هو فلاديمير أوسيتشكين (Vladimir Osechkin)، مؤسس منظمة حقوق الإنسان “غولاغو.نت” التي تعمل منذ أكثر من عشر سنوات على فضح الفساد داخل روسيا، والجرائم التي ترتكبها القوات الخاصة الروسية بحقّ الإنسانية، سعياً لمحاسبة المرتكبين ومعاقبتهم.

فمن هو فلاديمير أوسيتشكن؟ لماذا يسرّب كلّ تلك المعلومات ومن أين يستقيها؟ لماذا تسرّب مصادره في الجيش الروسي وفي الحكومة الروسية كلّ تلك المعلومات عبره تحديداً؟ وما مصلحتها في ذلك؟ وما مدى أهمية مناصب المسرّبين؟

في سياق ردّه، يقول أوسيتشكن لـ”أخبار الآن” إنّه “خلال السنتين الماضيتين، أصبح لمؤسسته شبكة مهمة من المصادر والمتعاونين، يُطلق عليهم في الغرب تسمية “المبلغين عن المخالفات”، البعض منهم يريد مغادرة روسيا والعيش في مكان آمن وتقديم شهاداتهم ضدّ النظام الحالي، والبعض الآخر يودّ البقاء ضمن النظام والقيام بتغييره من الداخل… لكن هؤلاء يثقون بنا لأنّنا نحترم الخصوصية والسرية، ولا نكشف عن هويتهم، وبالتالي فنحن جاهزون عندما يريدون المساعدة لمغادرة البلاد”.

يتابع: “هؤلاء الأشخاص هم من مناصب مختلفة، يتواصلون معنا من نظام السجون ومن الجيش الروسي ومن المخابرات الروسة، وحتى من جهاز الأمن التابع للرئيس فلاديمير بوتين () وخدمة الحماية الفيدرالية، وقد نشرنا جزءاً من تلك الوثائق وسلّمنا الجزء الثاني إلى المحققين الدوليين”.

عن خلفية مرتزقة فاغنر ورئيسهم يفغيني بريغوجين

هنا يوضح المسرّب الروسي أنّه “من المهم أن نعرف أنّه قبل صيف العام 2022، لم نكن نهتم بـ يفغيني بريغوجين (Yevgeny Prigozhin) ولا بمجموعة فاغنر، لأنّهما لم يكونا مرتبطين بالسجون الروسية وبحقوق الإنسان، لكنّنا كنّا نعلم أنّ مجموعة فاغنر وبريغوجين عملاء للحكومة الروسية، وأنّ مجموعة فاغنر هي جيش غير شرعي تمّ إنشاؤه للقيام بعمليات في الخارج من دون أن يكون لذلك أيّ عواقب سلبية على الأجهزة الروسية الرسمية كمديرية المخابرات الروسية أو جهاز المخابرات في وزارة الدفاع. لكن بدءاً من شهر يونيو العام 2022، بدأ يفغيني بريغوجين بتجنيد عشرات الآلاف من السجناء الروس وإرسالهم إلى أوكرانيا كي يقاتلوا ويُقتلوا، ونتيجة لذلك المخطط غير الإنساني واللاأخلاقي، قُتل عشرات الآلاف من الروس والأوكرانيين”.

ويشير إلى أنّ فريقه، أي مؤسسة غولاغو.نت، كان أوّل مَنْ شجب ونشر معلومات عن ذلك المخطط في يوليو، وكيف قامت القوات الروسية وبريغوجين بإرسال السجناء للمشاركة في الحرب. وفي أغسطس الماضي نشرنا معلومات عن قيام بريغوجين بنفسه بتجنيد السجناء وإرسالهم إلى الحرب، وبالطبع قامت منظمتنا بالتعاون مع الخبراء بفتح تحقيق كبير ومفصّل، كذلك قمنا بجمع كم هائل من المعلومات، ومنذ شهرين نُشر فيديو اسمه يحمل عنوان باتلر (PMC Putler)، لم يكن مثل فاغنر بل مثل هتلر، أردنا من خلاله أن نؤكّد على وجود تشابه بين هتلر وفلاديمير بوتين، وقدمنا أدلّة على أنّ الحكومة الروسية هي التي أنشأت تلك المجموعة الإرهابية، والدولة قدمت لها الدعم المادي بناءً على أوامر بوتين، وقد حاولوا إخفاء كل تلك المعلومات حتى وقت قريب. في أواخر شهر يونيو من العام الجاري، أصبحت تلك المعلومة معروفة للجميع، حتّى أنّ بوتين شخصياً أكّد ذلك، وقال إنّ الدولة موّلت حملة بريغوجين ومجموعة فاغنر التي كانت مشروع بوتين السري، يقوم من خلالها بأعمال إرهابية، والثورات والعمليات العسكرية الخاصة في الخارج، في أفريقيا والشرق الأوسط والآن في أوكرانيا”.

