بسبب أوكرانيا.. الأزمة بين بوتين وبايدن أصبحت أكثر تعقيدا

بالرغم مما يبدو من دبلوماسية الاتصال الأخير بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي جو بايدن إلا أن الموقف بين الجانبين على خلفية أزمة أوكرانيا أصبح أكثر تعقيدا. فالطلعات الجوية الأمريكية المتواصلة في أجواء شرقي أوكرانيا المحاذية للأراضي الروسية تسبب استفزازا لموسكو وتهديدات من بعض القادة العسكريين في حلف الناتو تزيد من حدة التوتر. أما الدول الصديقة للجانبين فتنصحهما بالتروي وخفض التوتر لأن الحرب ليست في صالح أي منهما.

في خمسين دقيقة تحاور الرئيسان الروسي والأمريكي بشأن أوكرانيا مع أن المكالمة التي افتتحها بوتين كان عنوانها التهنئة بالعام الجديد لكن أوكرانيا كانت حاضرة بقوة. وقد أثارت هذه المكالمة الكثير من الأسئلة وكان لكل طرف بيانه الذي اختلف عن الآخر وكل طرف يضمّن بيانه ما يريد وما يعجبه من تفاصيل.

بيان البيت الأبيض كان قصيرا اشتمل على أن بايدن طلب من بوتين خفض التوتر ودعاه إلى حوار مع حلف الناتو. أما بيان الكرملين فتناول تأكيد موسكو على ضرورة أن تثمر المفاوضات مع واشنطن عن ضمانات بعدم توسعة الناتو شرقا. ونسب إلى بوتين قوله انه هدد الرئيس الأمريكي بأن العقوبات المشددة ستكون خطأ كبيرا ستؤدي إلى قطع العلاقات بين الدولتين.

لم تخل المكالمة من تهديدات أمريكية أيضا فالرئيس بايدن هدد صراحة بأن الولايات المتحدة سترد بحزم شديد إذا ما قامت روسيا بأي تحرك عسكري ضد أوكرانيا. لكنه اكد أيضا بحسب ما تسرب إلى الصحافة على عدم وجود نية أمريكية بنشر أسلحة في أوكرانيا أو الرد عسكريا على روسيا. فالولايات المتحدة لا ترغب بالانجرار إلى أي حرب لأجل دولة تبعد عنها آلاف الأميال لكنها بالتأكيد ستقدم المساعدات العسكرية والاقتصادية لهذه الدولة لكي تصمد أمام أي هجوم محتمل وهو متوقع بالفعل.

وقد نشرت وسائل الإعلام الروسية ما تسرب إلى الصحافة من وعد بعدم إرسال أسلحة أو قوات إلى أوكرانيا وهو الوعد الذي لم يشر إليه بيان البيت الأبيض عن المكالمة فإن التحليل المنطقي يعني أن ما تخشاه روسيا من انضمام أوكرانيا إلى الناتو يشكل خطرا عليها إذا ما أصبحت قاعدة للحلف على أعتاب روسيا الغربية.

من الطبيعي أن يبتعد الرئيس بايدن خلال الحديث مع بوتين عن التهديد مباشرة باستخدام القوة فالحرب مع روسيا آخر ما يمكن أن تريده واشنطن. لكن بايدن شدد على العواقب الوخيمة التي تشتمل على عقوبات اقتصادية ومالية غير مسبوقة.

ما يثير التفاؤل هو أن الزعيمين اتفقا على عقد اجتماع قمة بينهما في جنيف في الأسبوع الثاني من شهر يناير. وبالتأكيد سيسعى بوتين خلال الاجتماع للمساومة من أجل تحقيق الهدف الذي تريده موسكو وهو إبقاء حلف الناتو بعيدا عن حدودها بعدم ضم أوكرانيا للحلف.

وقد أوضح بوتين هذا الموقف خلال المكالمة وقالت صحف روسية إن بايدن فهم قصد بوتين لكنه لم يقل أنه وافق عليه. لا يمكن لأحد تخمين ما قد يسفر عنه اجتماع جنيف من اتفاق أو عدم اتفاق.

فإلى أي مدى يذهب بايدن في وعوده للرئيس بوتين إن قدم بالفعل أي وعود؟ لا توجد أي معلومات واضحة لكن الأكثر وضوحا هو موقف الرئيس بوتين الذي أبلغ اجتماعا عسكريا أنه قلق للغاية من تواجد قوات الناتو بالقرب من حدود روسيا ولن يسمح بذلك مهددا أنه سيتخذ تدابير عسكرية وتقنية انتقامية مناسبة.

واشنطن تضع موسكو أمام خيارين لا ثالث لهما

لا تزال الأوضاع تحت السيطرة ولكن بعد اجتماع جنيف المرتقب قد تأخذ الأحداث مسارا آخر. فالولايات المتحدة وضعت روسيا أمام خيارين إما الخيار الدبلوماسي الذي يتطلب أن تخفض روسيا اندفاعها نحو التصادم مع أوكرانيا أو الخيار الثاني وهو خيار المواجهة والردع إذا ما اختارت روسيا أن تغزو أوكرانيا.

لا يتوقع أحد أن تلجأ الولايات المتحدة للرد العسكري المباشر على روسيا لكنها بالتأكيد ستلجأ مع فرض العقوبات الصارمة وإلى دعم الجيش الأوكراني. وهذا ما يثير قلق روسيا بالفعل فإلى أي مدى يمكن للولايات المتحدة أن تساعد أوكرانيا عسكريا؟ هل ستكون مجرد مساعدات هامشية أم معدات استراتيجية؟ هل سيؤدي التصعيد إلى اشتعال الحرب أم تنتصر الدبلوماسية والجنوح إلى السلم؟

هل تخشى روسيا القوة الأمريكية؟ من المؤكد أن الدولتين تخشيان بعضهما البعض في حال اندلاع صراع مسلح فكلاهما تملكان أسلحة دمار شامل واذا ما اندلع صراع لا أحد يمكنه توقع ما سيحدث في الحرب. فالحرب المكشوفة بين الدولتين ستجر معها دولا أخرى وقد تتوسع إلى حرب عالمية تجلب الدمار إلى العالم وليس فقط إلى الطرفين المتحاربين.

من المفهوم أن هناك مسؤولية خاصة وملزمة لكل من روسيا والولايات المتحدة لحفظ الأمن في أوروبا والعالم. ولذلك ستجري الولايات المتحدة المزيد من المحادثات بشأن أوكرانيا إذ تبدو الإدارة الأمريكية متفائلة بشأن الأوضاع على حدود أوكرانيا مع استمرار مراقبتها لتحركات القوات الروسية القريبة من تلك الحدود. ولا بد أن تجد الدولتان نقاط التقاء تهدىء التوتر.

أما إذا تصلب الجانبان في مواقفهما فلا شك عند ذلك أن الأرضية ستكون مهيأة لاستمرار التوتر و قيام حرب باردة جديدة وحالات استقطاب سياسي عالمي وربما نشوء سباق تسلح جديد يعيد إلى الأذهان حقبة الرئيس رونالد ريغان الذي دفع الاتحاد السوفياتي إلى سباق للتسلح كان له أثاره المدمرة على الاقتصاد السوفياتي الذي بدأ يتهاوى منذ منتصف الثمانينات وقاد إلى انهيار الإمبراطورية الشيوعية. واذا كان الاقتصاد الأمريكي برغم ما يعانيه يتحمل نفقات سباق التسلح والحرب الباردة فإن الاقتصاد الروسي لا يستطيع ذلك في ظروفه الحالية.

 

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولاتعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن