أخبار الآن | إدلب – سوريا (خاص)

من الاعتداء على ناشطين إلى تهديد صحفيين وصولاً إلى منع نقل الأحداث في الشمال السوري، هو النهج الذي تسير عليه هيئة تحرير الشام منذ بسطت سيطرتها على إدلب وريفها.

الجديد ما أصدرته حكومة الإنقاذ التي تتهم بتبعيتها للهيئة، من قرار يقنن العمل الإعلامي في المحافظة عبر البدء بالعمل وفق نظام البطاقات الصحفية، وهو ما يعني ضمناً حرمان الكثير من الناشطين والصحفيين من ممارسة عملهم بحجة عدم امتلاكهم لبطاقات صحفية.

الجولاني.. تاريخ أسود من التعدي على الصحفيين في إدلب

بيان صادر عن حكومة الإنقاذ في إدلب – المصدر: أنباء الشام

وقال ملهم الأحمد، مدير العلاقات العامة في حكومة الإنقاذ لوكالة “أنباء الشام”: “أصدرت مديرية الإعلام في حكومة الإنقاذ بطاقات صحفية للإعلاميين في الشمال المحرر، لتسهيل عملهم في المنطقة، ولضبط العمل الصحفي، حيث يحق لجميع الإعلاميين الحصول على تلك البطاقة، وقريبًا سيبدأ العمل على نظام البطاقات الصحفية”.

الأحمد أوضح أنه فور تنفيذ القرار لن يسمح لغير حاملي البطاقات الصحفية من التصوير وممارسة عملهم في المناطق المحررة”.

علاقة “تحرير الشام” مع الصحفيين .. العصا لمن عصا!

وضمن السياق السابق، قالت الصحفية نهاد الجريري في مقابلة مع أخبار الآن، إن “بيان حكومة الإنقاذ بخصوص إصدار البطاقات الصحفية للعاملين في الإعلام يتفق مع إجراءات هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني لإحكام قبضتها على إدلب ومحيطها، ويتسق هذا مع جملة القرارات الأخيرة التي اتخذتها الهيئة بكافة أذرعها على خلفية الأحداث الأخيرة مع حراس الدين. ولم تقتصر هذه القرارات على الجانب العسكري مثل قرار إغلاق المقرات العسكرية وعدم إنشاء أي كيان عسكري إلا بالرجوع إلى غرفة عمليات الفتح المبين التي تديرها الهيئة”.

الجولاني.. تاريخ أسود من التعدي على الصحفيين في إدلب

وأضافت: “على المستوى المدني أيضاً، وفي نفس القرار العسكري، وردت فقرة تتعلق بمنع إقامة أي نشاط تطوعي إلا بالرجوع إلى الهيئة. ونذكر أن الهيئة لا تزال تعتلق أبو حسام البريطاني الذي كان يعمل في الإغاثة في مخيم أطمة. واتهمته بأنه كان يستخدم مال الإغاثة في تمويل نشاطات عسكرية وشخصية. في قرارات الهيئة نقرأ أيضاً عن تقنين النشاطات الثورية. وهذا ينسحب على جميع جوانب عمل المجتمع المدني. باختصار، كل شيئ من الآن فصاعداً يتمّ بأمر من الجولاني وباسمه”.

ما وراء القرار

ربما يدافع البعض عن قرار حكومة الإنقاذ التي كما أسلفنا تتهم بالتبعية لهيئة تحرير الشام عن قرار تقنين وتنظيم العمل الصحفي، إلا أنه ما يثير الريبة في ذلك القرار، هو توقيته وما سيفضي إليه، خاصة أنه يأتي بعد أيام من الاعتداء على إعلامي يتبع مكتب حماة الإعلامي وهو الناشط مصطفى أبو عرب من قبل حاجز يتبع الهيئة ويعرف بحاجز “النمرة”.

الحادثة أثارت موجة من السخط ضد الهيئة ومقاتليها وخاصة أن الناشط تعرض للإهانة والضرب أمام زوجته وهو الأمر الذي دفع “مكتب حماة الإعلامي” الذي يعمل معه الناشط إلى إصدار بيان يستهجن فيه ممارسة مقاتلي تحرير الشام مع الناشط أبو عرب.

الجولاني.. تاريخ أسود من التعدي على الصحفيين في إدلب

بيان صادر عن مكتب حماة الإعلامي حول الاعتداء بالضرب على الناشط مصطفى أبو عرب

وتحدث المكتب في بيانه، عن استمرار تجاوزات الفصائل العسكرية بحق الناشطين والمدنيين في المناطق المحررة والتي لطالما تدرج من قبل الفصائل تحت بند “التصرفات الفردية”، مؤكداً تعرض أحد أعضائه للضرب والإهانة.

يأتي ذلك بعد أقل من شهر على تأسيس غرفة عمليات “فاثبتوا” والتي ضمت جماعات عدة أبرزها “حراس الدين” الذين أتوا بالأساس من رحم تحرير الشام وانشقوا عنها لاحقاً بسبب خلافات طرأت مع قائد الهيئة أبو محمد الجولاني.

الجولاني.. تاريخ أسود من التعدي على الصحفيين في إدلب

قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني وأبو مالك التلي

تأسيس الغرفة واعتقال أبو مالك التلي أحد أبرز قيادات حراس الدين، دفع لاندلاع اقتتال بين بعض الجماعات المسلحة في إدلب وبين الهيئة، ولاحقاً أصدرت الأخيرة بياناً منعت فيه أي فصيل من تأسيس غرف عمليات أو إنشاء نقاط تفتيش دون إذن تحرير الشام.

المعطيات السابقة تؤكد أن أبو محمد الجولاني يسعى بكل طاقته إلى إسكات جميع معارضيه سواء كانوا مسلحين أم مسالمين، مقاتلين أو ناشطين، لإحكام قبضته على إدلب وما حولها، وهو الأمر الذي أكدته الجريري في مقابلتها مع أخبار الآن وقالت: “ما حدث كان مرعب بالنسبة للجولاني. القوة التي لديها المسوغ الشرعي وهم حراس الدين / أحفاد القاعدة إن شئتم؛  مع الإمكانيات المالية والبشرية التي يمتلكها التلي لا شك ستكون منافسة للجولاني وشوكة في حلقه. وبموازاة تجريفه غرفة عمليات فاثبتوا باعتقال قيادييها وقتل قياديي الحراس وخنقهم في مناطق نفوذهم، كان يجب أن يحكم قبضته على المسارات الأخرى. فلن يسمح برديف إعلامي يشوّش عليه. وهكذا انطلق مثل البلدوزر مسيطراً على جميع المياديين”.

الجولاني.. تاريخ أسود من التعدي على الصحفيين في إدلب

الجريري أوضحت: “في الأسبوعين الماضيين ومع بدء الحملة ضد حراس الدين والتلي لاحظنا اختلف سلوك إعلاميي هيئة التحرير. فصاروا يضخون أخبار معاكسة لكل ما تبثه القنوات المعارضة. وهذا يعني تحشيداً وتنظيماً في نفس الوقت. فلا ينفرد المعارضون بالساحة ولا بأي شكل من الأشكال. كما أن بياناتهم المضادة محسوبة ومدروسة. وهذا يعني اهتماماً بالإعلام وسعياً إلى تحويل الرأي العام. ولا ننسى أن لدى الجولاني رجل أعتقد أنه يقوم بدور أكبر من دوره كرئيس المجلس الشرعي في الهيئة. عبدالرحيم عطون. هذا رجل يعرف كيف يصيغ الكلمات. وهو متحدث. ولديه كاريزما. ويحسب ظهوره على الإعلام حساباً دقيقاً. أعتقد أن لديه يد في هذا السلوك الإعلامي من جانب الهيئة”.

ماذا وراء اعتقال هيئة تحرير الشام لأبو مالك التلي في إدلب؟

رائد الفارس نموذجاً

ولعل من أهم الأمثلة على سعي الجولاني لإسكات معارضيه وخاصة من الناشطين والصحفيين، حادث مقتل الناشط الإعلامي البارز رائد الفارس في الـ28 من شهر نوفمبر عام 2018، صحبة صديقه حمود جنيد في بلدة كفر نبل بريف إدلب.

الجولاني.. تاريخ أسود من التعدي على الصحفيين في إدلب

رائد الفارس وصديقه حمود جنيد

عملية الاغتيال أثارت حينها غضباً عارماً لدى السوريين بما يمثله رائد من رمز للثورة وخاصة في بلدته كفر نبل التي اشتهرت بلافتاتها وشعاراتها المميزة ضد النظام السوري.

رائد الفارس.. الصوت الحر الذي أسكته الجولاني

ولم تتبنى أي جهة مسؤوليتها عن حادثة مقتل رائد الفارس وصديقه، إلا أن أصابع الاتهام وجهت للهيئة وخاصة أنها قامت باعتقال الفارس عام 2014، عندما كانت تطلق على نفسها جبهة النصرة.

كما أدانت دول عدة منها بريطانيا وأمريكا اغتيال الناشط السوري، وتم تكريم الناشط عبر منحه جائزة “الشجاعة الصحافية” التي يقدمها معهد “ليغاتوم” البريطاني، وتسلم الجائزة ابنه محمود في حفل اقيم بالعاصمة البريطانية لندن.

أمثلة

لم يتوقف الأمر عند اغتيال الناشط رائد الفارس، بل تعدى ذلك إلى عشرات الحوادث الأخرى التي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، اعتقال الهيئة للصحفي فايز الدغيم في شهر آذار عام 2016، وبقي حينها مدة 83 يومًا في مركز احتجاز يتبع للهيئة، بتهمة انتقاد قيادات محلية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

علاقة “تحرير الشام” مع الصحفيين .. العصا لمن عصا!

كما أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تقريرا في شهر تشرين الأول / أكتوبر عام 2017، وثق انتهاكات واسعة تمارسها الهيئة بحق مدنيين وناشطين كنا منها مقتل ما لايقل عن عشرة مدنيين، بينهم ناشط إعلامي.

كما اعتقلت الهيئة تحرير الناشط الإعلامي معن بكور، أحد أعضاء مكتب حماة الإعلامي، في شهر يونيو عام 2019، بعد مداهمة منزله الكائن في مدينة أريحا بريف إدلب.

الجولاني.. تاريخ أسود من التعدي على الصحفيين في إدلب

بيان مكتب حماة الإعلامي حول اعتقال الناشط معن بكور عام 2019

قصة أحد الناشطين والذي يطلق على نفسه اسم عمر خوفاً من ملاحقة تحرير الشام له، تمثل نموذجاً آخر لمهنة المتاعب في أرض المتاعب. الناشط اعتقل بسبب انتقاده حكومة الإنقاذ التابعة للهيئة، حيث أودع في سجن “العقاب” الشهير التابع لتحرير الشام.

ناشطة أخرى تطلق على نفسها سمر، تعرضت لضغوط من قبل الهيئة بعد نشرها لتقرير تحدث عن انتهاكات مُورست بحق طفل اعتقلته هيئة تحرير الشام في شهر شباط لهذا العام.

الوقفة التضامنية التي شارك فيها إعلاميون، في العاشر من شهر حزيران للعام الجاري، احتجاجاً على إهانتهم من قبل أمنيين تابعين لتحرير الشام على طريق دمشق- حلب الدولي (M4).

وضمن السياق السابق، وثق مركز الحريات الصحفية التابع لرابطة الصحفيين السوريين، مئات الانتهاكات الصحفية بحق الناشطين والصحفيين في الشمال السوري، كان أبرزها على يد تحرير الشام.

وبلغت الانتهاكات ضد الإعلاميين 575 انتهاكا في محافظتي حلب وإدلب منذ عام 2011 حتى أيار الماضي.

ولا يتسع المجال لذكر عشرات وربما مئات الانتهاكات التي تعرض لها إعلاميون وناشطون في الشمال السوري، إلا أن المؤكد من كل ما سبق أن الهيئة تسعى تحت إدارة زعيمها إلى إحكام قبضتها على إدلب وريفها، متناسية أن السوريين لم يخرجوا إلا دفاعاً عن الظلم في مواجهة الاستبداد، ولا يمكن لهم أن يقبلوا بمستبد مكان آخر، وهو ما أكدت عليه الجريري بقولها: “الجولاني يتصرف على الأرض باعتباره حاكماً فعلياً ليس لليوم فقط ولكن للغد أيضاً، من خلال تفاهماته الدولية إلى تحكمه بموارد المنطقة الاقتصادية إلى السيطرة الأمنية المطلقة. الجولاني ديكتاتور. وعندما خرج أهالي إدلب في مظاهرات مطلع العام والعام الماضي رددوا شعارات ضد الجولاني هي ذاتها التي رددها ناشطون في الأيام الذهبية الأولى للثورة عام ٢٠١١ ضد بشار الأسد”.

 

أقرأ أيضا:

رائد الفارس.. الصوت الحر الذي أسكته الجولاني