تسريبات حصرية: هذا ما يؤخر حسم مصير يفغيني بريغوجين

تأهب أمام وزارة الدفاع الروسية في موسكو بينما كانت بريغوجين يقود انقلابه – 24 يونيو

ما حاجة بوتين لكل تلك الأنظمة الأمنية؟

تمتلك روسيا جيشاً كبيراً وشبكة استخباراتية واسعة للعمليات السرية، وحتّى حرساً خاصاً لحماية النظام، فما حاجة بوتين إلى جيش خاص للقيام بعمل الكرملين القذر، يجيب أوسيتشكن إن كل ذلك هو من أجل “تحقيق الأهداف الجيوسياسية ومصالح بوتين للتوسّع في الخارج، ومن أجل تشكيل لوبي مصالح الفساد لبوتين وأوليغارشيته. فجهاز المخابرات الحالي والإستخبارات العسكرية والقسم الخاص في مديرية المخابرات الروسية لم يكونوا كافيين لتحقيق ذلك، ويعلم بوتين وحاشيته أنّ جيشهم لا يحقّ له قانونياً القيام بأيّ عمليات خاصة في الخارج لأنّه سيتم الكشف عنها، وسيتبع ذلك فرض عقوبات فورية ضدّ بوتين شخصياً والاتحاد الروسي ككل، وبالطبع سيُفتح تحقيق دولي، وربّما تلك الخطوة ستكون الشعلة التي ستشعل الحرب العالمية الثالثة، وبسبب خوفه من كلّ تلك المخاطر، اختار بوتين إنشاء جيش غير شرعي”.

ويضيف أنّ “تحقيق أهداف بوتين كان يحتاج إلى قوّة أكبر، وبالتالي كانت مجموعة فاغنر تلك القوة، وقد مدّوها بالأموال والمعدّات لارتكاب الجرائم في عدة بلدان كأوكرانيا وسوريا وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وغيرها”.

تسريبات حصرية: هذا ما يؤخر حسم مصير يفغيني بريغوجين

فلاديمير بوتين ويفغيني بريغوجين بينما كانت العلاقة بين الرجلين في أحسن أحوالها   

يفغيني بريغوجين تحدى بوتين

تحدّى يفغيني بريغوجين بوتين عندما قام بتمرد مسلح لكنّه تمكن من الإفلات من العقاب حتى الآن، كيف حصل ذلك؟ يقول هنا أوسيتشكن لـ”أخبار الآن“: “لو قام أيّ إنسان عادي بـ 1 % من الأمور التي قام بها يفغيني بريغوجين في روسيا، لكان تمّ إلقاء القبض عليه، وصدر حكم بسجنه لفترة طويلة. علينا أن ندرك أنّه خلال الـ 20 سنة الماضية، يفغيني بريغوجين كان عميلاً ومساعداً لبوتين ومن المقربين منه، والأخير كان يُشرف شخصياً على أعمال بريغوجين ومجموعته، لكن بريغوجين لم يعد فقط ذلك الشخص الذي ينفذ خطط بوتين غير القانونية، بل بات شخصاً يمتلك معلومات ضدّ بوتين ودائرة الأشخاص المقرّبة منه، لذلك قبل القيام بعملية التمرّد سجل بريغوجين مقابلة طويلة، نُشر أوّل جزء منها، أمّا الجزء الثاني فلم يتم نشره حتى الآن، وفي الجزء الثاني يتحدّث، كما أخبرني مصدري المقرب من محيطه، عن الكثير من التفاصيل التي تُثبت ضلوع بوتين في أعمال مجموعة فاغنر وشركة كونكورد القابضة… نتحدث عن التدخل الذي حصل في العمليات الإنتخابية في عدد كبير من الدول الغربية، عن العمليات الإرهابية الكثيرة التي حصلت، عن الأسباب الحقيقية التي تقف خلف تلك الحرب العبثية مع أوكرانيا وعمّا كان يُحاك في الكواليس”.

