على مرّ القرون، قاتلت موسكو بضراوة لتجنّب التخلّي عن السيطرة على الأراضي التي احتلتها، الأمر الذي جعل لها العديد من الأعداء. اليوم وبينما تقود روسيا حرب غزو أخرى في أوكرانيا، انضم العديد من هؤلاء الأعداء إلى الأوكرانيين في ساحة المعركة، لمحاربة خصمهم المشترك، روسيا. الكثير منهم جاء من المنطقة التي خاضت فيها روسيا حروبها الأخيرة قبل أوكرانيا، القوقاز. ومن هنا كان وجود وحدات مثل الفيلق الجورجي، وكذلك الكتيبة الشيشانية التي تحمل اسم “كتيبة الشيخ منصور” (Sheikh Mansur Battalion).

نزعة الإنتقام من العدو المشترك.. روسيا

القائد البارز لكتيبة الشيخ منصور الشيشانية لأخبار الآن: دعاية روسيا انقلبت ضدها

محمد أصلان أوشيرحادييف (Аслан Очерхаджиев)، 43 عاماً، وهو مقاتل شيشاني مخضرم كان يعيش في النرويج، جاء إلى أوكرانيا ليطلق النار على “عدوذه القديم” الذي حرمهم من دولة مستقلة. أحد أبرز أقواله: لقد فقدنا استقلالنا نتيجة هذه المعركة، واستمر حلم الاستقلال داخلي، كما عاش في كثير من الشيشان الذين انتهى بهم المطاف في أوروبا وبلدان أخرى”.

التقينا أوشيرحادييف في مكان ما في منطقة باخموت (Bakhmut)، حيث كان يتواجد في كواليس اللقاء عدد من الجنود، لا يمكن الكشف عن وجوههم أو عرض صورهم لدواعٍ أمنية. يفتقد أوشيرخادجييف الإصبع الأوسط في يده اليمنى، لكنّ ذلك لا يبدو أنّه يؤثر على قبضته القوية للمصافحة وكذلك حمل السلاح والضغط على الزناد.

القائد البارز لكتيبة الشيخ منصور الشيشانية لأخبار الآن: دعاية روسيا انقلبت ضدها

اللقاء مع محمد أصلان أوشيرحادييف تمّ في مكان سرّي في منطقة باخموت – أخبار الآن

يعتبر الرجل واحداً من أبرز المقاتلين الشيشانيين في أوكرانيا، وهو المتحدث باسم كتيبة الشيخ منصور. اسمه الأصلي محمد أصلان أوشيرحادييف، وقد قام بتغييره إلى آدم فريدريكسن بناءً على مطالبات روسيا المؤسسات الدولية بتسليمه.

لم يتمكن من البقاء مكتوف الأيدي وقرّر أن يشارك فيها فيقول: “بدأت خبرتي العسكرية أثناء الحرب الأولى في جمهورية إشكيريا الشيشانية. ثم، عندما اقتحمت روسيا إشكيريا العام 1999، مخالفةً لاتفاق السلام، قمت بالدفاع عن وطني مرة أخرى والآن مع إعلان روسيا حربها على أوكرانيا كنت أعمل في النرويج ولم أتمكن من البقاء هناك فقررت أن آتي وأقاتل مرة أخرى”.

لا يعمل أوشيرحادييف في مكان محدد طوال الوقت، فهو يبدّل موقعه ونقاط تواجده لأنّه مسؤول عن تنفيذ مهام أكثر تطوّراً من مهام المشاة العاديين. يقول لـ”أخبار الآن“: “في الحقيقة، يقع على عاتقي وعلى عاتق فريقي تنفيذ مهام عديدة، من مهام هجومية وكمائن، إلى عمليات استطلاعية تُستخدم فيها تكنولوجيا عسكرية متطورة نحقق فيها نجاحاً باهراً، بالإضافة إلى التخطيط لبعض العمليات الخاصة”.

