أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من مرصد الجهادية نغطي فيها الفترة من ٢ إلى ٨ أغسطس ٢٠٢٠.

 

في عناوين هذه الحلقة:

– داعش يوجه أنصاره لمهاجمة السجون بعد اقتحام سجن جلال أباد

– طلعات الجولاني الميدانية تذكر المعارضين ب”مسرحيات النظام: الأمنيون هم الزبائن”

– وإعلام هيئة تحرير الشام يجتزئ مشاهد الجماعات المستقلة من إصدار ألـ ٣٠٠ يوم

 

ضيفا هذا الأسبوع:

– حُسين أق عيسى – صحفي من مالي يقيم في تمبكتو، متخصص في ملف الإرهاب في منطقة الساحل

– الدكتور بيتر تشيلسون – المحاضر في جامعة واشنطن ستيت ومؤلف كتاب عن سيرة أحمدو كوفا أحد زعامات القاعدة في منطقة الساحل

سجن ننجرهار

 

 

المرصد 48 | أنباء عن تفوّق القاعدة على داعش في صراعهما المحتدم على الموارد في غرب إفريقيا

حسين أغ عيسى

المرصد 48 | أنباء عن تفوّق القاعدة على داعش في صراعهما المحتدم على الموارد في غرب إفريقيا

د بيتر تشيلسون

 

الخبر الأبرز لداعش هذا الأسبوع هو اقتحام السجن المركزي في جلال أباد شرق أفغانستان.

صحيفة التنظيم، النبأ وفي عددها ٢٤٦ الصادر هذا الأسبوع، عنونت الخبر في صدر صفحتها الأولى وخصصت له الافتتاحية وصفحتين للتفاصيل.

ما حدث هو أن مجموعة من داعش بدأت هجوماً على السجن مساء الأحد ٢ أغسطس، واستمر الهجوم حتى الصباح وأسفر عن فرار حوالي ٥٠٠ سجين بحسب مصادر رسمية. السجن كان يضم ١٨٠٠ نزيل منهم ٣٠٠ من داعش والباقي معظمهم من طالبان.

افتتاحية النبأ ركزت على أهمية مهاجمة السجون والعمل على إطلاق سجناء التنظيم بكل الطرق. أهم ما جاء في الافتتاحية:

– سجناء التنظيم على رأس قائمة الأولويات.

– التنظيم يبادل الأسرى ويُقدّمون ذلك على فداء الأسرى بالمال، وقالت الصحيفة إن “كثيراً من هذه العمليات لا يُعلن عنه لأن مفاوضات المبادلة تكون سريّة الهدف الأول منها تحقيق المطلوب وليس المفاخرة والمباهاة.”

والحقيقة  هذا أمر لافت، لأن المعهود عن التنظيم أنه لا يبادل الأسرى وهذا كان نقطة خلافية داخل أوساط داعش القيادية. حجي ناصر قرداش ذكر ذلك في مقابلاته بعد تسليمه إلى السلطات العراقية. وكشف عنه جماعة تيار البنعلي في منشورات “مؤسسة التراث العلمي؛” حتى إن أبا يعقوب المقدسي وكان أمير مكتب البحوث العلمية كان يجري مفاوضات مع أطراف أردنية لتأمين تبادل أسرى مع الطيار الشهيد معاذ الكساسبة، إلا أن قياديين مثل أبي محمد فرقان رفضوا ذلك وأعدموا الكساسبة بطريقة وحشية. وبعدها اتهم المقدسي بالتخابر وسُجن.

مينا اللامي الصحفية المتخصصة في BBC Monitoring ذات التاريخ الطويل في رصد الجماعات الجهادية، علّقت بأن داعش غيّر سياسته تجاه “الرهائن” منذ ٢٠١٨ بعد أن خسر الأراضي التي احتلها.

سنعود إلى تعليق مينا اللامي على هذا الحدث، لكن أولاً ردود الفعل:

أصدرت مؤسسات داعش المناصرة فيديو بعنوان “هدم الأسوار” فيه مشاهد من اقتحام سجن (أبو غريب) في يوليو ٢٠١٣.

معرفات داعش سخرت من أنصار طالبان الذين قالوا إن الهجوم “خطة مدبرة من الحكومة (الأفغانية) وداعش بهدف إحراج طالبان.”