ويؤكّد المسرب الروسي أنّ “بحوزة بريغوجين معلومات وأدلّة خطيرة للغاية ضدّ فلاديمير بوتين والأوليغارشيين المحيطين به، كذلك ضدّ مجموعة واسعة من الجنرالات في وزارة الدفاع ومديرية المخابرات الروسية وخدمة الحماية الفيدرالية، الذين كانوا على اتصال وثيق به خلال السنوات العشرة الماضية، كما أنّ بريغوجين على تواصل مع عدد كبير من الجنرالات المهمّين، لذلك يتجنب بوتين إتخاذ أيّ إجراء تأديبي بحقّه”.

تسريبات حصرية: هذا ما يؤخر حسم مصير يفغيني بريغوجين

رئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين خلال مغادرته مقر المنطقة العسكرية في روستوف في 24 يونيو 2023 – getty

متى يمكن أن يتخلص بوتين من بريغوجين؟

ويقول: “أيضاً كما فهمت الآن، تجري مفاوضات خلف الكواليس للقيام بمقايضة ما، تلك المفاوضات تتعلق بإعادة توزيع ممتلكات بريغوجين الموجودة في روسيا وإعادة توزيع الموجودات ومناطق النفوذ في أفريقيا، لكن الإتفاق النهائي غير واضح بعد. إذا تمكّن بوتين وقواته الخاصة من الحصول على تلك الوثائق والمعلومات التي بحوزة بريغوجين وأعوانه، عندها سنشهد تدمير مجموعة فاغنر ومجموعة شركات بريغوجين، وكذلك اعتقال بريغوجين وشركائه، أمّا إذا تمكّن بريغوجين من الحفاظ على المعلومات التي يملكها، فسيستمر بابتزاز بوتين، وسيجدون على الأرجح حلاً لإصلاح المنظمات لكنّهم سيواصلون نشاطهم في روسيا والخارج”.

بين ألكسي نافالني ويفغيني بريغوجين

في مفارقة غريبة، يسأل زعيم المعارضة المسجون ألكسي نافالني (Alexei Navalny)، لماذا يقبع هو في السجن بينما مَنْ قاد التمرّد المسلّح ما زال حراً طليقاً، يرى أوسيتشكين أنّ “هناك معايير مزدوجة في النظام الروسي، إذا كان لديك مقاتلون وسلاح، وكنت تملك مليارات الدولارات، فستكون مؤثّراً ولديك إمكانية التفاوض، وبالتالي ستكون فوق القانون، أمّا إذا كنت سياسياً تميل إلى السياسة الغربية ومعارضاً للنظام، ستُعامل مثل ألكسي نافالني. من الواضح أنّ بوتين اعتقله ودمّر فريقه لإخافة الشعب الروسي وليقول إنّ ذلك ما سيحصل لأيّ إنسان عادي يفكّر في أن يقف في وجه بوتين”.

يتابع: “ذلك أكبر دليل على المعايير المزدوجة، بوتين يحترم القوة، إذا كنت تملك السلاح والمال فهو سيتفاوض معك، أما إذا كنت لا تملك سلاحاً ولا مالاً فسيدمرونك كما دمّروا ألكسي نافالني وفريقه، وذلك الوضع غير عادل فيما من الواضح أنّ نافالني لم يرتكب أي جريمة، ولا يجب أن يبقى مسجوناً وأن يُعامل كالمجرمين”.