القائد البارز لكتيبة الشيخ منصور الشيشانية لأخبار الآن: دعاية روسيا انقلبت ضدها

محمد أوشيرحادييف مع مقاتلين من مجموعته أمام منزل مدمّر في باخموت

يوضع أوشيرحادييف أنّ خلال قتاله على جبهة باخموت، التقى بالعديد من مرتزقة فاغنر التي حاولت مراراً وتكراراً السيطرة على تلك المنطقة، حيث ارتكبت جرائم بحقّ المدنيين وقاتلوا بشراسة كبيرة، وقاموا بإحداث رعب حقيقي لسكان باخموت المدنيين، نساء وأطفالاً، صغاراً وكباراً”.

في ذلك السياق، يقول إنّ “جنود فاغنر حصلوا على إذن القيادات العليا للقيام بتلك الجرائم بحقّ المدنيي.: لقد نفذت مجموعة فاغنر ووزارة الدفاع الروسية هجوماً مشتركاً على باخموت بمؤازرة مجموعات وشركات عسكرية خاصة أخرى، لذلك من الضروري أن نفهم أنّ فاغنر لم تنفذ الهجوم وحدها، فقد كانت الأخبار المتداولة من باب الأساطير وكانت هناك وحدات أخرى ضمّت الحرس الروسي ووحدات عسكرية أخرى”.

يتابع: “قام رجال فاغنر باغتصاب النساء والأطفال والمراهقين من الجنسين، وبقتل الضحايا بأبشع الطرق. على سبيل المثال، لقد قطعوا أعناق الضحايا ورموا قنابل عليهم وحرقوا كلّ الناجين من الانفجارات أحياءً إلى ما هنالك… إنّها قصص مريعة جدّاً، وقد حصل جنود فاغنر على إذن من القيادات العليا يجيز لهم القيام بتلك الممارسات بحقّ المدنيين، وهكذا راحوا ينظرون إلى المدنيين كجوائز يمكنهم حصدها، وبالتالي راحوا يعتبرون الأسرى كعبيد وليس كبشر”.

القائد البارز لكتيبة الشيخ منصور الشيشانية لأخبار الآن: دعاية روسيا انقلبت ضدها

 

مع بداية الحرب الروسية على أوكرانيا ظهر الرئيس الشيشاني رمضان قديروف (Ramzan Kadyrov) في الصورة، يزجّ بنفسه في مشهد الصراع، ويفتخر بنشرِ قواته في أوكرانيا استجابةً لمطالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يحاول الاستفادة من التصوّر السائد عن المقاتلين الشيشانيين، بأنّهم يضاهون الروس في الصلابة والشراسة، كما أنّهم لا يأبهون كثيراً للقانون الدولي.

في ذلك الصدد يقول أوشيرحادييف لـ “أخبار الآن“: “لا بدّ أن نفهم أنّ جيش قديروف هو جزء من الجيش الروسي، وجزء من القوّة العسكرية التي اجتاحت الأراضي الأوكرانية، وهم أيضاً الخونة الذين خانوا شعبنا وأصبحوا من المحتلين، وسنتصرف معهم كما نتصرف مع أيّ موظف حكومي تابع للاتحاد الروسي. إن تواجهنا معهم في أي معركة سندمرهم بكلّ تأكيد. وإنْ وقعوا في الأسر، سيخضعون للاتفاقيات العامة وسنعاملهم مثلما نعامل الآخرين بالتمام والكمال”.

يضيف: “هم يدركون أنّ قديروف دمية يحركها الكرملين، وهو ليس القائد الفعلي لجمهورية إشكيريا. إنّه رجل فرضته علينا روسيا بالقوّة وقد وعد بأنّ يخدم الكرملين، وها هو يلعب دور مهرّج السلطان الأعظم. ومن الواضح أن كل من يقف وراءها يصوّره قصداً كديكتاتور خارج من مسرحية هزلية”.

يوضح أوشيرحادييف: “تعرضت روسيا الدولة الكبيرة للإهانة مرةً على يد أمتنا الصغيرة وقد خسرت، ولم تنسَ تلك الخسارة إطلاقاً، فصبّت غضبها علينا طوال سنوات وتقوم بذلك عن طريق قديروف الذي يقوم بتعذيب المواطنين وأسرهم واغتصاب النساء وارتكاب الفظائع. وفي الوقت عينه، يخرج إلى العلن ويصوّر بعض مقاطع الفيديو ولكن عندما أراه، أشعر غالباً بأنه مخدّر لأنه ينطق بمواقف متناقضة فهو يقول إنه سيحتل واشنطن وألمانيا وفرنسا علماً أننا نعرف أن ما يحدث هو لعبة ترتكز إحدى مهامها على إهانتنا”.

