إيران تواصل المراوغة في المفاوضات النووية

قد يكون الاتفاق قريبا لكن بعض الخلافات لا تزال قائمة. بهذا الانطباع خرج بعض المفاوضين الأوروبيين من جلسة التفاوض الأخيرة في فيينا التي يناقشون فيها مع الوفد الإيراني العودة إلى الاتفاق النووي. المشكلة الأساسية الآن هي أن الوقت آخذ بالنفاذ وكل الأطراف الغربية تقول إن الوقت بات قصيرا جدا ويمضي بسرعة وصبرهم لن يطول.

هذه الفكرة تكررت على لسان أكثر من مفاوض غربي وجوهرها يطرح تساؤلا مهما عن حقيقة جدية إيران في التفاوض وحقيقة نواياها في إحياء الاتفاق النووي.

المواقف الإيرانية موزعة بين مختلف المسؤولين في طهران ولكن إذا اعتبرنا أن المرشد هو مصدر القرار الإيراني فالمرشد قال عبارة التشجيع الضرورية للحكومة في الأسبوع الماضي ومن المفترض أنها أعطت دعما لفريق التفاوض عندما قال وبغض النظر عن طبيعة المفردات المستخدمة “إن إيران تتفاوض مع العدو في بعض المسائل”.

وبهذا فهو أعطى الضوء الأخضر لمواصلة التفاوض لكن الحكومة لا تزال تلجأ إلى المماطلة والمراوغة وهذا لن يرضي الولايات المتحدة.

وزير الخارجية الأمريكي الذي يتولى ملف الاتفاق يرى أن أسابيع قليلة فقط بقيت لإنقاذ الاتفاق وبعدها ستلجأ واشنطن للبدائل.

لم يعلن الوزير الأمريكي حدا اقصى لصبر الإدارة تجاه إيران لكن هذا الحد على ما يبدو بدأ يقترب.

تحليل التصريحات الأمريكية يظهر أن الولايات المتحدة لا تثق بنوايا إيران ولا ترى أن طهران جادة بالوصول إلى اتفاق في المدى المنظور مع أنها ترى أن من الأفضل إحراز حل دبلوماسي لازمة الاتفاق النووي بدلا من المواجهة.

لكن طهران في واقع الأمر تحاول شراء الوقت لإجراء المزيد من التخصيب لليورانيوم والمضي قدما في برنامجها النووي على الرغم من أن وزير الخارجية الإيراني قال في تصريحات للإعلام إن بلاده مستعدة لتليين موقفها بشأن قضية رفع العقوبات وقد تقبل في مرحلة أولى رفع العقوبات المتعلقة بالاتفاق وفي مرحلة ثانية رفع العقوبات الأخرى وهي القضية الأكثر تعقيدا في المفاوضات.

يتعرض فريق التفاوض الإيراني إلى ضغوط متواصلة داخل إيران ويتم اتهامه بضعف القدرات وافتقاد الخبرات اللازمة للقيام بما هو مطلوب منه. هذه الضغوط جاءت بعد أن المح رئيس الفريق إلى حدوث تقدم في المفاوضات وتقلص الفجوة في المواقف بين الجانبين الإيراني والغربي وتلميح آخر باحتمال التوصل إلى اتفاق قبل منتصف فبراير القادم ليتزامن ذلك مع احتفالات إيران بذكرى الثورة.

بكل ما تشيعه هذه التسريبات من تفاؤل يظل المسؤولون في كلا البلدين على حذرهم لأنه لا تزال هناك نقاط أخرى بحاجة إلى إيضاحات وتفاهمات.

وبينما يتم إحراز اقل القليل من الإنجاز في المفاوضات يخشى الجانبان الظهور بمظهر الضعف أمام شعبيهما ولا يريدان أن يظهرا متحمسين كثيرا للتوصل إلى اتفاق.

ومن المؤكد أن كلا الجانبين ينظر بريبة وشك للجانب الآخر.

في نهاية الأمر ما الذي تريده إيران بالفعل من وراء هذه التصرفات والمواقف؟ هل ترغب إيران حقا في العودة إلى الاتفاق النووي؟  إلى جانب كسب الوقت وتخصيب المزيد من اليورانيوم وإخفاؤه فهي تريد ضمانات باستمرار الاتفاق في حال الوصول إليه مجددا لأنها تخشى من مجيء إدارة أمريكية تعيد ما فعلته إدارة ترامب بالانسحاب من الاتفاق والغرق من جديد في دوامة تفاوض قد لا تؤدي إلى أي نتائج إيجابية.