وفي الجهة المقابلة، هناك يفغيني بريغوجين الذي نفذ جرائم مروعة والمتورط في قتل أعداد كبيرة من الروس والأوكرانيين، والمشارك في نهب مئات المليارات من الروبلات وفي غسيل الأموال وغيرها من الجرائم  البربرية، وهو مازال حرّاً. تظهر تلك الحقائق أنّ روسيا المعاصرة دولة فاشلة، وهي دولة عاجزة عن القيام  بوظيفتها الأساسية، لا تتصرف وفقاً للقانون ولا تحمي حقوق الإنسان، والآن العالم بأسره بات يعرف ذالك الأمر”.

تسريبات حصرية: هذا ما يؤخر حسم مصير يفغيني بريغوجين

المعارض الروي البارز أليكسي نافالني خلال تجمع حاشد للمعارضة في مارس العام 2017 في موسكو، وهو اليوم يقبع في السجون الروسية – getty

هل يسامح بوتين أعداءه؟

وعمّا إذا كان بوتين، تاريخياً، يسامح أعداءه أم أنّه يميل إلى الانتقام، يقول أوسيتشكن إنّه “من الواضح أنّ بوتين لا يسامح الخونة، لديه أعداء وأخصام لا يتفق معهم ويحاربهم بطرق غير قانونية، لكن هناك فئة من الأعداء يعتبرها الأخطر ويمكن أن تدمر نظامه، فهو يكره الأشخاص الذين تركوا النظام الذي أنشأه. الذين يسافرون ويتحدّثون عمّا يحصل فهم يشكلون خطراً على نظامه، وفي كلّ مرّة يشعر فيها بالقلق حيال ذلك يعاني ويعتقد أنّه يجب القضاء على هؤلاء الأشخاص – أولئك الذين كانوا جزءاً من نظامه”.

الكسندر ليتفينينكو مثال واضح

وأعطى أوسيتشكن مثالاً قوياً على ذلك مستذكراً المسؤول في جهاز المخابرات الروسية الكسندر ليتفينينكو، الذي “ترك المخابرات الروسية وبدأ يتحدث في العلن عن المعلومات التي يعرفها، وهو تحدث عن الأساليب غير الإنسانية التي تتبعها دائرة الأمن الفيدرالية، وعن الأوامر التي كانت تُعطى لموظفي جهاز الإستخبارات الروسية بقتل الأشخاص غير المرحب بهم”.

تسريبات حصرية: هذا ما يؤخر حسم مصير يفغيني بريغوجين

ألكسندر ليتفينينكو في وحدة العناية المركزة في مستشفى الكلية الجامعية في 20 نوفمبر 2006 في لندن، وقد توفي بعد وجود مادة البولونيوم 210 المشعة في جسده – getty

يقول: “الجميع يعلم ما الذي حصل مع الكسندر ليتفينينكو (Alexander Litvinenko)، لقد تم تسميمه بسلاح كيميائي قوي جداً من قبل موظفي الخدمات الخاصة الروسية ، وهم عادوا بعدها إلى روسيا وتبوؤا مناصب مهمّة، فأصبحوا نواباً في الدوما وحصلوا على جوائز وطنية وأموال، أمّا في ما خص يفغيني بريغوجين الذي خان بوتين شخصياً، وخان مصالح الدولة وحاول القيام بانقلاب مسلح، أعتقد أنّه في دائرة الخطر وبرأيي الشخصي، من المنطقي أن يغادر البلاد ويسافر إلى الغرب، ويحاول الحصول على اتفاقية الحصانة، ثمّ الإدلاء بشهادته حول الأعمال التي تورّط فيها، هكذا ربّما يستطيع أن ينقذ حياته، بالطبع الاحتجاز في أحد السجون الأوروبية سيكون أكثر أماناً من البقاء في روسيا أو في المناطق المحتلة. باختصار القوّات الخاصة التابعة لفلاديمير بوتين يمكنها التخلّص من يفغيني بريغوجين ودفنه مع كلّ الأسرار التي يعرفها عن نظام بوتين”.

