيوبي بتحريرها، سقطت بلدة لاليبيلا الاثيوبية مجددا في أيدى مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، والتي تضم مواقع تراثية عالمية، في هجوم مضاد جديد يقوده المقاتلون ضد القوات الحكومية.

قبلها ب 4 أيام هنأ رئيس الوزراء الاثيوبي آبي أحمد شعبة ب”بالانتصارات” وقال إن ” العدو تكبد خسائر كبيرة ولا يستطيع النهوض بعد الآن” وقال إن قواته استعادت عدة بلدات، سيطر عليها مقاتلوا التيغراي، خلال زحفهم نحو العاصمة الإثيوبية .

صراع السيطرة على هذه البلدات هو جزء من الحرب المستمرة منذ نحو 13 شهرا بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية برئاسة آبي أحمد ومقاتلي التيغراي، بدأ بحملة عسكرية قام بها الجيش على إقليم تيغراي شمالي البلاد، وشهدت عدة تحولات مفاجئة، أبزرها كان منتصف العام الحالي، عندما تحولت جبهة التيغراي من الدفاع عن الإقليم إلى الهجوم على الجيش خارج الإقليم.

كيف بدأت الأزمة؟

في الرابع من نوفمبر 2020 بدأ الصراع، عندما أمر أبي أحمد بشن هجوم عسكري ضد قوات التيغراي، ردا على ما قال إنه هجوم على قاعدة عسكرية للقوات الحكومية في الإقليم.

على مدار الأشهر التالية من هذه اللحظة، تصاعدت الخلافات بين حكومة أبي وزعماء التيغراي، الذين كانوا أحد المكونات الأساسية للسلطة  لمدة 30 عاما قبل صعود أحمد لرئاسة الوزراء عام 2018، مدعوما بتظاهرات حاشدة أطاحت بالحكومة السابقة.

تتكون إثيوبيا من 10 ولايات مقسمة على أسس عرقية، تتمتع كل بالحكم الذاتي، ولكن مع مؤسسات مركزية.

حاول آبي أحمد فرض إصلاحات سياسية اعتبرها البعض محاولة لفرض سلطة الحكومة المركزية على الولايات، وهو ما كان مرفوضا من التيغراي، ما أدى لتأجيج الخلافات بين الطرفين.

تغير اتجاه المعارك منذ أشهر من حدود إقليم تيغراي شمالي إثيوبيا، وباتت تقترب من العاصمة أديس أبابا، وسط البلاد.

من هم أطراف الأزمة؟

الجيش الوطني الإثيوبي

هو واحد من أكبر الجيوش في القارة الأفريقية بعد الجيشين المصري والجزائري، يبلغ قوامه ما بين 140 ألف و 162 ألف عسكري، ويصنف في المرتبة رقم 28 في قائمة الدولة من حيث عدد الجنود في العالم.

كان الجيش الإثيوبي شريكا مهما للولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب من منطقة القرن الإفريقي، خصوصا في الصومال، وسبق أن مولت واشنطون الجيش الإثيوبي بالسلاح والمواد الغذائية.

يمثل التيغراي نحو  18٪ من الجيش، ونحو 35 % من قوات الجيش بشكل عام. وثمة غموض بشأن تأييد الجيش بأكمله لإجراءات الحكومة ضد التيغراي، فقوات تحرير التيغراي تقول إنها استولت على أصول الجيش في المنطقة الشمالية بإقليم التيغري التي هاجمتها في بداية الأحداث، بينما تؤكد الحكومة أن قواتها باقية ما زالت موالية للحكومة وتقاوم “تمرد التيغراي.

تماسك هذا الجيش الآن يواجه عدة تحديات، لدرجة أن الحكومة دعت المواطنين العاديين للانضمام لقوات الجيش للدفاع عن العاصمة.

دولة إريتريا

تقع على الحدود الشمالية لإثيوبيا، ولديها حدود مشتركة مع التيغراي. طالما كان هناك عداء بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والحكومة الإريترية بسبب نزاعات حدودية قديمة، ومعراك تبادلها الطرفان في التسعينيات من القرن الماضي.

تتكون قوات جيش اريتريا من نحو 200 ألف شخص. بعد اندلاع الصراع في إثيوبيا، دخل عدد غير معلوم من القوات الاريترية إقليم تيغراي لمساندة آبي أحمد، دون إعلان رسمي مسبق.

منتصف العام الحالي، اعترفت اريتريا بوجود قواتها العسكرية داخل التيغراي، وأعلنت فيما بعد عن سحب هذه القوات، لكن الأمم المتحدة تقول إن هذا الانسحاب لا يمكن التثبت منه.

قبل تولى أحمد السلطة، اندلعت الحرب على مدار سنوات بين اريتريا واثيوبيا، قبل أن يعقد البلدان اتفاق سلام، حصل على إثره آبي أحمد على جائزة نوبل للسلام.

الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي

يشكل أبناء عرقية التيغراي حوالي 7 ٪ من سكان إثيوبيا البالغ عددهم نحو 120 ملايين نسمة، وتعد عرقية التغراي ثالث أكبر العرقيات في البلاد، بعد الأورومو والأمهرة.

يتركز أبناء التيغراي في إقليم يحمل نفس الاسم شمالي البلاد، على الحدود الإثيوبية مع السودان واريتريا.

وفقا لمجموعة الأزمات الدولية ، يقاتل نحو 250 ألف تحت قيادة القادة الإقليميين في تيغراي. ولدى القوات التيغراي أنظمة قتالية ثقيلة، كالدبابات وأنظمة الدفاع الجوي، استولت على بعضها خلال المعارك مع الجيش الإثيوبي، لكنها تعمل بتكنيك حرب العصابات.

جيش تحرير أورومو

عرقية الأورومو هي أكبر جماعة عرقية في إثيوبيا ويشكلون نحو 34 % من السكان وتتركز في أوروميا بوسط إثيوبيا.

يشكو أبناءها من التهميش منذ سنوات طويلة، وقادوا منذ عام 2015 احتجاجات متواصلة قتل خلالها مئات المتظاهرين، وأدت في النهاية لسقوط الحكومة السابقة عام 2018، وجائت بآبي أحمد للسلطة.

كان المنتمون لهذه العرقية مؤيدين لآبي أحمد في البداية، لكن الحال بدأ يتغير بعد مقتل “مغني الأورومو الشهير هاتشالو هونديسا” منتصف العام الماضي، ما أدى لاندلاع أعمال شغب قتل خلالها أكثر من 150 شخصا، وتعرض أكثر من 10 آلاف شخص السجن والقمع، من بينهم شخصيات ذات شعبية كبيرة مثل جوهر محمد، مؤسس شبكة أورومو الإعلامية، الذي يواجه تهما بالإرهاب.

ويخوض جيش تحرير أورومو والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي النزاعات مع الحكومة بشكل منفصل، مع تبادل المعلومات حول ساحة المعركة.

الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية والكونفدرالية الإثيوبية

تحت هذا الاسم، انضمت 9 فصائل مسلحة لتحالف للضغط على الحكومة الإثيوبية لإجراء عملية انتقال سلمي للسلطة.

هذه الفصائل هي جبهة عفار الثورية للوحدة الديمقراطية، وحركة أغاو الديمقراطية، وحركة التحرير الشعبية بني شنقول، وجيش التحرير الشعبي لغامبيلا، وحزب كيمانت الديمقراطي، وجبهة تحرير سيداما الوطنية، ومقاومة الدولة الصومالية، بالإضافة لجبهتي تحرير أورومو والتيغراي.

كيف وصلت الأزمة لهذا الحد؟

4 نوفمبر 2020:
شن آبي أحمد حملة عسكرية للجيش الاثيوبي على إقليم التيجراي.

بعدها بثلاثة أسابيع، أعلن أبي نجاح الهجوم، واستيلاء القوات الحكومية على ميكيلي عاصمة الإقليم، وتعيين إدارة مؤقتة للإقليم.

لم تتوقف المعارك عند هذه المرحلة، فعلى مدار الأسابيع التالية تقاتل الطرفان، وألحق كل منهما خسائر فادحة بالآخر، كما رصدت المنظمات وقوع عشرات المجازر خلال هذه الفترة.

28 يونيو 2021:

استعادت قوات التيغراي السيطرة على ميكيلي عاصمة الإقليم.

استطاعت جبهة التيغراي أن تحول الهزيمة لانتصار، حين ألحقت خسائر فادحة بالجيش الإثيوبي، واستعادت السيطرة ميكيلي، عاصمة إقليم التيغراي.

يوليو 2021:
أعلنت الحكومة وقف إطلاق النار من جانب واحد، وانسحاب قوات الجيش من إقليم تيغراي.

لكن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي اعتبرت هذا الإعلان بمثابة هزيمة لآبي أحمد، ولم تقبل بالتهدئة، وبدأ القتال يمتد خارج حدود الإقليم، ووصل إلى منطقتي أمهرة وعفر المجاورتين.

نوفمبر 2021
أعلن مقاتلو التيغراي التوجه للعاصمة أديس أبابا، واستولوا على أكثر من بلدة بالقرب من العاصمة، من بينها بلدة لاليبيلا التي تضم مواقع تراثية، وهو ما دفع الحكومة لإعلان حالة الطوارئ.

تقول الحكومة إنها استعادت السيطرة على بعض هذه المناطق في الأيام الأخيرة.

كيف يؤثر ذلك على الوضع الإنساني؟

ضحايا المعارك يعدون بالآلاف. نحو 52 ألف وفاة حدثت بسبب الصراع، حسبما تقول المعاضة الإثيوبية لكن الحكومة الإثيوبية تنفى هذا الرقم.

ووفقًا لباحثين في جامعة غينت البلجيكية ، وقعت أكثر من  10 آلاف حالة وفاة و 230 مذبحة بسبب النزاعات.

تعمل الأمم المتحدة لإغاثة مئات آلاف المتضررين في شمال إثيوبيا، وتقول إن 9.4 مليون شخص هناك بحاجة للمساعدات الإنسانية، في بلد يبلغ عدد سكانه حوالي 40 مليونا.

وتشكو المنظمة الأممية من عدم قدرتها على توصيل المساعدات في كثير من الأوقات. وعلى سبيل المثال، لم تصل أي إمدادات إنسانية أو أموال إلى تيغري منذ أكتوبر الماضي حتى نهاية نوفمبر.  كما لم تصل إمدادت الوقود للإقليم منذ بداية أغسطس حتى نهاية نوفمبر.

تحذر الأمم المتحدة من أن البلاد معرضة لخطر الدخول في حرب أهلية إذا لم يتوقف القتال. وتقول إن 400 ألف من المحتاجين يعيشون في ظروف شبيهة بالمجاعة.

تقول منظمة اليونسيف التابعة للأمم المتحدة، إن ما لا يقل عن 100 ألف طفل في تيغراي معرضين لخطر الموت الوشيك، حيث  يزيد الصراع من خطر المجاعة.

وتواجه المنظمة فجوة تمويلية للوفاء بمتطلبات الإغاثة هناك، حيث تسعى لجمع 343 مليون دولار، لاكمال عملياتها الإنسانية التي تكلفت حتي الآن نحو 957 مليون دولار.