استعادة لتفاصيل عمليّة الفيصل وطرد القاعدة من المكلا

  • في 2 أبريل.. أحكمت القاعدة قبضتها على المكلا خامس أكبر مدن اليمن
    في 22 أبريل.. شنت الولايات المتحدة هجمة بطائرة بدون طيار على المكلا أسفرت عن مقتل مهند غلاب، المتحدث باسم التنظيم
    في يونيو.. قتل ناصر الوحيشي بضربة أمريكية أخرى بطائرة بدون طيار.
    قبائل المكلا وشبابها انتصرت في العام 2016 على تنظيم القاعدة
    كيف شكّل دفاع القبائل عن نفسها مصدر إلهام للشباب اليمني في مقاومته تنظيم القاعدة؟

صباح الـ15 من مارس الماضي استيقظ سكان أبين اليمنية على خبر تفجير إرهابي استهدف اغتيال مسؤول بارز في قوات الأحزمة الأمنية الجنوبية.

التفجير حمل مؤشرا مرتبطا بتصاعد التهديد الذي يفرضه تنظيم القاعدة بدعم من مليشيا  الحوثي.

تأتي هذه  التطورات  بالتزامن مع تاريخ مفصلي لأبناء اليمن عموما وأبناء حضرموت الذين شكلوا مصدر إلهام للشباب اليمني في مقاومتهم تنظيم القاعدة وتمكنوا من  دحر التنظيم عن المكلا في نيسان من العام  2016.

ما الذي جرى في المكلا منذ احتلالها من قبل تنظيم القاعدة.. تفاصيل تكشف للمرة الأولى في وثائقي خاص يعرضه تلفزيون الآن.

تتولى خسائر تنظيم القاعدة في اليمن بدءا مِن قتل أبرز القيادات مرورا بخسارة المناطق التي كان التنظيم  يتحكم  بمفاصلها والأهم وصولا إلى الانكشافات عن تواطؤ مع أعداء مفترضين لتحقيق مكاسب و مصالح لقياداتها.

وكانت قبائل المكلا وشبابها قد انتصرت في العام 2016 على تنظيم القاعدة، فطردته من المدينة وأعادت الحياة إلى شوارعها ونفوس مواطنيها. فكيف كانت عليه الحياة في المكلا في ظل وجود القاعدة؟ كيف أحكمت القاعدة  قبضتها على المدينة وما هي الاستراتيجيّات التي اتبتعها؟ وكيف تمكّن الأهالي من مواجهة التنظيم وطرده؟ وهل من مخلّفات نفسيّة واجتماعيّة تركتها القاعدة بعد رحيلها عن المدينة؟

عودة بالذاكرة

في الثاني من أبريل 2015 أحكمت القاعدة قبضتها على المكلا خامس أكبر مدن اليمن والبالغ عدد سكانها 500 الف نسمة.

في 22 أبريل/نيسان، أي بعد أقل من ثلاثة أسابيع على دخول التنظيم إلى المكلا، شنت الولايات المتحدة هجمة بطائرة بدون طيار على المكلا أسفرت عن مقتل مهند غلاب، المتحدث باسم التنظيم.

وبعد بضعة أسابيع في 12 يونيو/حزيران، قتل ناصر الوحيشي بضربة أمريكية أخرى بطائرة بدون طيار.

كل ما حاولت القاعدة  فعله من تلميع لصورتها جرفه إعصار تشابالا الذي ضرب اليمن في شهر نوفمبر من العام  2015، إعصار تشابالا  كذب كل ادعاءات القاعدة بالاستعداد لمواجهة الفيضانات والجاهزية لمساعدة المواطنين لتلميع صورة التنظيم بعد سفك من دماء اليمنيين.

لم يطل كثيرا زيف القاعدة وادعاءاتها فكان تحرير المدينة في نيسان من العام 2016.

يصف الكاتب والمحلل السياسي عبد الحكيم الجابري سقوط المكلا بيد القاعدة بـ”الغرابة” ففي ذلك بحسب قوله شيء من الريبة “فبعد منتصف الليل سمع المواطنون إطلاق نار كثيف باتجاه السجن، ومن ثم بزغ فجر 2 ابريل 2015 على احتلال القاعدة داخل المدينة واحكام قبضتها الكاملة عليها”.