هل من أشخاص يتمتعون بالنفوذ خلف بريغوجين؟

وحول ما إذا كان هناك أشخاص يتمتعون بنفوذ قوي خلف بريغوجين، ربّما أقوى من بوتين، يجيب المسرّب الروسي بالقول إنّ “عدداً كبيراً من الأوليغارشيين والجنرالات يدعم يفغيني بريغوجين، ومن دون دعمهم ما كان بريغوجين سيتجرأ على القيام بذلك الإنقلاب، وهو راهن على دعم التقنيين السياسيين وعلى شبكة علاقاته العامة وعلى دعم الناس. في مرحلة ما، رأينا جميعاً وفقاً لعلم الاجتماع والدعاية ورد فعل المجتمع، أنّه في مايو ويونيو، أصبح يفغيني بريغوجين أكثر شعبية من فلاديمير بوتين، وذلك قلب رأس بريغوجين وجعله يعتقد أنّ الروس سيدعمونه في حال قرّر القيام بثورة، وظنّ أنّ ملايين الروس سيستقلون سياراتهم ويراقفونه إلى موسكو، وأنّهم جميعاً سيساعدونه في تلك الانتفاضة لكن ذلك لم يحصل”.

يتابع: “هو كان يحظى بذلك الدعم لأنّه كان جزءاً من نظام بوتين، ومعظم الروس الذين صوتوا لفلاديمير بوتين وما زالوا يدعمونه حتى الآن، كانوا مع بريغوجين لأنّه كان جزءاً من نظام بوتين، لكن عندما انقلب بريغوجين على الديكتاتور بوتين وسياساته، وعندما فكّر أن يأخذ مكانه في السياسة، توقف عن دعمه الكثير ممن كانوا مع مجموعة فاغنر ومع بوتين، حتّى داخل مجموعة فاغنر حصل خلاف، فمعظم أعضائها لم يساعدوا بريغوجين وأوتكين في الوصول إلى موسكو لإجراء التغيير باستخدام دباباتهم وأسلحتهم”.

ويضيف في حديثه لـ”أخبار الآن“: “بريغوجين كان محاطاً بعدد من الجنرالات المخلصين له، لكن هؤلاء الجنرالات بدأوا بالابتعاد عنه عندما كانت روسيا تقترب من الثورة، تراجعوا ولم يبقوا إلى جانبه حتى النهاية. الثقة الكبيرة التي وضعها بريغوجين في هؤلاء الجنرالات كانت أكبر خطأ اقترفه، فهم خانوا ثقته”.

هل ألهم بريغوجين الإليغارشيون؟

وردّاً على سؤالٍ افتراصي مفاده، إذا سمح بوتين لبريغوجين بالهروب من دون أن يُقتل، فهل هذا سيُلهم الأوليغارشيين غير الراضين عمّا يجري، على التمرّد، يردّ أنّه “من الواضح أنّ العديد من الروس يتابعون ما يجري مع بريغوجين، لذلك هم رأوا ضعف فلاديمير بوتين وتررده، ذلك الرجل الذي زج معظم المعارضين الروس في السجن تبيّن أنّه ونظامه عاجزين عن الوقوف في وجه منظمة إرهابية، بل وكانوا خائفين منها. إنّ ذلك درس يجب أن يتعلم منه الأوليغارشيون الروس والعسكريون، إذا كنت تستخدم القوة ولديك المال والسلاح، وكنت مستقلاً عن بوتين، يمكنك أن تفرض عليه شروطك وتضع أنت قواعد اللعبة، لذلك أنا أعتقد أنّ روسيا تدخل رويداً رويداً في مرحلة انقلابات عسكرية متعددة وعمليات نقل للسلطة، فنظام بوتين حالياً ضعيف وغير مستقر، لذلك أعتقد أنّه في السنوات الـ 10 إلى الت 15 القادمة، ستشهد روسيا تناوباً متعدداً لعدة مجموعات ستتولى السلطة واحدة تلو الأخرى، وذلك قد يحصل في الأشهر المقبلة”.