ويقول إنّ “النخبة الموجودة في الكرملين مؤلّفة من أشخاص من الجنسية الروسية، هناك آخرون مثل سيرغي شويغو المتحدر من جمهورية توفا، لكن غالبية القادة هم من الروس، والروس يُعتبرون من المجموعات الأوفى في الامبراطورية الروسية وهم حجر الزاوية من أجل قمع الشعوب الأخرى والقضاء على الأقليات الوطنية الذين يعتبرونهم من الشعوب الأقل أهلاً للثقة ومن بين الشعوب التي يمكنها أن تطالب باستقلالها”.

القائد البارز لكتيبة الشيخ منصور الشيشانية لأخبار الآن: دعاية روسيا انقلبت ضدها

 

“شعب إشكيريا يدرك أنّه ليس هناك من جهاد”

وردّاً على سؤال، يقول أوشيرحادييف إنّ “قديروف يسوّق من باب البروباغندا لفكرة تقول إنّ القتال إلى جانب الروس ضدّ أوكرانيا هو جهاد، وهو يصرّح بذلك لأن أوكرانيا تحظى بدعم دول الغرب التي تريد أن تفرض مجتمع الميم على روسيا، وهكذا مستغلاً تلك الراية، يشجع شعب إشكيريا على القتال من أجل أوكرانيا”.

يتابع: “شعب إشكيريا يدرك أنّه ليس هناك من جهاد. في الواقع، يعرفون أنّ الجهاد يعني الحرب دفاعاً عن الوطن الأم. ولكن مَن احتل أرض المسلمين؟ روسيا هي قوة الإحتلال. لذلك كما يرد في كتاب جورج أورويل الصادر عام 1984، لقد انقلب كل شيء رأساً على عقب مثلما يحدث في البروباغندا التي يقومون بها وحماية الوطن الأم هو حرب مقدسة، لكن علينا أن نحمي أرضنا من الروس لأنّ الأوكرانيين لم يرتكبوا أيّ سوء بحقنا. لم يحدث أي مواجهة بين الأوكرانيين وشعب إشكيريا، وبالتالي ليس لدينا أيّ مشكلة مع أوكرانيا”.

ويوضح أنّ “أجهزة الاستخبارات الروسية هي الأخطر في العالم، قائلاً: “هناك حالات عديدة يجنّد فيها الروس بعض الأشخاص كجهاديين أو ما شابه، وأحياناً يجنّدون أوكرانيين لم يكونوا ضدّ أوكرانيا، بل تمّ تجنيدهم بالقوّة وإرغامهم على العمل ضدّ بلدهم الأم. فأجهزة الاستخبارات الروسية ترتكب أعمالاً مشينة ولديها أساليب أكثر وحشية من أساليب الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة الأميركية”.

خارطة خطوط أمامية عديدة

أمّا عن مشاركته في حرب إشكيريا وأوكرانيا، يوضح أوشيرحادييف نقاط التشابه بين الحربين فقال: “يمكنكم مقارنة الحرب في إشكيريا وأوكرانيا، ففي كلا البلدين، روسيا هي التي شنّت حرباً شرسة وغزت أراضي إشكيريا والأراضي الأوكرانية، كما انتهكت حقوقنا بقوّة”.

يتابع: “لربما كانت الحرب في إشكيريا أكثر عنفاً بقليل ولم تحصل عملياً أي تراجعات من جهتنا. هنا ثمّة خطوط دفاع متعددة تتميز بوجود خط أوّل وخط ثانٍ وخط ثالث وخطوط خنادق ومعارك موضعية. أما في إشكيريا فقد حدثت الحرب بطريقة أخرى لأننا اختلطنا بالقوات الروسية واستخدمنا الأسلحة التي كنا نملكها وسلبناهم أسلحتهم ككؤوس واستعملناهم ضدّ الروس. شأننا شـأن الأوكرانيين، لم نفكر بحياتنا البتة بل خاطرنا بكل شي وذلك ما ساعدنا على الفوز بالحرب ضدّ روسيا وكانت تلك المرة الأولى”.