المكلا

المؤامرة!

انطلقت القاعدة في سيطرتها على المكلا من ميدان ساحة العروض حيث تجمّع عناصرها في تلك المنطقة، ويروي الجابري أنه وبحسب شهود عيان “قدّر عدد عناصر التنظيم بمئتي عنصر يزيدون قليلا أو ينقصون، ويبدو أنهم دخلوا بخطة مسبقة إذ توزعوا على خمس فرق: فرقة اتجهت إلى البنك المركزي في قلب المدينة، وفرقة أخرى باتجاه منطقة حي الشيخ خالد، وفرقة ثالثة إلى الطريق المؤدي الى قيادة المنطقة العسكرية الثانية، بينما فرقة رابعة كانت تسيطر على المدخل الغربي للمدينة، وفرقة خامسة كانت تسيطر على المدخل الشرقي”.

ويشير إلى أن “الفرقتين الأساسيّتين في قلب المدينة تحركتا إلى السجن المركزي وتم الهجوم على السجن بقذائف الأر بي جي فأصيب برج السجن واستسلم الحرّاس وتمّ إطلاق سراح المعتقلين ويقارب عددهم نحو 300 سجين وكان من بينهم قيادات وعناصر من تنظيم القاعدة”.

والغريب في سيطرة القاعدة على المدينة بحسب الجابري أن “مدينة المكلا محاطة بعدد من المعسكرات القويّة غير العادية، فقوّات الأمن موجودة داخل المدينة بالإضافة إلى وجود أقوى قوة عسكرية هي اللواء 27 ميكا في جوار مدينة المكلا تقريبا وهو الأقوى على مستوى المناطق الشرقية، إلا أن هذه القوات كلها لم تتحرك لمواجهة تنظيم القاعدة وهذا ما يطرح فكرة المؤامرة، فهل هناك مؤامرة؟ هل كان هناك ترتيب لهذا الموضوع؟”.

يربط الجابري كل تلك التساؤلات بما تعرّض له الجيش اليمني في فترات سابقة وعزل الرئيس علي عبد الله صالح ففي تلك الفترة “بدأت عملية إعادة هيكلة القوات المسلحة فانقسمت قيادات الجيش بين من عاد بولائه إلى علي عبد الله صالح وبين من استمر بولائه لصالح وبين من بقي على ولائه للقيادة الأخرى مثل علي محسن وغيره. وبالتالي حصل الانقسام ويبدو هذا واحداً من أسباب عدم تحرّك الجيش والأمن وبالتالي السيطرة على مدينة المكلا”.

لم تتحرك القوات المحيطة بمدينة المكلا لمواجهة تنظيم القاعدة وهذا ما يطرح فكرة المؤامرة، فهل هناك مؤامرة؟ هل كان هناك ترتيب لهذا الموضوع؟
عبد الحكيم الجابري
كاتب ومحلل سياسي

لم يكن توجّه التنظيم إلى تحرير الأسرى من السجون العمليّة الأولى من نوعها بحسب الجابري “فقد شهدنا حوادث مماثلة سواء في اليمن أو غيرها إذ تعمد تلك التنظيمات إلى إطلاق سراح قياداتها وعناصرها داخل السجون، ومن ثم تستكمل باقي عملياتها.

وكان في سجن المكلا عدد من قيادات التنظيم وعلى رأسهم خالد باطرفي وقيادات أخرى إلى جانب عناصرهم الموجودين في السجن وكانت خطة رئيسية بالنسبة إليهم إطلاق سراح عناصرهم وبالفعل تمكّنوا من إخراجهم”.

وأضاف “خالد سعيد باطرفي هو سعودي الجنسية من أصول حضرمية، سبق وأن كان في أفغانستان في العام 1999 ومكث هناك حوالي 8 أشهر في إحدى المعسكرات في قندهار، ثم غادر أفغانستان وعاد إليها مرة أخرى إلى أن جاء الغزو الأمريكي لأفغانستان وأنهى حكم طالبان. غادر بعد ذلك أفغانستان وتسلل إلى إيران التي سلّمته إلى نظام علي عبد الله صالح حيث تم سجنه لمدة أربع سنوات تقريبا وأطلق سراحه في عام 2011 مع ثورة الشباب في عدد من المحافظات الشمالية. وتم بعد ذلك إلقاء القبض عليه في تعز، وظل في السجن هناك إلى أن تم تسليمه للسلطات الأمنية في حضرموت وأطلقت القاعدة سراحه عام 2015. وكان باطرفي أمير الجماعة التي كانت تسمى بأنصار الله أنصار الشريعة في أبين إذ تم تعيينه أميرا على ولاية أبين إلى أن سقطت تلك التجربة التي شهدتها المحافظة وخاصة جعار وبعض المناطق المحيطة بها”.