عن مصير سيرجي سوروفكين

وعن مصير قائد القوات الجوية الفضائية سيرجي سوروفيكين (Sergey Surovikin)، يكشف المسرّب الروسي أنّ “الجنرالات الذين ساعدوا يفغيني بريغوجين ومجموعة فاغنر، هم نائب وزير الدفاع ميزينتسيف، الجنرال سيرغي سوروفيكين، الجنرال الكسييف والجنرال المسؤول في الإستخبارات الروسية ورونغفارديا – رومان غافريلوف، كلّ هؤلاء الجنرالات لا يظهرون على العلن، ومن المرجح أنّهم تحت سيطرة مديرية الإستخبارات الروسية وخدمة الحماية الفيدرالية حالياً، مصيرهم رهن القرار الذي سيتخذه بوتين، فيما القرار النهائي لم يؤخذ بعد لناحية اعتقالهم من قبل المحكمة”.

تسريبات حصرية: هذا ما يؤخر حسم مصير يفغيني بريغوجين

الجنرال سيرغي سوروفكين قبل اعتقاله نحو أكثر من شهر – 24 يونيو 2023

“هل سيحدث ذلك في المدى المنظور”؟ يسأل ويجيب: “الآن هم يبحثون عن طرق للحصول على المعلومات التي يملكها بريغوجين، تلك المعلومات التي تسمح له بالتفاوض، وفي اللحظة التي سيضعف فيها بريغوجين وأعوانه سيصدر حكم باعتقالهم أو بإعدام أحدهم ليكون عبرة للآخرين، لكن الآن المعركة مستمرة وكذلك المفاوضات “.

هل يقصي الجيش الروسي بوتين قريباً؟

ربّما يكون بوتين قد همّش بريغوجين في الوقت الحالي، لكنّه أزعج وزير دفاعه سيرغي شويغو (Sergei Shoigu) والقائد الأعلى الجنرال فاليري غيراسيموف (Valery Gerasimov)، فهل من المحتمل أن يقوم هؤلاء القادة المنزعجون ممّا يجري بثوراتهم الخاصة في المستقبل القريب؟ هنا يعتبر أوسيتشكن أنّه “من الواضح أنّ الجيش الروسي لا يريد أن يقاتل في أوكرانيا، والشعب الروسي ليس متحمساً للاستمرار في تلك الحرب، لحسن الحظ أكثرية الشعب ضد تلك الحرب ونحو 30 % من القادة قدّموا استقالاتهم وينتظرون القرار النهائي، وحتّى الساعة لم تُقبل استقالاتهم، وهناك 30 % يريدون أن تتوقف الحرب بأسرع وقت ممكن، إذاً أكثر من 50 % لا يؤيدون استمرار تلك الحرب، ليس فقط لأنّها خطرة ولأنّهم يخافون أن يخسروا حياتهم بسببها بل لأنّهم ليسوا مقتنعين بأسبابها، ومن المحتمل أن يعترف الآن أغلبية القادة في الجيش بضعف فلاديمير بوتين، فيما إذا لم يأخذ قرارات حاسمة بحق بريغوجين وغيره من الخونة، فأنا أعتقد أنّ الجيش الروسي سيقوم بمحاولات للسيطرة سياسياً في الأشهر القليلة القادمة، وذلك عبر إقالة بوتين أو إجباره على وقف الأعمال والاعتداءات العسكرية”.

تسريبات حصرية: هذا ما يؤخر حسم مصير يفغيني بريغوجين

متى وكيف تتوقع أن ينتهي عهد بوتين؟

يقول المسرّب الروسي إنّ “فلاديمير بوتين استولى على السلطة في روسيا وخصخصها، وهو باقٍ فيها بسبب التعديلات غير القانونية التي اُدخلت على الدستور وبسبب تزوير نتائج الإنتخابات، لقد سيطر على الحاشية المحيطة به وعلى جهاز المخابرات، واستغلوا نفوذهم في الخدمات الخاصة للسيطرة على القضاء وعلى غالبية الصحافيين الروس. هم يسيطرون على السلطة بكلّ فروعها تلك هي الديكتاتورية بعينها وذلك هو النظام الشمولي ولا يمكن القول إنّه نظام رئاسي.