ويضيف: “لم تنته الحرب هنا بعد، ولا نعرف نتائج ما قد يحصل هنا، فقد رأينا أنّهم تصرفوا بوحشية هنا، لكنّنا نعيش في زمن آخر يملك فيه تقريباً كلّ واحد هاتفاً ويمكنه أن يتصرّف كوسيلة إعلامية، وبالرغم من ذلك، ليس هناك ما يوقف وحشية الروس حتى في وجه المدنيين. في حرب إشكيريا، لقد قتل مئات آلاف المواطنين خلال وقت قصير لأنّ مساحة الوطن كانت صغيرة، وكانت تأوي أكثر من مليون شخص وقد تعرضت لقصف شامل بالمدفعية والصواريخ إلى ما هنالك… هناك إسمان لبلد واحد، لكنّنا لا نستعمل كلمة الشيشان لأنّها كلمة روسية ولا يجوز أن نستعملها، ليس مريحاً أن نقول روسنيا لذلك سنقول الشيشان”.

القائد البارز لكتيبة الشيخ منصور الشيشانية لأخبار الآن: دعاية روسيا انقلبت ضدها

مجموعة من المقاتلين المتطوعين مع كتيبة الشيخ منصور الشيشانية في دونيتسك – يونيو 2023 (Courtesy)

ما مستقبل الحرب؟

أمّا عن مستقبل تلك الحرب، يختم أوشيرحادييف بالقول إنّه “من الصعب أن نتكهن بنهاية الحرب تلك، لكن ما يمكنني قوله هو أنّ أوكرانيا ستفوز من دون شك، لكن كيف ستفوز؟ مغادرة أوكرانيا، وتقييم أين أخطأوا في استراتيجيتهم في هذه الحرب، والاستعداد للغزو القادم وخلق نوع من الوضع الغامض هنا داخل أوكرانيا، ذلك سؤال موجه إلى السياسيين الأوكرانيين. إنْ كانوا يتحلون بالشجاعة والصبر فسيحرصون على أن تنتهي الحرب بالطريقة نفسها التي انتهت فيها الحرب مع ألمانيا النازية، أي أنها ستنتهي في موسكو. لكن إنْ كان السياسيون الأوكرانيون لا يملكون القدرة على الصمود والشجاعة بالرغم من أنّهم يملكون موارد هائلة على مستوى الموارد الصناعية المعقدة والموارد البشرية، فسيكون الوضع محزناً، ستهاجم روسيا أوكرانيا من جديد، لكن سيكون الوضع مختلفاً أي كما فعلت مع إشكيريا”.

العام 2000، كان الشيشانيون يخوضون حربهم الأخيرة من أجل استقلال بلادهم عن روسيا، لكن الحرب انتهت من دون أن تحقق أهدافها وأدّت الحرب إلى انقسام الشيشانيين إلى فريقين، فريق أول استسلم للحكم الروسي وانصاع لسيطرة قديروف الذي تعهّد بالقضاء على كلّ تمرّد داخلي ومطاردة كل معارض للنفوذ الروسي في جبال الشيشان.

والفريق الثاني من الشيشانيين حافظ على عدائه للروس والمواجهة معهم. وشكّل هؤلاء المعارضون الشيشانيون النواة الأولى لنقل الصراع الداخلي الشيشاني إلى شرق أوكرانيا، حيث انخرطوا في صفوف الفرق العسكرية التي كانت تواجه القوات الانفصالية الأوكرانية الموالية لروسيا خلال أحداث عامي 2014 و2015، علماً أنّ أعداداً أخرى من هؤلاء المقاتلين أحجموا عن الانضمام إلى تلك الوحدات الأوكرانية المقاتلة خوفاً من ملاحقات قانونية كونهم يحملون جنسيات دول أوروبية أخرى، كانت تعاقب المشاركين في تلك الأعمال العسكرية في أوكرانيا، فيما لم تتمكن الحكومة الأوكرانية من وضع صيغة قانونية لهذه الوحدات الأجنبية المقاتلة”.

شاهدوا أيضاً: قنوات سرية لقلب الطاولة على بوتين وقديروف