وهنا ربما تطرح علامات استفهام حول الدور الإيراني الذي لعبته في زرع  باطرفي في اليمن في دور شبيه بما تقوم به إيران اليوم في استخدام الحوثيين والقاعدة بهدف إيذاء اليمنيين.

المكلا

تكتيك القبول

يقول الجابري إن “التنظيمات العقائدية هي مثل المدفع، لديها قدرة في الهدم ولكن ليس لديها قدرة في البناء. وعندما احتلت  القاعدة  المدينة انهارت الحياة بشكل تام ولكن القاعدة في هذه المرحلة دخلت بتكتيك يختلف عن تكتيكاتها السابقة، فقد أطلقت على نفسها تسمية أبناء حضرموت كي يكون لها قبول داخل المجتمع، واهتمت بأشياء أساسية تقرّبها من الناس مثل توفير الخدمات وتسيير عمل الإدارات قدر المستطاع طبعا هي ليست دولة لكنها استفادت من الكادر الحكومي الموجود في هذه المؤسسات ولجأت إلى طريقة مبتكرة إذ شكلت مجلساً أهلياً من الأهالي يتولى المسائل الإدارية ويكون هو في الواجهة، وكان ذلك مقبولاً من الناس أن يتولى المجلس الأهلي شؤونهم وليس تنظيم القاعدة”.

إذاً استطاع التنظيم أن يحقق قبولاً تجاهه في المجتمع من خلال عدة أساليب كان أبرزها الخدمات والمجلس الأهلي وغيرها من الأمور بحسب الجابري “فقد اتخذوا إجراءات قربتهم من الناس مثل إلغاء الضرائب وحسم القضايا التي لم تحسم في المحاكم منذ أعوام وبقي الوضع على ما هو عليه إلى أن قتل أميرهم ناصر الوحيشي  بطائرة دون طيار في المكلا وهو كان صاحب فكرة التكتيك الذي تتعامل به القاعدة مع الأهالي. بعد مقتله بدأ التنظيم يأخذ منحى آخر، إذ بدأ بتنفيذ الإعدامات وتطبيق الشريعة بطريقة خارجة عن الشريعة وعن القوانين وحقوق الإنسان، وحتى بدأوا في تنفيذ الرمي على امرأة بتهمة الزنا كما ارتكبوا الكثير من الاعتقالات ضد الصحفيين وحرية الرأي لأن الناس خرجت في مسيرة ضخمة في 2 أكتوبر وطالبت بخروج تنظيم القاعدة من مدينة المكلا”.

إعصار شابالا كشف الوجه الحقيق للقاعدة أمام داعميها ومناصريها قبل أعدائها وفضح عجزها عن إدارة أزمات البلاد ومشاكلها وتقديم حلول للمواطنين والسكان

ماذا حصل قبيل الانتصار و كيف ساهم إعصار تشابالا في فضح القاعدة؟

ضرب الإعصار تشابالا المحافظة اليمنية حضرموت وتسبب في دمار في البنية التحتية وغرق المنازل والمحال والشوارع وتشريد الالاف من المواطنين في مدينة المكلا عاصمة المحافظة، هذه المدينة التي كانت  تقبع تحت احتلال تنظيم القاعدة الذي ادعى  قبل وصول الإعصار عن القيام باجراءات لمواجهته وحماية المواطنين أملا منها باستعادة بعض من حاضنتها التي فقدتها في البلاد نتيجة الإنتهاكات والقتل وسفك الدماء بحق اليمنيين، الا ان المفارقة كانت ان القاعدة اختفت تماما من المشهد ولم تعلق على الفشل في تنفيذ ما ادعت القيام به لمواجهة الإعصار فأصبحت موضوع سخرية للمواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي.