وتندّروا حول كيف ستتعامل طالبان مع سجنائها الذين فرّوا. وسألوا: “هل ستقوم بإرجاعهم وجعلهم يوقعون على إقرار بعدم العودة إلى العنف؟ ومن منهم سينضم إلى (تنظيم داعش)؟”

في هذا تذكير بأن الحكومة الأفغانية عندما تطلق سراح سجناء طالبان في عملية تبادل أسرى تجعلهم يوقعون على ورقة بعدم حمل السلاح ثانية.

حسابات القاعدة المعهودة لم تعلّق حتى الآن.

ولفت من التعليقات حساب باسم ناصح أمين (مقتفي الأثر) وهو من الحسابات الموالية لتيار البنعلي وتنشر له مؤسسة التراث العلمي المنشقة عن داعش

يتحدث عن الظواهري وكيف أنه حاد عن الطريق وأخطأ التقدير، بمعنى أنه ظلّ يعمل تحت عباءة طالبان حتى تحول اليوم إلى “حارس” يحميهم من “سهام المسلمين.”

نعود إلى تحليل مينا اللامي الصحفية في BBC Monitoring  التي قالت إن لموضوع السجون زاوية أخرى وهي أن تركيز داعش على السجون يأتي بعد أن أحرجتهم طالبان الذين لم يتركوا أسراهم لدى حكومة كابول بل سعوا إلى تحريرهم من خلال صفقات سياسية.

الوجهة: غرب إفريقيا

جدل هذا الأسبوع حول من قتل أكثر في المواجهات بين داعش والقاعدة في غرب إفريقيا.

نشر إعلام داعش هذا الأسبوع أن التنظيم قتل العشرات من القاعدة في مواجهات قرب الحدود المالية مع بوركينافاسو.

صحيفة النبأ في عددها ٢٤٦ الصادر هذا الأسبوع أوضح أن الهجمات وقعت في الشهرين الماضيين وأن آخرها كان في الأسبوع الأخير من يوليو الماضي.

أعماق نشرت صوراً لثمانية عشر قتيلاً قالوا إنهم من القاعدة.

في المقابل، نشرت وكالة ثبات الموالية للقاعدة أن “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تشن حملات واسعة لطرد تنظيم (داعش) …  من مناطق مختلفة في مالي” وأنهم قتلوا وأسروا أعداداً كبيرة من داعش، وأن “الحملة في يومها الثالث عشر ومستمرة حتى الأن.”

معرفات داعش علّقت مخاطبة القاعدة: لقد دخلتم في حرب لا طاقة لكم بها … لا داعي للمنشورات اللطمية وادعاء المظلمة …  لأنّكم تحاربون الفرنسيين فالكل يعلم انكم وافقتم على التفاوض مع حكومة فرنسا.”

حساب آخر يقول إنه بنشر الصور “يتم إلجام (أي القاعدة) ونسفُ كذبهم” في إشارة لما قالوا إنه سلوك من القاعدة بتكرار صور قتلى داعش للإيحاء بأن قتلاهم كثر.

حسابات موالية للقاعدة قالت إن مقاتليها قُتلوا “على يد طغمة من الظلمة الفجرة من أتباع الخليفة الجاهل المجهول.”

حساب جلاد المرجئة في منشور طويل بعنوان: “فصل جديد من فصول الغدر في الساحل الإفريقي!” اعتبر أن داعش “شق صف” الجهاديين وأشغلهم “عن هدفهم الرئيس” وهو قتال الحكومات والدول هناك.

ويقول: “يخرج أدعياء الخرافة المزعومة التي يريدون بناءها على جثث وجماجم المسلمين وسفك دمائهم،” بما يخدم الدول والحكومات في المنطقة.

وتعليقاً على هذا الجدل، وتحديداً على خبر ورد في صحيفة النبأ، لفتت تغريدة من حساب “مراقب” في مالي باسم إبراهيم آغ قال:

تقول صحيفة النبأ إن داعش هاجمت القوات الفرنسية المعروفة باسم برخان بالقرب من تيسيت في فبراير الماضي؛ لكن الهجوم كان من جانب جماعة نصرة الإسلام والمسلمين. يحاول داعش سرقة إنجازات جماعة نصرة. هل لا يزال ثمة من يظن أن الطرفين قد يتصالحا؟

حسين أغ عيسى

يقول الصحفي حسين أغ عيسى إن الكفة في المثلث الحدودي الذي يربط بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو تميل لصالح القاعدة لسببين. أولاً، مقاتلو القاعدة ممثلة بجماعة نصرة الإسلام والمسلمين بقيادة إياد أغ غالي هم من أبناء المنطقة، أما داعش فهم جماعة “دخيلة” تتألف من مقاتلين ينتمون إلى دول أخرى.