في الوقت نفسه تتقصد إيران المماطلة والتسويف لأجل استهلاك الوقت إلى حين وضوح الرؤيا بخصوص الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة في العام ألفين وأربعة وعشرين.

فهي تخشى عودة الرئيس دونالد ترامب الذي وعد انه سيترشح للرئاسة في تلك السنة.

ولأن الإدارة الحالية ولا أي إدارة أمريكية أخرى يمكنها الزام الإدارات التي تأتي بعدها بأي شيء لأن ذلك لا يتماشى مع طبيعة نظام الحكم في أمريكا فهذا الموقف الإيراني سيزيد من تعقيد المشكلة.

تريد إيران الاطمئنان إلى أن ترامب لن يكون الرئيس القادم وعندها تنخرط في محادثات جادة وحقيقية.

لكن هذه ليست المشكلة الوحيدة أو الحقيقية التي تعيق المفاوضات.

إيران تريد ضمان المنافع والمكاسب الاقتصادية التي وعدت بها وفق الاتفاق الأصلي، ومطلبها الأهم هو الرفع التام لكل العقوبات المفروضة عليها قبل الالتزام بشروط الاتفاق.

أدت العقوبات إلى تحميل إيران خسائر وصلت حسب ما تقوله طهران إلى مئتين وأربعين مليار دولار وهي تريد من الولايات المتحدة أن تعوضها تلك الخسائر.

من الغريب أن الرئيس الإيراني المعروف بمواقفه المتشددة قبل انتخابه وكان يتهم سلطة الرئيس السابق حسن روحاني بالضعف قام بتنازل مهم عندما وافق كما سربت بعض مصادر المفاوضات لفريقه التفاوضي بالعمل بموجب مسودة كان قد وضعها فريق الرئيس روحاني.

وبموجب تلك المسودة ستقوم الولايات المتحدة برفع كل العقوبات المتعلقة بالاتفاق النووي مع الإبقاء على تلك المتعلقة بحقوق الإنسان وتعود إيران إلى التزاماتها الفنية المتعلقة ببرنامجها النووي وفق الاتفاق الأصلي.

عندما يكون رئيس فريق التفاوض صاحب تاريخ طويل من المعارضة والرفض للاتفاق وناقد شديد النقد له قبل أن يتسلم منصبه الجديد كمفاوض فإنه من الطبيعي أن لا يستطيع تغيير مواقفه بسهولة.

ومن هنا يواصل الضغط والتمسك بمواقفه القديمة وبالتالي يعيق التفاوض ولا يملك المرونة الكافية للتفاوض الصحيح مع القوى الأجنبية.

ولذلك فلا يوجد حل لهذه المشكلة إلا بتغيير رئيس الفريق التفاوضي لكي تسير المفاوضات بصورة مرنة تسمح بالوصول إلى نتائج إيجابية مضمونة بشرط أن يكون هناك ضوء أخضر من المرشد أولا.

ومن المفترض أن إيران تدرك أن مصلحتها في إنجاز تفاهم يعيد إحياء الاتفاق لأن عواقب المخاطرة بعدم العودة إلى الاتفاق تعني زيادة فرص المواجهة. فهل يمكن التوصل إلى حل وسط بين الموقفين الأمريكي والإيراني؟

أميركا لن ترضى بأقل من وقف تخصيب اليورانيوم إلى الحدود المقبولة بموجب الاتفاق ومن ثم حجز كل ما تم تطويره وتصنيعه خلال فترة توقف سريان الاتفاق وكذلك إعادة تفعيل رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على جميع المنشآت النووية الإيرانية.

كذلك من غير المتوقع أن ترضى أمريكا بالتزام إيران بالعودة إلى الاتفاق وبعد ذلك تسكت عن تدخلات إيران في دول الجوار ودعم الفصائل المسلحة التي تدور في فلكها ولذلك من المتوقع أن تطرح على إيران اتفاقا إضافيا يضع حدا لتدخلاتها في المنطقة وحماية المصالح الأمريكية فيها.

إذا ما استمرت مماطلة إيران وترددها وكثرة مطالباتها فإن الوقت يمضي وعندها يصبح الاتفاق الذي تدور حوله المفاوضات بلا أي معنى.

عند هذه النقطة قد تلجأ الولايات المتحدة والقوى الغربية المشاركة في الاتفاق إلى الخطة البديلة وهي خطة وإن لم تعرف تفاصيلها لكن المعروف أنها لن تكون دبلوماسية وأي حسابات خاطئة قد تجر المنطقة إلى مصائب وويلات وربما حرب من الصعب إيقافها.