بعد مرور أكثر من شهر، أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو انتهاء عملية التعبئة “الجزئية” التي بدأت 21 أيلول الماضي، موضحاً في لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، استدعاء 1300 موظف من السلطات التنفيذية إلى القوّات كجزء من تلك التعبئة. كما قال إنّ متوسط عمر أولئك الذين تمّ استدعاؤهم، يبلغ 35 عاماً.

إلى ذلك، اعترف شويغو في لقاء مع بوتين أنّ المرحلة الأوّلية كانت فيها مشكلات مع الإمدادات خلال عملية التعبئة، وقال: “الآن تمّ حلها”. وأضاف أنّ “المهمة المحددة اكتملت بتعبئة 300 ألف شخص، مشيراً إلى عدم وجود خطط لأي مهام إضافية. كذلك أبلغ شويغو بوتين أنّه بعد التدريب، تمّ إرسال 82000 شخص من الذين تمّت تعبئتهم إلى مناطق الصراع، فيما تمّ حشد 218000 شخص في ساحات التدريب وفي عملية التنسيق القتالي.

أخبار الآن أجرت لقاءً خاصاً مع الدكتورة ماريا دميتريفا، وهي موظفة سابقة في وزارة الشؤون الداخلية ووزارة الدفاع في روسيا التي غادرتها وطالبت بالحماية الدولية متقدّمة بطلب اللجوء السياسي من فرنسا. أهمية هذه الموظفة، أنّها كانت تطلع على أهمّ بيانات السلطة السياسية الروسية، فما الذي تعرفه؟

تجدر الإشارة إلى أنّ دميتريفا هي طبيبة روسية كانت تعمل في وزارة الداخلية الروسية ثم انتقلت في العام 2019 للعمل في وزارة الدفاع، حيث كانت تعمل على معالجة “شخصيات روسية خاصة” إضافةً إلى الجنود الروس الذين يعودون من أفريقيا أو من سوريا. وكان بإمكانها أن تصل إلى ملفات ووثائق حسّاسة من خلال زملاء مقرّبين منها (مصادرها الخاصة) في وزارة الدفاع.

وتملك دميتريفا، التي غادرت الأراضي الروسية منتصف أكتوبر، الكثير من تلك الوثائق التي تضعها في عهدة السلطات في فرنسا، حيث طلبت اللجوء السياسي، إذ من المقرر أن تكشف عنها ما إنْ تحصل على موافقة فرنسا بالبقاء على أراضيها.

في مقابلة أجراها معها فلاديمير أوسيتشكن لـ”أخبار الآن“، كشفت دميتريفا أن ثمّة خلافات داخل دوائر قوّات الأمن الروسية، مشيرةً إلى أنّ السلطات الروسية تتلاعب بإحصائيات أولئك الذين تمّ تجنيدهم، وكذلك تقللّ من أعداد الجرحى والقتلى الذين يسقطون في الحرب، قائلةً: “الجيش الروسي منقسم ويعاني الانهيار والخلاف بين إدارات قوات الأمن”.

وأضافت: “حتى التعبئة التي تمّ الإعلان عنها على أنّها جزئية، كانت على نطاق واسع، وخلال تلك الفترة غادر عدد كبير من الناس روسيا، لقد تمّ التقليل من تلك الأرقام، كما يتمّ التقليل من عدد أولئك الذين تمّ تجنيدهم في الحرب، لقد أخبرت وكالات إنفاذ القانون بكلّ ذلك”.

أخبار الآن تكشف خفايا وزارة الداخلية في روسيا.. فماذا يجري؟

روسيا: من الضروري السيطرة على الوضع في أوكرانيا

وعن تفاصيل الاجتماع الذي عُقد قبيل بدء الحرب على أوكرانيا، تقول دميتريفا إنّ “القرار اتُخذ بعد الإجتماع العاجل لمجلس الأمن، وكان الحديث يدور حول أهمية السيطرة على الوضع في أوكرانيا، ويفغيني بريغوجين وغيره وعدوا بمناصب رفيعة بعد الحرب على أوكرانيا”.