والسبب الثاني هو أن جماعة نصرة كانت “تتهاون” مع القبائل المحلية الفقيرة والمعدمة أصلاً في أمور مثل الزكاة وغيرها. أمّا داعش، فلا يكتفون بفرض الزكاة وإنما يأخذونها لأنفسهم. يقول أغ عيسى إن هذه الأمور جعلت حرب القاعدة على داعش أمراً مرحباً به في المنطقة.

طلعات الجولاني

هذا الأسبوع، أسبوع العيد، واصل الجولاني طلعاته الميدانية في إدلب. معرفات هيئة تحرير الشام نشرت له صوراً وفيديوهات في جبل الزاوية، ومخيم للنازحين، ومطعم صلح في المدينة. وهذا المشوار الأخير كان الأكثر تداولاً سلباً وإيجاباً.

المعرفات المعارضة لهيئة تحرير الشام أصبحت تشير إلى الجولاني باسمه “أحمد الشرع”، وذلك بعد أن عنونت معرفات الهيئة هذه الطلعات بـ”زيارة القائد إلى كذا وكذا”. حساب جرابلس نيوز المعارض علّق: “على غرار مسرحيات النظام: أمنيو الهيئة هم الزبائن.”

آخرون انتقدوا مقاطع من الفيديو مثل مشهد رجل يجلس إلى الجولاني ويقول إنه سيُسدي له النصيحة. التعليق: “لم يصوروا كامل كلامه ثم يحاول إظهار نفسه (أي الجولاني) بمنظر العامل لنصرة الشعب والسامع آرائه.” الحساب المعارض جلّاد المرجئة علّق: “سبحان الله قادة يتخفون ويتنقلون كل يوم خشية الاستهداف … ومع ذلك يتمكن طيران التحالف منهم! وقادة يتمشون بالشوارع والمطاعم … ومع ذلك ترى الأمور طبيعية!” ابو العلاء الشامي قال: “أخبروا الجولاني بعد الانتهاء من جولته على المطاعم ، ألا ينسى زيارة شهداء الهيئة الخمسة الذين قتلهم الأتراك على طريق ال m4 من 3 أشهر!”

معرفات داعش استهزأت بهذه الطلعات. قال أحدهم: شكله ناوي ينافس علوش في تركيا، في إشارة إلى محمد علوش القيادي السابق في جيش الإسلام الذي افتتح مطعماً فخماً في إسطنبول العام الماضي.

أما المعرفات الموالية للهيئة، فاعتبرت طلعات الجولاني نجاحاً في اتجاه “الهدف والمشروع”. وتناقلوا تغريدة من مظهر الويس، عضو المجلس الأعلى للإفتاء التابع للهيئة، اعتبر أن طلعات الجولاني ضرورية لإنجاح “المشروع السني” و في وجه “الأعداء والخصوم” الذين يسعون إلى “شيطنة” هذا المشروع. ومثله، طاهر الفرغلي، شرعي الهيئة، اعتبر أن هذه الطلعات “تحطّم” الصورة النمطية التي تُظهر انفصال القادة عن الناس.

“حذف” المعارضة

نشرت مؤسسة أمجاد أحد الأذرع الإعلامية لهيئة تحرير الشام، فيديو بعنوان “تُحدّثُ أخبارها … مجريات 300 يوم من المعارك”. بين معارضي الهيئة ومؤيديها، برزت مسألتان في هذا الفيديو:

الأولى: طمس راية العُقاب التي كانت على ذراع مقاتل ظهر في الفيديو. معارضو الهيئة اعتبروا ذلك “إرضاءاً للدول” وخشية من “التصنيف” على قوائم الإرهاب. ومثلهم معرفات داعش؛ اعتبروا أن ذلك دليل على “فِرار” الهيئة و”تسليمِها الأرض” للنظام و”تنظيفِ الطرق للدوريات الروسية التركية.”

الشمالي الحر الموالي للهيئة برّر الطمس مشيراً إلى مواقع أخرى ظهرت فيها راية التوحيد الخضراء وقال: “هذه الراية معروفه بالشام أن الخوارج يستخدمونها (أي داعش) وأصبحت شعاراً لهم، فتم تغبيشها حتى لايحصل لُبس عند المشاهد.”

