بدأ الصومال يقطف ثمار الاستراتيجية الوطنية للقضاء على جماعة الشباب الارهابية، والتي كان أطلقها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (Hassan Sheikh Mohamud) فور تولّيه رئاسة البلاد في مايو العام 2022. تلك الاستراتيجية القائمة على 3 جوانب رئيسية للقضاء على جماعة الشباب، تولي الأهمية الكبرى للجانب المرتبط بالمحاربة الفكرية والدينية لتنظيم استأثر على فكر الملايين من الصوماليين لسنوات، وغيّر الصوماليين بسبب استثماره الديني وادعاءاته الكاذبة التي أتت وسط انحلال الدولة وتفككها بسبب حرب أهلية قبلية.

أخبار الآن زارت العاصمة الصومالية مقديشو، حيث قصدت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التي تتولى إلى جانب وزارة الأمن، مسؤولية إعادة دمج المنشقّين عن جماعة الشباب، والتقت نائب وزير الأوقاف والشؤون الدينية، عضو البرلمان الصومالي صالح شريف سيد علي (Salah Sharif Sayid-Ali) الذي شرح لنا عملية ضمّ المنشقّين، وتفاصيل إعادة تأهيلهم لدمجهم في المجتمع الصومالي، وهو الذي أصابته تلك الجماعة بشكل مباشرة من خلال اغتيال والده.

قتلوه على باب المسجد بعد صلاة المغرب: جرائم “الشباب” الفادحة

في بداية حديثه مع “أخبار الآن“، ومن داخل مكتبه وسط العاصمة الصومالية مقديشو، تحدَّث صالح شريف سيد علي عن واقعة اغتيال جماعة الشباب الارهابية لوالده سيد علي شريف نورو أمين، أحد أبرز الشخصيات الدينية ذائعة الصيت في الصومال، لاسيما في منطقة بيدوا (Baidoa). قُتل نورو أمين في يناير العام 2018 في الفترة التي كان يرأس فيها مجلس علماء الصومال لإصلاح الأمة. واللافت في الواقعة الأليمة التي زادت من غضب الشعب الصومالي على جماعة الشباب، ودفعت العديد من أعضاء الجماعة للانشقاق فوراً وإعادة الحسابات، أنَّ نورو أمين قُتل على باب مسجد في بيدوا، بعدما أمّ المصلين، ما شكّل سابقة خطرة لجهة الإساءة لقدسية بيوت الله وحرمة تلك الأمكنة.

وهنا، تجدر الإشارة إلى أنَّ جماعة الشباب التي تتلطى خلف الدين لتنفيذ أجندتها، عادت وقتلت نائب رئيس مجلس علماء الصومال لاصلاح الأمة وكذلك عدداً من أعضاء ذلك المجلس، بهدف القضاء على دوره لناحية تعرية الشباب أمام الشعب الصومالي الذي كان الكثير من أفراده ضحيتها لسنوات طويلة.

المنشقون وعائلات الضحايا يقاتلون كتفاً إلى كتف لهزم جماعة الشباب

عضو البرلمان الصومالي ونائب وزير الأوقاف والشؤون الدينية صالح شريف سيد علي الجيلاني ووالده الشيخ سيد علي نورو أمين رئيس مجلس العلماء الصومالي لاصلاح الأمة الذي قتلته جماعة الشباب العام 2018 داخل مسجد في بيدوا

في السياق، قال سيد علي لـ”أخبار الآن“: “الوالد كان شخصاً يتعاطي فقط بأمور الدين فيما لم تكن لديه نشاطات سياسية، بل كان يلعب دوراً وسطياً معتدلاً، إلّا أنَّ جماعة الشباب الارهابية قتلته لأنَّها تريد التخلّص من العلماء لكي تقود الجهال بعد ذلك”. وشرح خلفية اغتيال جماعة الشباب لرئيس مجلس علماء الصومال لاصلاح الأمَّة، مؤكّداً أنَّ والده الذي كان منفتحاً يعتمد الحوار كأسلوب لمحاربة التطرف، استوقف عناصر جماعة الشباب أكثر من مرّة وقال لهم إنَّهم يسيؤون للدين الاسلامي عبر ممارساتهم وطرق تصنيفهم للناس واختراعهم ركائز وقواعد دينية غير صحيحة. وبحسب سيد علي، كان ذلك السبب الكامن خلف قتل نورو أمين بدم بارد على عتبة مسجد في إحدى شوارع بيدوا.