أمّا متى سنشهد نهاية تلك الديكتاتورية، فنحن نشاهد نهاية عهد بوتين… هل سينتهي بعد عدة أسابيع أو عدة أشهر، أو بعد سنة أو سنتين؟ لن أتكهن لكنّ بوتين يخسر ولاء الشعب الروسي، والجيش لا يحترمه ولا يدعمه، وكذلك حال القوات الخاصة أيضاً، فالنظام لم يعد مستقراً، والتغيير قريب جدّاً، وبحسب أحد مصادرنا الذي سمته وسائل الإعلام الغربية برياح التغيير، فهو يؤكّد أنّ روسيا ستشهد تغييراً كبيراً في المستقبل القريب”.

تسريبات حصرية: هذا ما يؤخر حسم مصير يفغيني بريغوجين

هل ينتهي المطاف ببوتين في قصره على البحر الأسود؟

وعمّا إذا كان بوتين سيتمكن من التقاعد في قصره المطل على البحر الأسود في مدينة غيلينجيك (Gelendzhik)، ووضع مجموعة أمنية خاصة لحمايته ليعيش حياة تقاعد آمنة وسليمة هناك، يرى أوسيتشكن أن بوتين لن يتمكن من فعل ذلك قائلاً: “إذا حصلت الثورة، فهو لن يشعر بالأمان لا في قصره في غيلينجيك، ولا في أيّ من القصور التي بناها على الأراضي الروسية، لأنّ السلطة الجديدة في روسيا لن تكون قادرة على حماية أحد، ولن تكون قادرة على صون الحقوق الإنسانية لأيّ كان في المستقبل القريب، بل ستكون فترة مضطربة”.

ويضيف: “لدى بوتين أعداء أقوياء في روسيا وهم ينتظرون سقوطه كي ينتقموا منه. لو لم يرتكب بوتين ذلك الكم الكبير من جرائم الحرب الوحشية والجرائم ضدّ الإنسانية، لكان ربما استطاع التفاوض مع القادة الغربيين للحصول على ضمانة بالحفاظ على حياته خلال عملية انتقال السلطة، لكنّنا نعلم أنّ المحكمة الجنائية الدولية أصدرت أمراً باعتقال بوتين، وذلك الأمر لن يكون الأخير وسيصدر في المستقبل القريب العديد من مذكرات الاعتقال بحقّ مَنْ هم في القيادة العسكرية الروسية، كالجنرالات والعقداء في القوات الخاصة وأولئك الذين يعملون في الإدارة”.

ويشدد على أنّ “بوتين وصل إلى طريق مسدود وهو لن يشعر بالأمان في أيّ مكان في العالم، خصوصاً في روسيا. لا يوجد من هو مخلص لبوتين لا من القادة الشباب ولا مَنْ يعملون في القوات الخاصة، ذلك هو العملاق الذي قدماه من طين وهي ستسقط في المستقبل القريب”.

تسريبات حصرية: هذا ما يؤخر حسم مصير يفغيني بريغوجين

ماذا سيحل بروسيا بعد بوتين؟

ذلك السيناريو يحملنا إلى السؤال عن مستقبل روسيا بعد بوتين، إذ من الصعب التنبؤ بما سيجري وفق أوسيتشكن، الذي يقول إنّه “من ناحية هناك التزامات جدية تجاه أوكرانيا في ما يتعلق بدفع التعويضات عن الخسائر التي تسببت بها تلك الحرب، وهناك الصين التي تريد السيطرة على معظم الأراضي الروسية، من أورال إلى الشرق، هي تريد السيطرة على النفط والغاز والمعادن وغيرها من الموارد. هناك مجموعة من اللاعبين الأساسيين تريد تقسيم روسيا والاستفادة من مواردها الهائلة في الطاقة وصناعة المعادن”.

يتابع: “أظن أنّه بعد انتقال السلطة سنرى عدة أشكال من النفوذ، ستحاول كلّ منها السيطرة على الأخرى، وذلك سيؤدي إلى تفكك روسيا، هل ذلك سيكون سيئاً أم جيداً بالنسبة للعالم، لا أحد يعلم ذلك التفكك ستكون له نتائج كارثية على البلد”.