المسألة الثانية تتعلق بعدم الإشارة إلى إنجازات الجماعات المستقلة مثل حراس الدين، وأبي مالك التلي وأبي العبد أشداء.

الحسابات المعارضة قالت إنه تم حذف اللقطات التي يظهر فيها هؤلاء والشاهد لديهم أن فيديوهات مشاركتهم في ذات المعارك المُشار إليها في الإصدار منشورة ومعروفة. حساب “رد عدوان البغاة” قال: “تأخر عرض الفيلم لأنهم بعد الانتهاء منه جاء الأمر من الجولاني للإعلاميين بحذف مقطعين للتلي.” ولهذا، كثفت المعرفات المعارضة من تناقل المقاطع المحذوفة للتلي وأشداء في المعارك المشار إليها في الفيديو. حساب “القلم الواضح” نشر الفيديوهات تحت عنوان “بعدساتهم” إشارة إلى إعلام الهيئة نفسه.

في منشور طويل في حساب “جلَّاد المرجئة” المعارض، نقرأ تفصيلاً لمشاركة الفصائل المستقلة في معارك ألـ ٣٠٠ يوم الماضية.  وفي جزء منه، يشير الحساب إلى عدم كفاءة بعض قادة الهيئة الميدانيين من أمثال “أبو حسن ٦٠٠” وقصور سياسات الهيئة الاستراتيجية عندما فتحت جبهات خاسرة قُتل فيها المئات من عناصر الهيئة.

وفي المجمل، توقفت المعرفات المعارضة عند جدوى هذه المعارك وهذا الإصدار وسألوا: “هل ضحوا هؤلاء بأرواحهم في المعارك لتكون النتيجة إدخال الروس من اول نقطة “محررة” إلى آخر نقطة؟”

رداً على طلعات الجولاني وفيديو “تُحدّث أخبارها”، أعدّ معارضو الهيئة فيديو قصير وصفوه بأنه “وثائقي واقعي مهم” عنوانه “شعبية الجولاني في إدلب”. الفيديو أظهر مشاهد من مظاهرات ضد الجولاني.

هتش وراية العقاب

تواصل هيئة تحرير الشام إجراءاتها ضد المستقلين حتى تُحكم قبضتها على العمل العسكري في إدلب. حساب رد عدوان البغاة المعارض قال إن “الهيئة تقوم بالضغط على كوادر وقادة الحراس الذين في سجونها للتوقيع على بيان خروجهم من الحراس بهدف إضعاف جماعتهم.”

ونشرت معرفات معارضة فيديو قالوا إنه صادر عن وجهاء قرية عرب سعيد بخصوص سَجن أبي عمر منهج. الهيئة اعتقلت منهج الشهر الماضي من بيته في عرب سعيد التي كانت معقلاً لتنظيم حراس الدين. ومنهج كان انشق عن الهيئة.

كما تناقل المعارضون ما قالوا إنه تعميمٌ داخلي من الهيئة يقضي بأن يمتنع لواء عمر بن الخطاب، أحد المكونات العسكرية للهيئة، عن استخدام أي شعار أو راية في المقرات أو على اللباس العسكري غير الراية والشعار المعتمدين من قيادة الجناح العسكري.

المعارضون قالوا إن هذا مقدمة لاندماج الهيئة مع الجيش الوطني. وبالتالي شعارات مثل راية العقاب قد لا تكون مناسبة وقد لا تروق لتركيا.

كوفا: يستغل الإسلام غطاءً لبسط نفوذه

في غرب إفريقيا، يبدو أن الجماعات الموالية للقاعدة تتفوق على داعش. لكن إلى متى؟

الجواب يعتمد على شكل التحالفات التي قد تصنعها الأطراف المعنية سواء فيما بينها أو مع المجتمع المحلي أو المجتمع الدولي. وهذا يعتمد على النزعات الفردية للقادة. بشكل غامض، تمّ التخلص من دروكدال زعيم القاعدة في المغرب الإسلامي ولما يُعلن خليفته بعد.

لا يزال في الساحة إياد أغ غالي زعيم أنصار الدين وتحالف نصرة؛ بالإضافة إلى مختار بلمختار زعيم مرابطون؛ وأحمدو كوفا زعيم جبهة تحرير ماسينا. وعند هذا الرجل نتوقف اليوم.

وصفه الدكتور بيتر تشيلسون الذي كتب سيرته بأنه أخطر جهادي في غرب إفريقيا.

