تخيّل أن تفقد طفلك جرّاء الجوع، ثمّ تخيّل أنّ لا وقت لديك كي تحزن، لأنّه ما لم تطلب المساعدة بسرعة لبقية أفراد أسرتك، فإنك تخاطر بفقدان طفل آخر جرّاء سوء التغذية الحاد، ذلك هو واقع المجاعة الموحشة التي يعاني منها آلاف العائلات في الصومال. فمع اقتراب المجاعة وتفاقم الجفاف، يواجه أكثر من مئتي ألفَ شخص في كلّ أنحاء الصومال خطر الموت الوشيك، هكذا من دون أيّ ذنب ارتكبوه.

4 مواسم ماطرة متتالية فاشلة، وانعدام الأمن، والآثار المتتالية لحرب بوتين في أوكرانيا، أزمة المناخ والتداعيات الإقتصادية للوباء، كلّ ذلك خلق أسوأ الظروف في الصومال، التي تستعد اليوم لموسم الأمطار الفاشل الخامس على التوالي، والمتوقع في أكتوبر وديسمبر من العام الجاري. نحو 7.8 مليون شخص متضرر من الجفاف، أي ما يعادل صومالياً في كلّ ثانية، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية للبقاء على قيد الحياة.

وانطلاقاً من ذلك الواقع، خُصّصت حلقة برنامج “ستديو الآن” لمناقشة الواقع المزري في الصومال والغوص في الإجراءات الرسمية التي تتخذها الحكومة الصومالية لإنقاذ المجتمع الذي يقف على شفير المجاعة. وقد أكّد عبدالرحمن عبدالشكور (Abdirahman Abdishakur) المبعوث الخاص لرئيس جمهورية الصومال حسن شيخ محمود للشؤون الإنسانية والجفاف، خطورة الواقع الإنساني في الصومال قائلاً: “كل المناطق في الصومال متضررة من الجفاف من شمال البلاد إلى جنوبه، وأنا قد عاينت كلّ المناطق وتبيّن لي أنَّنا نعاني ما يعرف بجفاف تسوية لأنّه ضرب كلّ المناطق والقبائل والمجتمعات على إختلافها”.

 

“نحافة شديدة وعدم القدرة على التواصل”

مع تفاقم الجفاف واقتراب أسعار الغذاء العالمية من مستويات قياسية، حذّرت الأمم المتحدة من حصول مجاعة في أجزاء من الصومال ما بين أكتوبر وديسمبر من العام الجاري. ووفق منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، مارتن غريفيث (Martin Griffiths)، فهناك مؤشرات ملموسة على أنّ المجاعة ستحدث بحلول الخريف في منطقتين بالصومال، منطقتي بيدوا وبوركابا.

ودعا مكتب غريفيث المجتمع الدولي إلى تقديم الأموال لمساعدة الصومال قائلاً إنّ أكثر من 200 ألف شخص على شفا مجاعة بسبب جفاف تاريخي، مضيفاً خلال مؤتمر صحافي عبر الفيديو من العاصمة الصومالية مقديشو: “من فضلكم لا تنسوا الصومال”.

ووصف الوضع المأسوي للبلاد من خلال قصة فتاة تبلغ من العمر عامين ونصف التقاها في المستشفى. وقال وقد بدا متأثراً: “هي صورة لا يتمّ عرضها على التلفزيون… نحافة شديدة وعدم القدرة على التواصل بسبب وضعها اليائس، توفيت اليوم”. وخلص إلى القول: “إنّه أمر غير مسبوق ولذلك السبب ندق ناقوس الخطر، ونحاول لفت انتباه المجتمع الدولي إلى فظاعة مجاعة قادمة إلى القرن الأفريقي أوّلاً في الصومال، على أن يأتي دور إثيوبيا وكينيا على الأرجح”.

وثمّة حاجة ماسة إلى ما لا يقل عن مليار دولار لتجنّب المجاعة في البلاد في الأشهر المقبلة وأوائل العام القادم، حيث سيؤدّي موسمان جافان آخران إلى تفاقم الجفاف التاريخي، الذي ضرب الدولة الواقعة في القرن الأفريقي.

وذكر تحليل حديث أجرته وحدة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أنّ ما يصل إلى 7.1 ملايين شخص في أنحاء الصومال يحتاجون إلى مساعدة عاجلة لعلاج سوء التغذية الحاد والوقاية منه، وخفض عدد الوفيات المستمرة المرتبطة بالجوع.