وتحدّث لـ”أخبار الآن عن المسؤولية التي وقعت على عاتقه بعد اغتيال والده الذي يفتخر به لأنَّه حارب جماعة الشباب حتى النفس الأخير، لهدف واضح هو تحرير الصومال من هؤلاء المتطرفين والمنحرفين. وقال في ذلك الإطار: “هؤلاء الخوارج يريدون إسقاط جميع مَنْ يتكلّم بالحق وجميع مَن  ينشر الرسالة الاسلامية السمحة المعتدلة، وهم قد تسببوا بالأذيّة لكلّ الصوماليين”.

المنشقون وعائلات الضحايا يقاتلون كتفاً إلى كتف لهزم جماعة الشباب

الانشقاقات بالآلاف ومراكز اعادة التأهيل حاضرة

اغتيال سيد علي شريف نورو أمين أيقظ آنذاك، ضمائر الكثيرين في المجتمع الصومالي الذي كان استسلم لجماعة الشباب الارهابية، والواقع المتمثّل بسيطرتها، إذ وصلت الجماعة وقتذاك، خصوصاً في العام 2018 إلى أوجها من حيث السيطرة على الاقاليم الصومالية وحجم الميزانية المالية السنوية بحسب مطّلعين. لكنّ القوّة المالية للجماعة التي سمحت لها بفرض سيطرتها بالارهاب في الصومال، أتت بردة فعل عكسية فضحت التنظيم الذي ظنَّ نفسه أنَّه لا يقهر ولا يُهزم ولا يُواجه، لكن ومع بروز الحرب عليها وبلورة معالمها، كانت الانشقاقات الداخلية من قيادات وعناصر ومجموعات تتوالى.

في ذلك السياق، تحدّث سيد علي عن الخطة الحكومية لتشجيع عناصر الشباب على الانشقاق وتسهيل العملية، وأكَّد لـ”أخبار الآن” أنَّ الحكومة تتعامل بجدية وتعاون مع كلّ من يظهر نيَّة بالانشقاق عن الجماعة، معلناً أنَّ العملية تجري إمّا مباشرة عبر تواصل مَن يريد الانشقاق مع شخصية حكومية رسمية لترتيب العملية، أو عبر قريب ما. وتابع أنَّ كلّ المنشقين الذين يخرجون من الجماعة، ينضمون فوراً إلى مراكز إعادة التأهيل الموجودة في أكثر من مدينة في الصومال لا سيّما في العاصمة مقديشو ومدينة كسمايو (kismayo).

مراكز اعادة التأهيل خرَّجت آلاف المنشقين، والسرية فيها كاملةً

أخبار الآن زارت مركز إعادة التأهيل الموجود في قلب العاصمة والمُحصَّن بشكل كبير. فعلى الرغم من أنَّ جماعة الشباب كانت في السنوات الماضية سيطرت على عقول الملايين من الصوماليين، إلا أنَّ الحكومة الصومالية تسعى لإبقاء كلّ ما يرتبط بإعادة تأهيل المنشقين سرّياً، وكذلك هويتهم، كي لا يكون هناك أيّ عائق أمام إعادة اندماجهم في المجتمع.

تلك المراكز تديرها وزارة الأمن الصومالية بشكل مباشر، إنَّما دروس التوعية التي من شأنها القضاء على الأفكار التي تروّج لها جماعة الشباب، فهي من مسؤولية وزارة الاوقاف والشؤون الدينية التي تحرص على تقديم دروس توعوية مُكثَّفة لمحاربة التطرف فكرياً، على اعتبار أنَّ التقدّم الميداني بوجه جماعة الشباب لا يكفي للانتصار على جماعة تكفيرية ارهابية حكمت في بعض المناطق الصومالية لأكثر من 15 عاماً واستقطبت متطرفين من كل أصقاع الأرض وليس فقط من الصومال.

وشرح سيد علي ماهية عملية إعادة التأهيل التي فيها بعض التعقيدات. فمثلاً مدّة بقاء المنشقين في مراكز إعادة التأهيل تختلف بحسب الحالة، إذ ليس هناك مدّة محدّدة، والأمر مرتبط بمدى تجاوب المنشقين وفهمهم لخطورة ما آمنوا به وتلقوه من الجماعة، علماً أنَّ الحد الأدنى لبقاء المنشقين هو نحو السنة. وشرح لـ”أخبار الآن” الأسباب التي تجبر الحكومة الصومالية على التكتّم لجهة تأمين سيرورة العمل، وذلك لصعوبة التأكّد من أنَّ هذه العناصر فعلاً تريد الانشقاق عن جماعة الشباب بعدما اقتنعت بخطورتها، وأنَّ هؤلاء فعلاً لا يكذبون بهدف القيام بتفجيرات أو التجسس لصالح قياديي جماعة الشباب. وقد حصلت هكذا اعتداءات في السابق كانت وثّقتها وسائل الاعلام المحلية.

سيد علي الذي طال إرهاب الجماعة بيته ووالده تحديداً، يثق بعملية إعادة التأهيل ويصفها بأنَّها فعّالة جدّاً. وقد وجَّه عبر “أخبار الآن” رسالة إلى كلّ من لايزال ينتمي لجماعة الشباب الارهابية. مفاد الرسالة أنَّ الحكومة ستتعاون مع مَن يريد الانشقاق، وأنَّها ستدعم إعادة الاندماج إلى حدّ كبير من دون وضع أي قيود على الحرية والحقوق المدنية والسياسية، لا بل ستسمح له حتى بالدخول إلى الدولة وتبوّء مناصب حكومية أو رسمية.

المنشقون وعائلات الضحايا يقاتلون كتفاً إلى كتف لهزم جماعة الشباب

مختار ربو: من جماعة الشباب إلى وزير في الحكومة الصومالية

على رأس وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التي زارتها “أخبار الآن” وتجولت في أرجائها للتعرف على عملها، لاسيّما في الشق المرتبط بقسم التوعية الدينية المنوط به إعادة تأهيل المنشقين، يأتي الوزير مختار روبو (Mukhtar Robow) الناطق الرسمي السابق باسم جماعة الشباب الارهابية، وهو أحد مؤسسيها وأبرز وجوهها آنفاً.

تعيين روبو وزيراً للأوقاف والشؤون الدينية أتى ترجمةً لرؤية الرئيس الصومالي الحالي حسن شيخ محمود الذي وصل إلى سدّة الرئاسة مجدّداً، في ولاية ثانية غير متوالية، في شهر مايو العام 2022. تلك الرؤية قائمة على دمج كلّ من اقتنع فعلاً بزيف ادعاءات الشباب وانشقّ عنها، مُبدياً نيَّة حقيقية في دعم الدولة في حربها على الشباب.

المنشقون وعائلات الضحايا يقاتلون كتفاً إلى كتف لهزم جماعة الشباب

أخبار الآن خلال لقائها نائب وزير الأوقاف والشؤون الدينية في الجمهورية الصومالية صالح شريف علي في مكتبه في مقر الوزارة – مقديشو الصومال

وقال سيد علي لـ”أخبار الآن” إنَّ روبو الذي استسلم للحكومة الصومالية المركزية، كان سُجن لفترة ليست بقصيرة ليتمّ إطلاق سراحه بعدما خضع لعلاج وإعادة تأهيل في تلك المراكز، ومن ثمّ تسلّم مسؤولية تلك الوزارة.

فتح روبو أبواب وزارته أمام “أخبار الآن” مرحباً، لكنَّه رفض إجراء المقابلة، إذ أنّه حتّى اليوم لم يبدّل موقفه لناحية عدم الظهور الإعلامي بعد سجل حافل بالظهور إبّان فترة انتمائه إلى جماعة الشباب في الماضي.

ما تقدّم يوحي بأنّ جماعة الشباب لا تعيش أفضل أيّامها، ووسط كلّ تلك الانشقاقات عن الجماعة، هل باتت فعلاً تلك الجماعة المنحرفة في أيّامها الأخيرة؟ “أخبار الآن” مستمرّة في نقل الصورة من داخل العاصمة الصومالية مقديشو، كي تتضح تفاصيل معالمها وعناصرها أكثر.

شاهدوا أيضا: أخبار الآن في شارع “مقديشو الدامي”.. الشاهد على ارهـ ــ ـاب حركة الشبــ ـاب