البروفيسور بيتر تشيلسون، المحاضر في جامعة واشنطن ستيت. حاز جوائز عالمية على كتبه التي وثق فيها رحلاته إلى إفريقيا خاصة مالي. عمل في الصحافة ونُشرت مقالاته في Foreign Policy و Consequence. كتابه، “لم نعلم أين كنا: رسائل من مالي المفقودة” نُشر في ٢٠١٣ بعد عام من تحرير تيمكبتو من الإرهابيين.

يقول تشيلسون: ” كوفا واحدٌ من أشدّ الجهاديين خطراً في غرب إفريقيا. توصلتُ إلى هذه النتيجة بعد رحلات عديدة قمت بها إلى مالي بين عامي ٢٠١٢ و ٢٠١٤

سمعتُ به أول مرة في ٢٠١٢ إبّان الحرب الأهلية في مالي. وقتها، زتُ تمبكتو وسمعتُ الناس تتداول اسمه بكثير من الخوف. ينتمي الرجل إلى منطقة تمبكتو وقبيلة فولانية

وفي بداية حياته، كان رجلَ دين أو مُرابط. لكنّه أسس لنفسه صيتاً بأنه عالم إسلامي ذو نفوذ. كما أسسس قاعدة قوية تقوم على المدارس القرآنية أو الكتاتيب لتعليم الأطفال في منطقة وسط مالي. كان يستخدم هذه المدارس كمراكز للتجنيد الأطفال وإرسالهم إلى الجماعات الجهادية التي قاتلت ضد الطوارق القوميين وهو ما بدأ الحرب الأهلية في مالي

مرعبة هي التفاصيل التي اكتشفتها عن الطريقة التي كان يتنقل فيها من قرية إلى أخرى يقلل من شأن السلطات المحلية حتى يصبح الرجل الأقوى بشكل يهدد الأهالي وأبنائهم وبناتهم ونظام الحكم المحلّي بأكمله. فقد يلجأ إلى توجيه اتهامات قاتلة إلى زعماء القرية، من قَبيل أنهم يخونون الإسلام، وهذه اتهامات مرعبة في الإطار الثقافي العام للمنطقة في زمن الحرب الأهلية. استغل هذه الظروف ليبني قاعدة لتجنيد الأطفال وتسليحهم. الطريقة التي استغل فيها الصغار والكبار في كل قرية مرعبة حقاً. وأثارت لدي شكوك حول التزام هذا الرجل بالإسلام التزاماً حقيقياً. فقد كان يبني نفوذه الخاص به واستغلّ الإسلام كغطاء لطموحه السياسي في وسط مالي.”

ويسترسل تشيلسون في استذكار مواقف يظهر فيها استغلاله للإسلام كغطاء لطموحه السياسي. يقول: “قرية (سارا – كورو – دوغون) تُشكّل أكبر قاعدة لنفوذه. هناك أقام أول مدرسة

دخل القرية أول مرة على أساس أنه رجل مرابط فقير يعلّم الأولاد ويخطِب في الناس. اقتتات على حُسن معاملة الناس في القرية. وبدأ بإمام جامع القرية الذي منحه مأوىً ومأكلاً وملبساً. بعد بضعة أشهر، استحكم في القرية. فما كان منه إلا أن انقلب على الإمام واتهمه بالإساءة إلى القرآن وسبّ الذات الإلهية والكذب في رواية سيرة الرسول محمد . ولم يكن لديه دليل على أي من تلك التهم. بالرغم من أن الإمامَ نفى كوفا من منزله، إلا أن كوفا في ذلك الوقت كان وضع لنفسه موطئ قدم بتأسيس المدرسة. ثم انتقل إلى قرى أخرى وهدد حياة الأئمة هناك. وفي القرآن تحريم لقتل المسلمين من دون وجه حق، لكن ذلك ما ميّز أسلوبه في الاستحواذ على السلطة. استعداه لأن يقتل أي مسلم يقف في طريقه. تهديده لم يقتصر على الأئمة وإنما تجاوزهم إلى المخاتير وأعضاء المجلس القروي. وهذه قصة قرية (سارا – كورو – دوغون) التي تبعد ستة كيلومترات عن مدينة (سيفري) القريبة من المدينة الأكبر (موبتي) في وسط مالي. كان يدهشني مقدار استهتاره بحياة الناس واستغلاله الأطفال. وكان يهدد الأهالي إن أعربوا عن شكوكهم حول الطريقة التي يتعامل بها مع أبنائهم وبناتهم

وثارت تساؤلات حول الطريقة التي تزوج بها على الأقل واحدة من زوجاته بعد أن هدد أهلها.”

وحول انتماءات كوفا السياسية والتزامه بالتحالف مع نصرة الإسلام والمسلمين، يعتقد تشيلسون أن كوفا يميل حيث تميل الريح. فتحالفه مع إياد أغ غالي والقاعدة إنما يخدم مصلحة شخصية لديه. يقول: “طموحه هو أن يعيد بناء الجماعة الجهادية التابعة لإمبراطورية ماسينا القديمة. وأن يؤسس خلافة وأن يكون هو الخليفة. إنه يفهم التاريخ جيداً. حتى إن قرية (سارا – كورو – دوغون) تقع على مقربة من عاصمة إمبراطورية ماسينا والجهاد الفولاني في القرن التاسع عشر. قامت الحكومة الماليّة بترميم ذلك المكان. لكن كوفا وضع له موطئ قدم هناك حتى يوحي بهذه العلاقة بينه وبين ذلك التاريخ. وأن يُنصّبَ نفسه متحدثاً بل وقائداً باسم تلك الجماعة الغابرة التي لها جذور أيضاً في تاريخ الإمبراطوريات الجهادية في المنطقة مثل خِلافة سوكوتو. لهذا أعتقد أن ما يُحرّك الرجل أولاً وقبل كل شيئ هو طموحه ورغبته في أن يكون شخصاً متنفذاً. أعرف هذا عن شخصيته. وأعرف أن ارتباطه بشخص مثل إياد أغ غالي هو من أجل مصلحة شخصية. بالرغم من أن أغ غالي يتفوق عليه في المكانة. فهو رجل يكتسب سلطة من تحالفات وعلاقات. همه الأول والأخير هو أن يكتسب قوة أكبر. بالنسبة للعلاقة بين داعش في الصحراء الكبرى وبين القاعدة والمنظمات المتحالفة معها، من الصعب حقيقة أن نحدد من له اليد الطولى. لم أذهب إلى مالي منذ ٢٠١٤، لكن يبدو لي أن القاعدة تفوقت قليلاً على داعش. ويبدو لي أن الرجل يميل مع الجهة الأقوى. لا أصدق إطلاقاً أنه مسلم حقيق. وأعتقد أن علاقته مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عندما ضمّ جماعته إلى هذا التحالف لم يكن سوى لمصلحة شخصية في أن يكتسب نفوذاً أكبر من هذا التحالف.”

ويتحدث تشيلسون عن الطريقة التي جمع فيها كوفا ثروته وكيف يظهر هذا في بيوته التي يبنيها فيما يجعل تلاميذ كتاتيبه يباتون في زرائب الماعز التي يملكها أيضاً. يقول: “يجني المال من نظام المدارس التي أسسها. يبتز الأهالي ويجبرهم على دفع المال له. في منطقة الساحل، وبسبب الفقر الشديد، يلجأ الأهالي إلى وضع أبنائهم تحت تصرف المرابط أو رجل الدين حتى يعلّمهم ويرعاهم. ما يفعله كوفا هو أنه يأخذ الأطفال ثم يجبر الأهالي على دفع المال ويهددهم إما يدفعون أو يؤذي أبناءهم أو يطردهم من المدرسة. وهكذا كوّن ثروته

شاهدت منزله في (سارا – كورو – دوغون). كان أكبر منزل في القرية … بناء راقٍ. يمتد على مساحة واسعة من الأرض وله شرفة واسعة. لا يوجد في القرية بيت مثله في جودة البناء. كما أنه احتلّ بئراً. وفي المدرسة، كان ثمةَ خمسة وسبعون طفلاً. كانوا جميعاص ينامون في زريبة الماعز وهي أيضاً من أملاكه تبعد عن البيت أمتار. هو ينام في البيت الفاره والتلاميذ ينامون في الزريبة مع الحيوانات. أود أن أنوه هنا إلى أنني تطوعت مع سلاح السلام في النيجر وصادقت وقتها مرابطين أو رجال دين كانوا طيبين ومتنفذين في نفس الوقت

قد أحيد عن الجواب المطلوب ولكن أقول، من تجربتي، إن هذا النظام التعليمي إيجابي جداً والمراطبون الذين عرفتهم كانوا يُقدّرون العلاقة بين الأهالي وأبنائهم ويحترمونها

أما أحمدو كوفا فلا يحترم منها شيئاً.”