وعن احتمال قيام فيدرالية مجزأة يحكمها أمراء الحرب الإقليميون، يوضح لـ”أخبار الآن“: “في صيف العام 2023 تقبلنا ذلك كسيناريو مروّع، لكن من المحتمل حصول ذلك السيناريو في روسيا، هناك الكثير من المجموعات في روسيا التي تسعى للحصول على الدعم والمساعدة من الخارج، البعض يأمل في الحصول على دعم الولايات المتحدة والبعض الآخر من أوروبا، وآخرون يطلبون المساعدة من الصين، يدرك أولئك الموجودون في النظام السياسي في روسيا أنّ ذلك النظام بدأ يتداعى، وقد رأينا ما الذي حدث الآن، أعني محاولة الانقلاب التي حدثت في أواخر يونيو، وهناك احتمال كبير من أن لا تتمكن إدارة بوتين من الإمساك بزمام الأمور في البلاد”.

تسريبات حصرية: هذا ما يؤخر حسم مصير يفغيني بريغوجين

ما هي الدروس من تمرد فاغنر؟

باعترافه، دفع بوتين مليارات الدولارات لمجموعة فاغنر، على الرغم من ذلك، وجّه فاغنر أسلحتها ضد الجيش الروسي. بالنسبة لعملاء فاغنر في ليبيا أو مالي، ما هي الدروس التي يجب أن يتعلموها من تمرد فاغنر في روسيا؟ يجيب المسرب الروسي في حديثه لـ”أخبار الآن“: “ما فعله يفغيني بريغوجين ومجموعة الفاغنر تظهر لجميع نظرائه في أفريقيا وفي مختلف دول العالم، أنّه شريك لا يمكن الوثوق فيه لأنّه يميل إلى التمرّد والتحوّل السياسي، وهو شخص لا يمكنه آداء كلّ وظائفه ومسؤولياته على أكمل وجه، هؤلاء مرتزقة لا يفكرون إلّا بالمال وبمصالحهم وهم يتوقون إلى تنمية نفوذهم، إذاً مَنْ يتعامل مع مجموعة فاغنر ومع يفغيني بريغوجين يجب أن يعرف أنّه يتعامل مع منظمة إرهابية، وأنه سيصبح رهينة عندهم، لا يمكن اعتبار مجموعة فاغنر وبريغوجين شركاء مسؤولين، والآن سنرى أنّ الذين يتعاملون مع بريغوجين ومجموعة فاغنر سيوقفون ذلك التعاون لتجنب حدوث هكذا أمور في بلادهم، لقد اصطدم بوتين نفسه بتلك الحقيقة، فقد قدم الدعم المالي لبريغوجين وفاغنر، وأغدق عليهم بالذهب والمال والثروات التي لا توصف، لكنّه لم ينجح في الحصول على ولائهم”.

تسريبات حصرية: هذا ما يؤخر حسم مصير يفغيني بريغوجين

بات من الواضح أنّ مجموعة فاغنر لا يهمها سوى المال، ومن المفترض أن يحارب فاغنر المتطرفين في أفريقيا، لكن ماذا لو وجدت مجموعة فاغنر أن تعاونها مع المتطرفين سيعود عليها بالفائدة المادية وقرّرت القيام بذلك، ما هي المخاطر جراء ذلك التعاون؟ يختم أوسيتشكن حديثه لـ”أخبار الآن” بالقول إنّ “يفغيني بريغوجين ومجموعة فاغنر هم منظمة إرهابية وليسوا جيشاً منظماً يعمل وفق قواعد وأصول، يمكنهم عصيان أيّ أوامر وارتكاب جرائم وحشية، هم لا يحاربون المتطرفين بل  يساعدون مّنْ يدفع لهم مبلغاً أكبر، إذاً مَنْ يدفع يحصل على مساعدة ودعم وحماية مجموعة فاغنر، الحلفاء يمكن أن يتغيروا، مَنْ يتعامل مع مجموعة فاغنر مثل الذي يلعب بالنار، هؤلاء الأشخاص يراهنون على شريك غير مستقر ويتعاونون مع منظمة إرهابية، يجب أن تُحاكم وفق القانون الدولي، وأنا أعتقد أنّ شركاءهم سيعيدون حساباتهم، وسيتوقف التعاون مع مجموعة فاغنر في عدد من الدول”.

شاهدوا أيضاً: عثمانوف.. من الداعشي السابق الى جاسوس روسي