إيران وفشل مفاوضاتها مع الغرب..أيّ بديل لطهران؟

مع إحساس إيران بقرب فشل مفاوضاتها مع الغرب فيما يخص إحياء الاتفاق النووي بدأت تستشعر خطر قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية قوية لمنشآتها النووية وتدميرها. ولذا بدأت إيران بتوجيه رسائل مقصودة لإسرائيل كان أولها القصف الذي استهدف مواقع في أربيل عاصمة كردستان العراق. ثم اتبعت ذلك بتصريحات من أعلى مستويات القيادة الإيرانية بأن طهران ستقوم برد قوي جدا في حال تعرضت منشآتها النووية لضربة إسرائيلية.

ثم أرسلت إيران إلى إسرائيل عبر طرف ثالث رسالة تضمنت مواقع المنشآت الحيوية الإسرائيلية بقصد إفهام إسرائيل أن مواقعها باتت مكشوفة لإيران وانها ستكون أهدافا مشروعة في حال قيام إسرائيل بضرب المنشآت النووية الإيرانية.

أما الوسيلة الأكثر خطورة والأكبر تأثيرا فكانت محاولة استغلال المواجهات الفلسطينية مع قوات الجيش الإسرائيلي وتحريض الفلسطينيين على تحويل المواجهات إلى انتفاضة في الضفة الغربية يمكنها أن تستدرج حركتي حماس والجهاد لمهاجمة إسرائيل باستخدام الصواريخ التي زودت بها طهران الحركتين ونتيجة لذلك تنشغل إسرائيل في غزو قطاع غزة وهذا قد يؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية في المنطقة قد تشغل العالم عن تصرفات إيران في تخصيب اليورانيوم بعيدا عن قيود الاتفاق النووي الذي يكون قد انتهى أمره.

تنتهز إيران كل مناسبة لتخلق لنفسها دورا يجعلها تظهر بمظهر المساند والمؤازر للفلسطينيين ومقاومتهم للاحتلال. وبمناسبة انعقاد مؤتمر بعنوان “من مخيم اليرموك إلى فلسطين القدس هي المحور” حشدت إيران كثيرا من الشخصيات لتلقي كلمات كلها تعزيز وتقوية لصمود الفلسطينيين ودعم لفظي لهم.

ما تفعله إيران ظاهره الدعم والتأييد لكن الجوهر قد يكون غير ذلك.

وكما هي عادتها كل عام أحيت إيران الجمعة الأخيرة من رمضان تحت مسمى يوم القدس وملأته خطابات عاطفية لاستدرار عواطف الفلسطينيين بينما تشهد الأراضي الفلسطينية حالات توتر شديد بعد المواجهات الأخيرة.

لم يفت المرشد الإيراني أن يقدم خطابا وهذه المرة باللغة العربية وكأنه قصد أن يكون مفهوما تماما للفلسطينيين وقال أن الشعب الفلسطيني يريد مواجهة عسكرية ويطالب قادته بإعطائه الضوء الأخضر لذلك.

ولم يفته أن يؤكد بوضوح أن إيران تدعم وتساند مطالبا جيل الشباب بالتواجد في ساحات العزة والكرامة.

كذلك كانت تصريحات الجنرال إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الذي قال إن إيران ستدعم أي فصيل يحارب إسرائيل وكأنه يدعو الفصائل أن تبدأ حربا جديدة مثلما حدث في العام الماضي.

تدرك إيران أن الشعوب العربية والفلسطينيين معهم لا يهتمون بما تفعله إيران تحت مسمى يوم القدس لذلك تحاول اختلاق أزمة إقليمية لتظهر مواقفها التي تستخدمها للتغطية على مشكلاتها. تستغل إيران المعاناة الفلسطينية للتنفيس عن الاحتقان الداخلي في إيران ولتخفيف عزلتها التي تعيشها بسبب العقوبات المفروضة عليها وكذلك في محاولة للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة بعد فشل محادثات إحياء الاتفاق النووي.

وبينما يقوم وفد من حماس بزيارة إيران يواصل الإعلام الإيراني وبخاصة صحف التيار المتشدد وصحف الحرس الثوري باستخدام العبارات المثيرة مثل العنوان الذي حملته صحيفة جوان أونلاين الذي يقول: “المعركة الفاصلة تقترب”.