إعصار تشابالا كشف الوجه الحقيق للقاعدة أمام داعميها ومناصريها قبل أعدائها وفضح عجزها عن إدارة  أزمات البلاد ومشاكلها وتقديم حلول للمواطنين والسكان.

المكلا

الانتصار على القاعدة

استعاد الشيخ عبد الواحد بن عزون النهدي وهو شيخ إحدى القبائل أحداث انتصار أهالي المكلا على القاعدة وتفاصيل عمليّة الفيصل مؤكداُ لأخبار الآن أن “المكلا وأهاليها تضرّروا كثيراً من وجود القاعدة إذ ارتكب هؤلاء جرائم كثيرة ونهبوا، فكانت التفجيرات متواصلة وكذلك الاستهدافات ما أدّى إلى تكوين مقاومة ذاتية من مجموعة المقيمين في المكلا من شتى القبائل، كانت المقاومة غير ممنهجة أو منظمة فساندتها دولة لإمارات التي كان لها الفضل والدور المميّز والمحوري في القضاء على الإرهاب في المدينة”.

وأضاف “فلنقل الأمور بوضوح إن دخول المكلا لم يكن طبيعياً في فترة قياسية ومن خلال قوّة بسيطة، فمن كان يمسك الأمن في المدينة هو من ساعدهم على الدخول ونقولها بوضوح إنهم الأخوان المسلمين الداعمين المباشرين للقاعدة التي وجدت الاستقبال الطيّب وتمكنت من الدخول إلى المدينة والسيطرة عليها في مدّة قياسيّة”.

وأمسكت القاعدة بالمدينة مدّة سنة كاملة بحسب النهدي “فأعاثت في الأرض فساداً فكان من الطبيعي لقومها أن يقاوموا بقدر إمكانياتهم البسيطة لأنه مجتمع قبلي. فالسلاح قليل جدا في المكلا، ليس كما عندنا في الوادي حيث موضوع السلاح شيء طبيعي جداً ومتوفر في كل بيت وفي كل شارع. فوصلوا إلى حضرموت حيث المجتمع قبلي مسلح، ورجال القبائل معروفون، في المكلا رجال أيضاً لكن الوضع الاجتماعي المدني يغلب عليهم، فدخلت الإمارات بخططها لتدير المعارك عبر رجال أكفاء، وكانت عملية الفيصل فتم القضاء على القاعدة”.

المكلا

وأضاف “كل الفضل في عمليّة الفيصل هو للقوات الإماراتية التي خططت ودرّبت وسلحّت ودعمت بسخاء، فقضت على القاعدة التي انسحبت إلى شمال مديريّة حضرموت بشكل عام وتحديداً في وادي المسني وهو وادي صعب في جباله ووعورته. وكان التخطيط كما قلت للضباط الأكفاء الإماراتيين الذين نعجز عن شكرهم وشكر قيادتهم”.

وتوقف النهدي أيضاً عند  دور شباب القبائل “الذين شكلوا نواة النخبة الحضرمية وهم رجال يجيدون القتال لكن تنقصهم الإمكانيّات والفكر الحديث في القتال ومحاربة الإرهاب بشتى أنواعه، فحين توفر لهم الدعم السخي بالسلاح والقوّة من الإمارات بالإضافة إلى التجهيزات المطلوبة والتنظيم وإدارة المعارك بشكل محسوب، تحرّرت المدن في عملية واحدة خاطفة وهي معركة يجب فعلاً أن تدرّس في الأكاديمية العسكرية، فالنصر الذي تحقق أذهل الدول الكبرى التي تحارب الإرهاب لعشرات السنين وما تمكنت من إنجاز هذا الشيء، لذلك تم الإعتراف بالقوات الإماراتية وإدارتها للإرهاب والاعتراف بالجنود الذين قاتلوا تحت إمرتها من قبل دول عظمى”.

القضاء على الحياة الفنيّة

أدّى الإختلاف العقائدي والفكري بين تنظيم القاعدة والفنانين والمثقفين في حضرموت إلى القضاء على كل مظاهر الغناء والمسرح والموسيقى بحسب رئيس جمعية فناني حضرموت محمد أنور “ما انعكس على العديد من الفنانين في كل المجالات سواء في مجال الفن الموسيقي أو الغناء في المسرح وقد أدى ذلك أيضاً إلى منع الفعاليات الفنية ما تسبب بقطع بعض الموارد التي كان يتلقاها الفنانون. فمن المعروف في حضرموت، أن الفن مرتبط بشكل كبير بجوانب إجتماعية كثيرة من ضمنها الأعراس والمناسبات، ومن المعروف لدينا أيضاً أن ثمّة حفلات خاصة بالنساء، ولكن طبعا هذا الفكر المتشدد عارض كلّ تلك الفعاليات الفنية وتسبّب بالكثير من المشاكل الإقتصادية وبالأذى المباشر خصوصاً للفنانات الشعبيات اللواتي يعملن خلال موسم الأعراس فيجمعون مداخيل تكفيهم سنة كاملة”.

 

 

المكلا

يؤكد أنور أن الفنانين عاشوا أسوأ أيامهم في العام 2015 “وقد تلقينا العديد من الشكاوى والمناشدات الإنسانية من الفنانين والفنانات بشكل خاص عن الوضع السيء. ولم تقتصر الأمور على المنع، فخلال أدائهم الفني في بعض الحفلات تعرّضوا للأذى وتكسير آلاتهم الموسيقيّة بالإضافة إلى محاولة تخويفهم. هذا وكانت الناس قد بدأت تعزف عن حضور الحفلات خلال تلك الفترة بسبب الخوف. في الحقيقة كانت تلك المرحلة مرحلة خوف وعدم أمان وعدم استقرار بشكل عام في حضرموت”.

ولفت أنور إلى أن “الفن هو من الأشياء المحرّمة بالنسبة للقاعدة على الرغم من أن فعاليات كثيرة داخل مجتمعنا مثل الأذان والأناشيد الدينية والصوفية وغيرها مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بالموسيقى والفن والإيقاعات، لكن هذا الفكر رفض ذلك جملة وتفصيلاً وحارب الفن والفعاليات الفنية بشكل مباشر فعاشت حضرموت في تلك الفترة أسوأ أيامها على المستوى الفني وكذلك الاقتصادي إذ إن المسألة انعكست على دور الفنانين وعلى أعمالهم التي تجمدّت لعام كامل دون أن يكون هناك فعاليات فنية أو أعمال جديدة أو مصادر دخل ما خلق مشكلة إقتصادية وفنية وثقافية في حضرموت لم تر مثلها في تاريخها القديم والجديد”.

المكلا

الحياة لم تعد كما كانت

يعتبر المواطن عمر باجردانة أن القاعدة خلال احتلالها لمدينة المكلا “عثّرت الحياة المدنية وعسكرتها وحولتها من دار أمان الى دار حرب في ذلك الوقت، وقد استخدمت أساليب أرغمت عبرها المواطن على تقبل ذلك رغم مخالفته للدستور والشريعة”.

وأضاف “قامت القاعدة بالتضييق على الحريات وتضييق الخناق على الأعمال الفنية والإبداعية وبات المواطن غير قادر على تقبل تلك الميليشيات العسكرية والإرهابية التي لا تريد إلا قتل الأبرياء”.

وتحدّث باجردانة عن حادثة تركت أثرها حتى اليوم في نفوس الأهالي والأطفال “فقد قتلت القاعدة ثلاثة أشخاص وعلقتهم على جسر المنشآت الكبرى في مدينة المكلا وقد استخدموا ذلك كسياسة تحذير بأن كل من يرتكب فعلاً سوف يعلق ويقتل بهذه الطريقة الوحشية. بعض الأطفال الذين رأوا ذلك أصيبوا بالتوحد كما أن البالغين باتوا يشعرون بعدم الرضا النفسي وهم بحاجة إلى تأهيل ما بعد الصدمة”.

وأكد أن وجود العناصر الإرهابية في المدينة ترك أثره في بعض الذهنيات حتى ما بعد خروجها “وخصوصاً العقليات الدينية التي لا تزال متأثرة بمواجهة الجوانب الثقافية والفنية تحت ذريعة الإرهاب أو زراعة التهديد. فالعناصر الإرهابية أثناء احتلالها مدينة المكلا كانت تكافح حتى اللباس والأزياء والديكورات التي تتعلق بتشكيلة الإنسان فتعتبرها خارجة عن الأخلاق. لا يزال البعض متأثرين بتلك العقليات الإرهابية رغم خروج القاعدة، وحتى في محركات البحث يربط إسم حضرموت بالإرهاب وهذا سلبي جداً بالنسبة لنا”.