وأوضحت بالقول: “بينما كنت لا أزال في موسكو قبل المغادرة، التقيت بمصادري الخاصة التي استقي منها المعلومات، وقيل لي إنّه في 10 أكتوبر، بعد اجتماع عاجل لمجلس الأمن حيث تمّت مناقشة مسار الحرب، وقد تمّ إعطاء تعليمات قيمة لريبكين (رئيس مجلس الدوما الروسي)، بأنّه كان من الضروري السيطرة على الوضع في أوكرانيا”. وتابعت: “كان بريغوجين وقاديروف حاضرين أيضاً في ذلك الاجتماع، وقد وُعدا بأدوار مهمّة، وفي الصباح الباكر، تمّ تنفيذ العديد من الهجمات الصاروخية على أوكرانيا”.

دميتريفا التي كانت أيضاً تقوم بمهام طبية كونُها طبيبة، وكان سوء التعاطي بملف الفيروس أحد أسباب الإستقالة، وقد أدركت أنّه لا يمكن البقاء في روسيا بعدما قرّرت أن تكشف الكثير من المعلومات عن كيفية تعاطي القيادة الروسية مع التطورات، وهي تملك الكثير من الوثائق… فحين بدأ الغزو الروسي عرفت أنّ الوضع سيزداد سوءاً كونها كانت قادرة على الوصول إلى أسرار الدولة.

كشفت عن معلومات مهمّة بعدما أصبحت خارج روسيا

وهنا تقول دميتريفا لـ “أخبار الآن“: “بعد تلقي كلّ المعلومات، قررت أن أعلن ذلك فقط عندما أكون في مكان آمن خارج الاتحاد الروسي. وأريد أن ألفت الإنتباه إلى حقيقة أنّ كلّ ما يتمّ بثّه وتغطيته من قبل وسائل الإعلام ومصادر المعلومات بمشاركة شخصيات إعلامية وسياسيين، هو تحت السيطرة الروسية وينطلق من خدمات الدوائر الخاصة، وهو يسلّط الضوء على كلّ ما يصب في مصلحتهم ويعززها، وبالطبع ذلك كله كذب وليس صحيحاً”.

دميتريفا كشفت في المقابلة كيف أنّ فلاديمير بوتين مستعد للذهاب نحو أسوأ الخيارات وتوسيع صلاحيات بريغوجين أكثر في سبيل كسب حربه في أوكرانيا، متجاوزاً كلّ الخطوط الحمراء والقانون الدولي.

وتعتبر ماريا دميتريفا أوّل شخص داخل النظام الروسي يعارض صراحة نظام بوتين الشمولي وكذلك الحرب على أوكرانيا، وكونُها كانت على اطلاع وصلة وثيقة بما يجري داخل أروقة النظام الروسي، فلا بدّ أنّها ستكشف الكثير من المفاجآت في المستقبل.

تجدر الإشارة إلى أنّ بوتين كان أعلن عن التعبئة على مستوى البلاد لدعم القوّات الروسية في أوكرانيا في 21 أيلول، في خطوة أدت إلى حركة نزوح روس لاسيما الذكور، وقد أثارت الاستياء العارم.

وشاب عملية التعبئة فوضى عارمة وسط حالات فرار الشباب إلى الخارج هرباً من التجنيد، حيث فتحت السلطات الروسية مزيداً من مكاتب التجنيد العسكري قرب حدود روسيا في محاولة لاعتراض بعض الفارين برّاً تجنّباً لاستدعائهم للقتال في أوكرانيا.

وفرّ أكثر من 194 ألف روسي إلى جورجيا وكازاخستان وفنلندا، معظمهم على متن سيارات أو دراجات أو سيراً على الأقدام، منذ أعلن بوتين تعبئة جزئية لجنود الاحتياط، فيما بدأ الخروج الجماعي للرجال وحدهم أو مع عائلاتهم أو أصدقائهم في 21 سبتمبر بعد وقت قصير على خطاب بوتين إلى الأمة، فيما نفدت تذاكر الطيران آنذاك إلى وجهات خارج روسيا خلال أيام حتى مع ارتفاع غير مسبوق في أسعارها.