إخفاقات جولات فيينا بشأن الاتفاق النووي الإيراني.. إلى أين؟

بإخفاق الجولة السابعة من المفاوضات النووية في فيينا بين إيران والقوى الدولية بشأن إحياء الاتفاق النووي ساد شعور بأن الطريق أمام تحقيق انفراجة في التفاوض بات مسدودا في المدى القريب على الأقل.

ومع توقع العودة للتفاوض في الأسبوع المقبل إلا أن مصادر عديدة أكدت أنه لم يتم تحديد موعد مؤكد للجولة التالية وهو أمر قد يعني أن جولة جديدة من التفاوض باتت بعيدة وقد لا تتم.

جاء المفاوضون إلى فيينا بأمل فتح صفحة جديدة، فالإدارة الأمريكية بشكل خاص والغرب عموما يريدون إحياء الاتفاق النووي حتى لا تصل الأمور إلى مستوى لا يمكن السيطرة عليه فيما يخص المشروع النووي الإيراني.

وإيران في الواقع هي الأكثر حاجة إلى التوصل لاتفاق يرفع عنها العقوبات ويعيد انعاش اقتصادها بعد أن وصل إلى حال من التدهور والانهيار يستحق الشفقة.

وقد أحدثت نتائج محادثات فينا صدمة في أسواق إيران وسقط سعر الريال الإيراني إلى حدود قياسية مقابل الدولار.

تحاول إيران استغلال ما ترى أنه ظروف مواتية للحصول على امتيازات غير معقولة تتجاوز نطاق ما يمكن للقوى الدولية القبول به.

حتى الصين وروسيا أبدتا دهشة من تغير موقف طهران وتراجعها عما سبق ووافقت عليه. وقد أبدت الأطراف المشاركة في جولة فيينا استياءها من الموقف الإيراني الجديد وألمحت إلى أنه موقف يكشف عن عدم الجدية في التفاوض.

وبات العالم يشكك في نوايا إيران وقدرتها على الالتزام وإنقاذ الاتفاق النووي.

في الجولة السابعة من المفاوضات تفاجأت الولايات المتحدة بمواقف إيرانية جديدة أظهرت عدم جدية إيران في التفاوض وبخاصة عندما طالبت بتغييرات كثيرة تتناقض مع الاتفاق الأصلي مما أظهر تراجعا عن مواقفها التوفيقية التي التزمت بها في الجولات السابقة من المحادثات وعادت إلى طرح المزيد من المطالب مستغلة مقترحات الأطراف الأخرى المشاركة في التفاوض. وهذا ما خلق حيرة في كيفية التعامل مع إيران في هذه المفاوضات.

في البيانات الإيرانية التي تلت جولة التفاوض يمكن استشعار رغبة طهران في تشتيت الانتباه بتوزيع الاتهامات يمينا ويسارا.

فقد اتهمت واشنطن بأنها تضع العراقيل أمام التوصل إلى اتفاق ثم اتهمت إسرائيل بأنها تحرض الدول الأوروبية ضد إيران.

وفي التصريحات الإيرانية التي تصدر داخل إيران إشارات إلى أن إيران ما زالت ترغب بمواصلة التفاوض لاستعادة الاتفاق النووي مع القوى الدولية.

كما تنشر الصحافة الإيرانية تلميحات بأنه في حال انعقدت جولات جديدة من المفاوضات فإنها ستشهد مرونة مختلقة في المواقف الإيرانية بعيدا عن التشدد.

في الأثناء تواصل إيران استغلال الوقت لتسريع برنامجها النووي بأساليب استفزازية وتعرقل عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية المسؤولة عن مراقبة التزام إيران بالاتفاق.

مواقف إيران بهذه الصورة ستخلق أضرارا عميقة للاقتصاد الإيراني فاستمرار العقوبات تعني استمرار معاناة الشعب الإيراني واستمرار انهيار الاقتصاد الضعيف أصلا الأمر الذي سيزيد من الغضب الشعبي ضد النظام.

وكلما تشددت إيران في التفاوض على الاتفاق النووي فهذا قد يدفع الولايات المتحدة للمطالبة مجددا بإدخال البرنامج الصاروخي الإيراني في الاتفاق.

بحسب المسؤولين الأمريكيين فإن واشنطن التي لم تغلق الباب نهائيا أمام المفاوضات وما زالت تأمل بأن تعود إيران بمقترحات منطقية ومعقولة، أظهرت صبرا طويلا في مواجهة التسويف الإيراني والمماطلة لكن هذا الصبر قد لا يدوم طويلا ومع الوقت يصبح المسار الدبلوماسي أقصر. ورغبة أمريكا في إحياء الاتفاق لن تستمر إلى الأبد واذا ما أجهضت إيران الاتفاق فإن مرحلة جديدة في العلاقات الدولية والإقليمية قد تبدأ انطلاقا من الشرق الأوسط.

في حال توقفت المفاوضات بصورة تامة بانسحاب إيراني منها كيف سترد الولايات المتحدة بعيدا عن الرد العسكري الذي قالت إنها لا تحبذه ولا تريده.

لا شك أن واشنطن في مثل هذه الحال ستقوم بتشديد العقوبات الاقتصادية والمالية وتوسيعها كما أنها ستحرض حلفاءها وأصدقاءها ضد إيران وتحثهم على مقاطعتها. وقد تلجأ إلى قرار عقوبات دولية يصدر عن مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من الميثاق ليكون ملزما لجميع الدول. وبهذا تستطيع الولايات المتحدة أن تجعل علاقات الدول مع إيران مكلفة الأمر الذي سيجبر تلك الدول على الالتزام بالمقاطعة.

وقد تمنع الولايات المتحدة إيران من تصدير نفطها وتحاصر موانئها وفي حال استطاعت إيران خرق الحصار وصدرت بعض النفط تستطيع الولايات المتحدة أن تمنع وصول أثمان هذا النفط إلى الخزينة الإيرانية.

عند التدقيق في تصريحات المسؤولين الأمريكيين نستشعر أن واشنطن تستعد لعالم جديد بدون الاتفاق النووي. لكن ما هو البديل وما هي الخطط البديلة التي يمكن للولايات المتحدة اتخاذها؟

عندما يقول الرئيس الأمريكي أن واشنطن لا ترغب باستخدام القوة العسكرية لإجبار إيران على العودة إلى الاتفاق فهذا لا يعني أن واشنطن لا تستطيع اللجوء إلى القوة إذا ما استدعى الأمر ذلك.

فعدم الرغبة في العمل العسكري لا تعني عدم القدرة على استخدامه. فقد سبق للولايات المتحدة أن تدخلت عسكريا في أكثر من مكان في العالم وحققت ما تريد. وإيران مهما تفاخرت بقوتها العسكرية لن تستطيع الوقوف أمام قوة الولايات المتحدة في حال أن واشنطن حركت قواتها مستهدفة طهران ومنشآتها النووي.

ما هي المحددات التي تدفع الولايات المتحدة أو إسرائيل أو كليهما لتوجيه ضربة لإيران. المحددات هي ما الذي سيتبع الضربة؟ وكيف ستتم مواجهة ما بعد الضربة. عند ذلك يمكن الحديث بوضوح عن توجيه ضربة عسكرية لإيران.

الموقف الأكثر وضوحا في هذا الشأن لكنه الأكثر تصلبا أيضا هو الموقف الإسرائيلي. وعلى لسان وزير دفاعها قالت إنها لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي. وتسعى إسرائيل لمنع الولايات المتحدة من إبرام أي اتفاق جديد لا يلزم إيران بالعودة إلى جميع التزاماتها. ولذا توجه وزير الدفاع الإسرائيلي إلى واشنطن للعمل على هذا الهدف وقد سبقه إلى هناك مدير المخابرات الإسرائيلي الذي قدم لواشنطن معلومات جيدة عن المشروع النووي الإيراني.

منذ أيام والصحافة الإسرائيلية تواصل نشر المقالات والدراسات المتعلقة بإيران وتنشر أفكارا ومقالات لتعزز موقفها الذي يتلخص في أن وجود إيران نووية يعني تغييرا جوهريا في الشرق الأوسط ويشكل خطرا وجوديا على إسرائيل.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولاتعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن