هرب عشرات الآلاف من الأفغان من بلادهم منذ أن سيطرت طالبان على أفغانستان في أغسطس وأرغم الآلاف على ترك منازلهم بسبب العنف، وفق أحدث الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة في بداية أكتوبر.

وقد طالب ما يقارب الـ13000 أفغاني بوضع لاجئ لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHRC) في باكستان وإيران المجاورتين خلال شهر أغسطس وسبتمبر، مقابل ما يزيد قليلاً عن 1000 في يوليو. وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد حدد يوم 31 أغسطس موعداً نهائياً لسحب جميع القوات الأميركيّة من أفغانستان.

حذرت الأمم المتحدة من أن ما يصل إلى نصف مليون أفغاني قد يهربون من البلاد بحلول نهاية العام، ودعت الدول المجاورة – التي تستعد لإدارة تدفق واسع النطاق للأفغان الفارين من البلاد – إلى ترك حدودها مفتوحة.

رغم ذلك، قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنه منذ سيطرة طالبان، تم إغلاق معظم المعابر الحدودية البرية بين أفغانستان والدول المجاورة لها باستثناء حالات محدودة لمن يحملون جوازات سفر أو وثائق سفر سارية المفعول.

يبدو أن المخاوف من العنف العرقي تدفع بعدد كبير إلى الهروب من البلاد. فوفقًا لاستطلاعات الفرز المسبق التي أجرتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، شكل عرق هزارة ما يقارب 57٪ من طلبات اللجوء إلى باكستان و 41٪ في إيران، وهي نسبة أعلى بكثير من التقديرات بين السكان، والتي تراوح من 9 إلى 25٪.

تعتبر مجتمعات الهزارة معرضة للخطر بشكل خاص بسبب صراعها الطويل الأمد مع طالبان والذي يعود تاريخه إلى فترة الحرب الأهلية التي أعقبت الاحتلال السوفياتي بحسب نيبا بانيرجي، الزميلة والأستاذة المساعدة في كلية التنمية الدولية والدراسات العالمية في جامعة أوتاوا والتي قضت 20 عامًا من العمل في أفغانستان مع حكومة كندا.

 

 إن ما يقارب الـ 3٪ من الوافدين إلى باكستان كانوا من الطاجيك، وهي نسبة أقل بكثير من نسبة الـ 37٪ من طالبي اللجوء في إيران والتقديرات الوطنية التي تراوح بين 21٪ – 37٪.

حوالي 29٪ من الوافدين الأفغان الذين شملهم استطلاع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في باكستان كانوا من البشتون.

وفقًا لاستطلاعات الفرز المسبق، كان ما يقارب نصف الأفغان الذين يسعون للحصول على وضع لاجئ في باكستان وإيران هذا العام من الأطفال، وكان عدد الفتيان أكثر بقليل من الفتيات. ربع العائلات التي وصلت إلى إيران كانت تعولها سيدات.

أشارت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن العينات لا تمثل جميع الأفغان الذين وصلوا إلى إيران أو باكستان، لكنها تقدم نظرة ثاقبة لملامح الوافدين الجدد الذين اتصلوا بالمفوضية.

 

Made with Flourish 
قالت باكستان وإيران إنهما لا تستطيعان التعامل مع المزيد من اللاجئين الأفغان. وقال البلدان إن اللاجئين الوافدين حديثًا سيضطرون إلى البقاء في مخيمات بالقرب من الحدود إلى أن يتمكنوا من العودة إلى أفغانستان.في نهاية عام 2020، كان هناك بالفعل أكثر من مليوني لاجئ أفغاني في باكستان وإيران.إن العديد من الدول المجاورة لأفغانستان، بما في ذلك الصين وتركمانستان وأوزبكستان تنظم حدودها بإحكام وتحجم عن السماح بدخول الأفغان الفارين.وقال متحدث باسم المكتب الإقليمي لآسيا والمحيط الهادئ التابع للمفوضية إن المنظمة “ليست على علم بالتحركات الأخيرة للأفغان عبر هذه الحدود”.وقالت إن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تتمتع بعلاقات عمل جيدة مع حكومات جميع الدول المتاخمة لحدود أفغانستان وأنها “تواصل الدعوة إلى منح اللجوء حيث يفر الأفغان من الاضطهاد أو العنف“.

على الرغم من الأعداد الكبيرة لطالبي اللجوء الأفغان، فقد قبل عدد قليل جدًا من الدول العديد من اللاجئين أو طالبي اللجوء من أفغانستان، إما في الماضي أو بعد سقوط الحكومة. في عام 2020، قبلت أوروبا حوالي 13٪ من اللاجئين الأفغان، فيما استقبلت باكستان وإيران 85٪، وفقًا لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

قالت تازرينا سجاد، الأستاذة المحاضرة بالحوكمة العالمية، والسياسة والأمن في كلية الخدمة الدولية بالجامعة الأمريكية: “ستكون تركيا الدولة الثالثة التي سيحاول الأفغان اللجوء إليها، إذا تمكنوا من عبور الحدود”. وقالت إن “أوروبا تمارس ضغوطا على تركيا باستمرار كي لا تسمح بدخول المزيد من الناس” إلى أوروبا.

يقول المسؤولون الأتراك إن هناك ما يقارب الـ 182 ألف مهاجر أفغاني مسجل في البلاد و 120 ألفًا آخرين غير مسجلين. في وقت سابق من هذا العام، بدأت تركيا بتحصين حدودها مع إيران لمنع دخول المزيد من الأفغان الفارين. قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده لن تصبح “مستودع اللاجئين” في أوروبا.

استقبلت ألمانيا أكبر عدد من طالبي اللجوء الأفغان أكثر من أي دولة أوروبية في عام 2020، حيث قبلت أقل بقليل من 150 ألف شخص – حوالي خمس العدد الرسمي للاجئين في إيران. ومع ذلك، كان هذا عددًا أكبر مما تم قبوله من قبل النمسا وفرنسا والسويد واليونان وسويسرا وإيطاليا مجتمعة – الدول الست التي قبلت أكبر عدد من اللاجئين الأفغان في عام 2020 بعد باكستان وإيران وألمانيا.

تم قبول حوالي 4000 لاجئ أفغاني فقط في الولايات المتحدة وكندا العام الماضي، على الرغم من أنه بعد الانسحاب العسكري الأمريكي، تعهد كل من البلدين بقبول المزيد من الأفغان. تعهدت الولايات المتحدة بقبول 95 ألف أفغاني وتعهدت كندا بقبول 40 ألف أفغاني. كما تعهدت المملكة المتحدة باستقبال 20 ألف أفغاني وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن بلادها ستساعد في إجلاء ما يصل إلى 40 ألف شخص.

ومع ذلك، فإن التعهدات المجتمعة لجميع البلدان هذا العام أقل بكثير من نصف مليون شخص يمكن أن يفروا من أفغانستان بحلول نهاية العام بحسب تقديرات الأمم المتحدة. وشددت التصريحات العلنية الصادرة عن الاتحاد الأوروبي على إبقاء اللاجئين في الدول المجاورة لأفغانستان والحد من وصول الأفغان إلى أوروبا.

انتقدت هيومن رايتس ووتش في بيان مثل هذه التعليقات قائلة إنها “تخاطر بتوليد أو تعزيز المشاعر العامة السلبية تجاه الأشخاص الذين يحتاجون إلى حماية عاجلة”.

كما أعربت سجاد عن قلقها إزاء تصريحات السياسيين وخطط الدول لإغلاق أو تقييد الوصول عبر الحدود، مشيرًا إلى أن الأزمة في أفغانستان “تتكشف في وقت تشهد في مستويات عالية من كراهية الأجانب والمشاعر المعادية للاجئين والمسلمين وفي وقت تفشي جائحة عالمية.” وقالت: “أيًا كانت الطريقة التي تقطعون بها الفطيرة إنكم تتحدثون عن حدود مغلقة أو إغلاق الحدود”. مشيرة إلى أن عدد الأفغان الذين سيتمكنون من مغادرة البلاد سيكون “محدودًا للغاية” باستثناء طالبي اللجوء.

قالت سجاد: “معظم الناس لن يصلوا إلى مطار كابول الدولي. ليس لديهم تأشيرة دخول، ليس لديهم جوازات سفر، ليس لديهم أي شكل من أشكال الوثائق”. وأضافت إن بعض الأفغان، لا سيما أولئك الذين لهم صلات بمنظمات دولية غير حكومية أو جيوش أجنبية، كانوا يدمرون وثائقهم الخاصة خوفا من أنها قد تعرض حياتهم للخطر من قبل عناصر قوات طالبان الذين يسعون إلى الانتقام. مؤكدة أن “الأشخاص الذين ليس لديهم أوراق لا يمكنهم المغادرة”.

بالنسبة لأولئك الذين بقوا في أفغانستان، فإن الوضع يزداد صعوبة. هناك ما يقارب الـ 3.5 مليون أفغاني نازحون داخل حدود البلاد، أجبروا على الفرار من العنف والجفاف والمرض أو بحثًا عن وظائف أو احتياجات أساسية مثل الطعام. يعاني ما يقارب من الـ 17 مليون أفغاني من انعدام الأمن الغذائي الشديد، وفي أوائل سبتمبر حذر مسؤول في الأمم المتحدة من أن مخزون الغذاء في البلاد قد استنفد تقريبًا.

وفقًا لمنظمة اللاجئين الدولية، فإن نصف السكان – أكثر من 18 مليون شخص – بحاجة إلى مساعدات إنسانية. في الوقت نفسه، خفضت مجموعات الإغاثة الدولية، أو في بعض الحالات أنهت العمليات في أفغانستان تمامًا.

قالت يائيل شاشر، كبيرة المدافعين الأمريكيين عن اللاجئين الدوليين والمشاركة في إعداد تقرير يدرس محنة الأفغان بعد انسحاب الولايات المتحدة: “لقد توقفت أكثر من نصف وكالات [المساعدة] التي كانت موجودة هناك عن تقديم الخدمات التي كانت لديها من قبل. الآن هناك فراغ في المساعدة”.

وشددت شاشر على أن الكفاح من أجل تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية مثل الغذاء كان مساهماً رئيسياً في النزوح الداخلي. وقالت: “لا يزال هناك الكثير من الناس الذين يعتمدون على المساعدات”. مشيرة أيضًا إلى أن العديد من العائلات يمكن أن تختار أو ترغم على النزوح خوفاً من معاملة طالبان للنساء.

قالت: “هناك الكثير من الأسر التي تعيلها نساء في أفغانستان، بالنظر إلى أن النساء لم يعد بإمكانهن بالضرورة العمل بعد الآن في أجزاء معينة من البلاد فإن ذلك قد يؤدي بالأسر التي تقودها النساء إلى النزوح.”

وأشارت بانيرجي إلى أنه بالنسبة لبعض الأفغان، فإن النزوح الداخلي قد يتركهم في وضع أسوأ من أولئك الذين فروا إلى البلدان المجاورة سعياً للحصول على وضع لاجئ. وقالت إن “المهاجرين الذين أتحدث معهم، لا يزال لديهم مكان للإقامة مع بعضهم. لن تكون ظروفهم سيئة مثل النازحين داخليا “. مؤكدة أن “أفغانستان تتجه نحو الفقر الشامل. بحلول منتصف العام، سيكون 97٪ تحت خط الفقر، وهو ما يعني أقل من دولارين في اليوم.”

لم تتوقع بانيرجي ولا شاشر أن تتحسن المشاكل التي تجبر الأفغان على الفرار من ديارهم في أي وقت قريب. قالت بانيرجي: “هذه المشكلة كانت موجودة وهي مستمرة، أقول منذ 15 عامًا على الأقل إن لم يكن 20 عامًا”.

وأشارت شاشر إلى أن الحكومة الأفغانية كانت تعتمد على المساعدات الأجنبية والمنظمات غير الحكومية الدولية منذ عقدين. مع وجود طالبان في السلطة الآن، تم تعطيل كليهما وزعزعة الاستقرار خصوصاً مع اتجاه المجتمع الدولي إلى إقامة علاقات مع الحكومة الجديدة. وقالت: “يبدو أن الأمر سيستغرق بعض الوقت حتى تنطلق حكومة طالبان… وليس بالضرورة أن يكون عملها موجهًا نحو التنمية الاقتصادية التي تفيد الناس الذين يعيشون يومًا بعد يوم.”

وأشارت بانيرجي إلى أن نزوح المتعلمين الأفغان من ذوي الخبرة في العمل في الحكومة والتنمية والسياسة العامة من المرجح أن يساهم في زيادة “هجرة الأدمغة” داخل البلاد، مما يزيد من صعوبة حل المشكلات التي تؤدي إلى النزوح الداخلي. وقالت عندما تتحدث مع الأفغان الذين ما زالوا في البلاد، يقولون إن طالبان قالت إنها ستوفر الوظائف والفرص لمن بقوا، غير أنها لم تف بهذه الوعود حتى الآن. قالت إنهم أخبروها: “إذا أرادت طالبان أن نبقى، فعليها أن تعطينا تقدماً”.