وأضاف “خلال احتلال القاعدة لمدينة المكلا حرّمت الزيجات بسبب منع الجوانب الفنية، ومنعت الإختلاط في الجامعات، ووضعت قيوداً كثيرة على الحياة المدنية وعسكرت المدينة بشتى أنواع الإرهاب الأسري وهذا مؤسف جداً، فحتى اليوم لا تزال بعض الفرق الثقافية عاجزة عن ممارسة أعمالها بشكل طبيعي بسبب الإرهاب الذي زرعه هذا التنظيم أثناء احتلاله مدينة المكلا”.

 

المكلا

في المقابل يقول المواطن محروس باحسين أن أبرز ممارسات تنظيم القاعدة في المكلا كانت “مصادرة الحريات العامة لمواطني المدينة وفرض قيود على حياتهم اليومية والطبيعية، فيشعر الفرد أنه مراقب وأنه مهدّد، فكانت الحياة أشبه بالجحيم وكأن الفرد يعيش في سجن وغير قادر أنه يعيش حياته بشكل طبيعي. وبالإضافة الى مصادرة الحريات كان عمليات القتل وعمليات إرهاب المواطنين والنساء والعمال في المؤسسات الحكومية دائمة فكانت الحياة أشبه بثكنة عسكرية”.

ويقول باحسين إنه في ظل وجود القاعدة كانت “الخدمات سيئة بشكل عام وذلك لأن القاعدة أتت أصلا في وضع كانت فيه البنى التحتيّة للبلد منهارة إذ لا كهرباء ولا صحة لا تعليم ولا بنى تحتية فكل شيء منهار”.

وأضاف “بعد أن سيطرت القاعدة على المكلا أصبح ميناء المدينة بالنسبة لها مثل السوق الحر تستطيع أن تبيع وتشتري المحروقات والمشتقات النفطية عبره من دون رقابة أو إجراءات رسميّة وروتينية كالتي يتم إجراؤها في مثل هذه الأمور، لم يكن هناك من إجراءات رسميّة لأن القاعدة لا تعترف بالدولة أساساً وبالتالي كانت المشتقات النفطية تدخل وتخرج عن طريق البيع والشراء بسبب القوة المالية التي كان التنظيم يمتلكها من خلال سطوه على البنك المركزي اليمني والسيطرة على كل الأموال والودائع التي كانت فيه”.

ما جرى في المكلا لا يقتصر فقط على تجربة المكلا وإنّما شكل محطة أساسية كشفت وفضحت زيف القاعدة في جزيرة العرب

هذا  الوضع لم  يدم طويلا فبمساندة قوات النخبة و بدعم قبائلي حاسم انكسرت شوكة  القاعدة و تم ّ دحرها و حصل التحرير في المكلا ليشكّل خروج القاعدة “إنفراجاً كبيراً بالنسبة للأهالي فقد عادت الحياة إلى طبيعتها وتخلصوا من الرعب والإرهاب الذي كانوا يعانون منه وعادت مؤسسات الدولة إلى العمل، وتأخذ باقي الأمور شيئاً فشيئاً حجمها الطبيعي من الناحية الأمنية والسياسيّة والإداريّة والثقافية والاجتماعية”.

ما جرى في المكلا لا يقتصر فقط على تجربة المكلا وإنّما شكل محطة أساسية كشفت وفضحت زيف القاعدة في جزيرة العرب وبرهنت عن قدرة أبناء اليمن و بدعم من الحلفاء العرب والدوليين على تشكيل جبهة فعالة في مقارعة الإرهاب.

وكما في الأمس ومع استمرار الحوثيين من جهة والقاعدة في شبه جزيرة العرب من جهة أخرى في التسبب بالأذى والضررلأبناء القبائل، فإن ما جرى في المكلا وهزائم القاعدة المتتالية وخسارة أبرز قياداتها وانشقاق آخرين يشكل نموذجا ملهما بأن أيام النمر الورقي باتت أيامه معدودة.