وشهدت منطقة القرن الأفريقي للمرة الأولى منذ أكثر من نصف قرن 4 مواسم جافة متتالية، ما يعرّض للخطر ما يقدر بنحو 20 مليون شخص في واحدة من أكثر مناطق العالم فقراً واضطراباً.

ما تشهده الصومال اليوم لا يعتبر تكراراً لمجاعة 2011، لا بل هو أسوأ بكثير. فقد نفق ثلاثة ملايين رأس من الماشية، التي تعتمد عليها الأسر في معيشتها. فأربعة مواسم ماطرة متتالية لم تأتِ بالماء، وذلك حدث مناخي لم تشهده الصومال منذ 40 عاماً على الأقل، ما أجبر ما يقدّر بمليون شخص على ترك منازلهم لإيجاد وسيلة للبقاء على قيد الحياة.

تلك الأرقام أكَّدها ضيف حلقة ستديو الآن المبعوث الرئاسي الخاص للشؤون الإنسانية والجفاف عبدالرحمن عبدالشكور الذي أوضح لـ ستديو الآن أنَّ الجفاف أثَّر على الأطفال أولا من ثم النساء وبعد ذلك الشيوخ بحسب الدراسات. وقال “استجابة المجتمع الدولي لم تكن كافية ونحن نناشد جميع الدول العربية والإسلامية لمساعدة الصوماليين”. وكشف لـ أخبار الآن  تفاصيل الخطة الحكومية التي أطلقها الرئيس الصومالي لمنع وقوع المجاعة وهي قائمة على مستويين، الأول مجتمعي قائم على جانبين: تحفيز رؤساء الأقليم على التعاضد والتكاتف لمواجهة الجفاف ودعوة المغتربين الصوماليين لدعم بلدهم. أما الجانب الثاني فهو متمثل بالخارج إذ تنسق الدولة أولا مع هيئات الأمم المتحدة لاسيما تلك التي تعنى بشؤون التغذية لمكافحة الأمراض والأوبئة ومعالجة إنتشارها، ومن جانب أخر طلب مساعدة الدول القادرة على المساهمة في إنقاذ الصوماليين لاسيما تلك الإسلامية والعربية منها.

تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا

وتعتمد الصومال على روسيا وأوكرانيا للحصول على أكثر من 90 % من إمداداتها من القمح. وقد تسببت الآثار غير المباشرة لحرب فلاديمير بوتين على أوكرانيا، مثل نقص الإمدادات وارتفاع تكاليف الوقود، في ارتفاع أسعار المواد الغذائية. ويؤثر ذلك بشكل أكبر على الأشخاص الأكثر ضعفاً.

كما لم تعد العائلات قادرة على تحمّل عبء المواد الأساسية حتّى. ففي بعض المناطق، تجاوزت أسعار المواد الغذائية الأساسية، مثل الذرة، الأسعار التي سُجّلت إبّان مجاعة العام 2011.

وأدّى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في كلّ أنحاء العالم، وكان له آثار ضارة على الصومال. وتسببت تقلبات الأسعار العالمية واضطرابات سلاسل الإمداد بزيادة أسعار السلع الأساسية. وأوضحت الدراسة أنّ عدم استقرار الأسعار وتعطل الواردات يشكلان تهديداً لحياة الملايين في القرن الأفريقي. ومنذ أواخر الثمانينيات والصومال تحتاج إلى معونات غذائية مستمرة حتى في أفضل الظروف.

مئات الأطفال يواجهون الأمراض والموت

لأوّل مرّة منذ العام 2017، تمّ تأكيد المستويات الكارثية لانعدام الأمن الغذائي، مع وجود 213000 شخص في ظروف شبيهة بالمجاعة، فيما يفتقر نحو 6.4 مليون شخص في الصومال إلى المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي، ما يجعلهم أكثر عرضة لتفشي الأمراض.

إلى ذلك، يواجه ما يقدر بنحو 1.5 مليون طفل ورضيع في الصومال سوء تغذية حاد، بينهم أكثر من 386.400 طفل من المحتمل أن يعانون من سوء التغذية الحاد. ويمكن للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد أن يستسلموا بسهولة لأمراض مثل الكوليرا والالتهاب الرئوي والملاريا والحصبة في غضون أيام. وحتى الآن هذا العام، لقي ما لا يقل عن 730 طفلاً حتفهم في مراكز التغذية في كلّ أنحاء الصومال.

القرن الأفريقي يمرّ بأشد الظروف جفافاً منذ 4 عقود

وبحسب دراسة نشرها معهد بحوث السياسة الخارجية للباحثة راينا ألكسندر، الباحثة في برنامج أفريقيا التابع للمعهد الأمريكي، فقد ساهم استمرار الجفاف والعنف الداخلي وعدم الإستقرار الإقتصادي والغزو الروسي لأوكرانيا في أزمة الغذاء المتصاعدة. ولا يهدّد انعدام الأمن الغذائي حقوق الإنسان الأساسية وسنوات العمر، بل يشكل أيضاً تحديات أمام الإستقرار السياسي ويزيد من مخاطر الإرهاب.

وأكّدت الدراسة أنّه على المدى القصير، يتعيّن اتخاذ إجراءات سريعة لتفادي الكارثة الإنسانية الوشيكة وضمان الإستقرار السياسي في منطقة القرن الأفريقي، فيما على المدى الطويل، ينبغي على الولايات المتحدة وشركائها دعم الإستثمار الزراعي وتنويع الواردات وجهود مكافحة الفساد في المنطقة، للتخفيف من عواقب الكوارث المناخية المستقبلية وأزمة ضعف الحوكمة في الصومال.

وأوضحت الدراسة أنّ القرن الأفريقي يمرّ بأشد الظروف جفافاً منذ 4 عقود، ما أسفر عن فشل المحاصيل ونفوق الحيوانات ويأس ملايين الصوماليين. وفي بعض المناطق، لم تهطل الأمطار منذ سنوات، غذ يساهم استمرار الظروف القاحلة في ازدياد انعدام الأمن الغذائي، وتصاعد المنافسة على الموارد، والنزوح الداخلي والهجرة.

ما هو أخطر من الجفاف.. الإرهاب

في سياق الحديث مع ضيف برنامج ستديو الآن عبدالرحمن عبدالشكور (Abdirahman Abdishakur) المبعوث الخاص لرئيس جمهورية الصومال حسن شيخ محمود للشؤون الإنسانية والجفاف، أوضح الأخير أنّ السبب الرئيسي وراء سوؤ التغذية وإنعدام الأمن الغذائي يعود أولا لجماعة شباب الإرهابية قبل الأزمات المناخية. ومن هنا أرسل المبعوث الخاص للشوؤن الإنسانية والجفاف رسالة عبر أخبار الآن مفادها إنقاذ المجتمع الذي يعاني الإرهاب والجفاف في الآن عينه.

وقال “لا يستطيع الصوماليون الإستفادة من الأراضي الزراعية الموجودة أو ما تبقى من الثروة الحيوانية بسبب سيطرة جماعة شباب على هذه المفاصل”. وأكمل بالقول “ليس بإمكاننا الإستفادة من ما يمتلك هذا الوطن من خيرات بسبب جماعة شباب الإرهابية”.

وكشف لـ “أخبار الآن” عن خطة حكومية مخصصة لمكافحة إرهاب جماعة شباب وتقليل من سيطرتهم وهذه الخطة قائمة على ثلاثة جوانب: رفع القدرة العسكرية للجيش في مواجهة منظمة الشباب، دعم التعبئة المجتمعية ضدَّ فكر منظمة الشباب وتحفيز المراجع القبائلية على ذلك، ومحاولة تجفيف المراكز المالية لمنظمة الشباب.  وفي سياق الإرهاب يقول الضيف “إن تنظيم القاعدة مؤثرا جدا في الصومال بسبب منظمة شباب وقائد منظمة الشباب هو أحد المرشحين لتولي زعامة القاعدة” ويكمل بالقول “نحاول اليوم تقليص سلطة منظمة الشباب وقمنا بأربع إنتخابات سياسية سلمية ولكن لا نستطيع بمفردنا مواجهة الارهاب والجفاف”.

المجاعة الوشيكة في الصومال تصيب الملايين وإرهاب "الشباب" يفاقم المعاناة.. نداء عاجل

حركة شباب تقطع البلاد إلى أجزاء وتعيق وصول المساعدات

في سياق متّصل، أوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة مقديشو الدكتور حسن شيخ علي نور في حديث خاص لـ “أخبار الآن” الدور الذي يلعبه تنظيم شباب الصومالي في زيادة المشهد تعقيداً إذ قال “إنّ التنظيم يعيق توصيل المساعدات التي تأتي الى الصومال للمحتاجين بسبب النزاعات التي تقف عائقا أمام حركة نقل المساعدات”. وأضاف، “إن التنظيم يفوق قدرة الصومال على استيعابه فعملياته في سائر المنطقة وثمة دول مجاورة تقوم بعمليات ضدَّ التنظيم على الأراضي الصومالية بحجة القيام بعمليات استباقية لحفظ أمنها”. وأردف علي نور “إنَّ الحكومة المركزية غير قادرة على إدارة البلاد، إذ هناك ضعف عام وعوامل عديدة: سياسية ومناخية ولوجستية واجتماعية وأخرى مرتبطة بالبنى التحتية”. وختم بالقول “كل ذلك تجمع وأفرز المشكلة الكبيرة بما يسمى المجاعة في الصومال حيث أَّن نصف المجتمع سوف يواجه ازمة غذائية إن لم يتحرك المجتمع الدولي باسرع وقت ممكن.

ازدهار تجارة الفحم.. كيف تستفيد منها منظمة الشباب؟

تزدهر تجارة الفحم في شوارع المدينة، مدفوعة بالارتفاع الحاد في أسعار الغاز على مدى العامين الماضيين. مع تحول المزيد من الصوماليين إلى الفحم كخيار طاقة ميسور التكلفة، ويقول الخبراء إنّ الطلب المتزايد يغذي مستويات غير مستدامة من الإنتاج ويسرّع تغيّر المناخ وسط أسوأ موجة جفاف تشهدها البلاد منذ 4 عقود.

ويقول دعاة حماية البيئة إنّ الوضع حاد في منطقة وانلاوين بمنطقة شبيلي السفلى، مركز تجارة الفحم، على بعد حوالي 55 ميلاً (90 كم) شمال غرب العاصمة.

وتحاول منظمة الشباب التي تمارس السيطرة في بعض المناطق، زيادة نفوذها في السنوات الأخيرة من خلال لعب دور شبه حكومي في قضايا مثل حماية البيئة. ففي العام 2018، فرضت حظراً على الأكياس البلاستيكية التي تستخدم لمرّة واحدة، وفرضت إجراءات صارمة على قطع الأشجار المورقة.

على الرغم من القمع، تشير التقارير إلى أنّ الإيرادات من التجارة هي مصدر دخل مهم لمنظمة الشباب، إذ تشير تقديرات العام 2014 إلى أنّ المنظمة كسبت إجمالياً سنوياً يتراوح بين 6.5 مليون جنيه إسترليني و14.5 مليون جنيه إسترليني من فرض رسوم على تجّار الفحم.

ويقول دعاة حماية البيئة إنّ مشاركة الحكومة مطلوبة لتنظيم التجارة بشكل فعال، فيما يحتاج الجمهور إلى مزيد من التثقيف البيئي، ويجب أن يبدأ في سن مبكرة، مضيفين أنّ القوانين والأنظمة المتعلقة بالإستغلال البيئي ضرورية، وتلك القوانين واللوائح تحتاج إلى أن تنفذ من قبل الحكومة من أجل رؤية التغيير.

المجاعة الوشيكة في الصومال تصيب الملايين وإرهاب "الشباب" يفاقم المعاناة.. نداء عاجل

الصوماليون هم الوجه الإنساني لأزمة المناخ العالمية

تجدر الإشارة إلى أنّ الصوماليين الذين يعانون أكثر من غيرهم من الجفاف المستمر، هم الوجه الإنساني لأزمة المناخ العالمية. فهم وشعوب منطقة القرن الأفريقي الكبرى، يتحمّلون بعض أسوأ عواقب تغيّر المناخ، مع العلم أنّهم لا يصدرون سوى القليل من الغازات التي تتسبب بالاحتباس الحراري، أو لا تصدر أيّ منها على الإطلاق. ذلك الظلم القاسي مميت بشكل خاص للمجتمعات التي تعيش بالفعل بموارد شحيحة وعلى حافة الفقر.

وفي السنوات العشر الماضية، عانى القرن الأفريقي من 3 موجات جفاف شديدة\ وقد تسبب الجفاف في 2010/2011، إلى جانب الصراع وصعوبات الوصول إلى المحتاجين، في حدوث مجاعة في الصومال، ومات ربع مليون شخص. وقد دفع الجفاف في عامي 2016/2017 ملايين الأشخاص في المنطقة إلى حافة المجاعة، والتي لم يتم منعها إلّا من خلال الإستجابة الإنسانية السريعة وفي الوقت المناسب.

 

شاهدوا أيضاً:  عام على عودة طالبان إلى حكم أفغانستان.. الأفغان بين الجوع والإرهاب والإصرار على النضال