تريد إيران استباق كل ما يمكن أن يحدث لكنها لم تنجح. لم تنجح في تحريض الفلسطينيين على تفجير انتفاضة جديدة في الأراضي المحتلة ولم تنجح في جر حماس إلى معركة في غير أوانها فاختارت حماس الإنصات إلى صوت العقل هذه المرة حيث أظهرت عدم رغبتها في مواجهة جديدة لأن العالم الآن مشغول بحرب أوكرانيا وأي مواجهة ستطلق العنان للقوة الإسرائيلية لتوجيه ضربة قد تكون قاضية بالنسبة لحماس.

بعد انتهاء مهرجان يوم القدس ربما سمع وفد حماس في إيران أوامر أو تعليمات أو نصائح تتعلق بالوضع بين قطاع غزة وإسرائيل. لا يمكن معرفة أي تفاصيل لأن البيانات التي ستصدر بعد المحادثات ستتضمن ما يراد له أن يظهر للناس أما التفاصيل الدقيقة والحقيقية فستظل مكتومة.

ماذا سيحدث لو أصرت حماس على رفض أي مطلب بإشعال الجبهة مع إسرائيل؟ فالحركة تبدو هذه المرة غير مستعدة للاستماع إلى التحريض الإيراني بعد أن تورطت العام الماضي بتلقي ضربات إسرائيلية قاسية أوقعت خسائر فادحة فهي لا تريد تكرار الخطأ.

لكن كيف ستقابل إيران رفض حماس إشعال المنطقة الحدودية؟ هل يمكن أن تلجا إلى جهات أخرى غير حماس؟ ربما فهناك جهات ليس لديها ما تخسره في حال استدرجت إسرائيل لغزو قطاع غزة. وهنا قد تجد حماس نفسها متورطة في حرب لم تسع إليها.

هل يمكن أن تلجأ إيران أيضا إلى حزب الله لإشعال جبهة الجنوب اللبناني؟

هل يمكن أن تلجأ إيران أيضا إلى حزب الله لإشعال جبهة الجنوب اللبناني؟ لا يبدو الأمر كذلك فالحزب في لبنان مشغول الآن في التحضير للانتخابات وهي انتخابات حاسمة للغاية ولا يمكن للحزب أن يورط لبنان في حرب قد تؤدي إلى دمار البلاد زيادة عما هي فيه من دمار سياسي واقتصادي. أما ما قد يحدث بعد الانتخابات فهو أمر لا يعرفه أحد.

تحاول إيران الآن انتهاز أي فرصة ممكنة لإشغال مواطنيها عن أوضاعهم المتردية بعد أن فشل النظام في تحقيق وعوده بتحسين الاقتصاد وأخفق في إحياء الاتفاق النووي الذي كان من شأن نجاح مفاوضاته أن ترفع العقوبات القاسية عن إيران وتحرر أموالها المجمدة في الخارج وتفتح الأسواق لنفطها.

ما الذي يمنع إيران من استخدام إمكانياتها في دعم الفلسطينيين في قطاع غزة أو الضفة الغربية في ميادين غير السلاح؟ لماذا لا تستغل هذا الدعم في بناء المدارس والمستشفيات والمزارع وتحسين البنية التحتية المدمرة؟ الجواب لهذا التساؤل له وجهان فالأول هو أن إيران ترغب في أن يكون لها كلمة ودور في الصراع العربي الإسرائيلي لاستغلاله في تصدير أفكارها وأيدولوجيتها إلى العالم العربي من خلال الشعب الفلسطيني والثاني هو اعتقادها أن الدعم من خلال السلاح اقوى واكثر جاذبية كما أنه وسيلة للسيطرة على القيادات في القطاع ويمكن التحكم به بسهولة بينما الدعم الإنساني والاقتصادي سيتفرق بين الناس ولا يبدو دعما قابلا للسيطرة عليه بعد تنفيذه.

من الصعوبة بمكان معرفة ما سيحدث لكن على الأغلب أن حماس لن تنجر إلى معركة مع إسرائيل في هذه الأوقات واذا ما انجرت فصائل أخرى إلى مثل هذه المعركة فقد تكون عواقبها وخيمة ليس عليها فقط ولكن على قطاع غزة بأكمله.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولاتعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن