20 عاما على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 

مرت هذا الأسبوع الذكرى العشرون للعمل الإرهابي الذي استهدف الولايات المتحدة وكان علامة فارقة في التاريخ الحديث وأحدث نقلة نوعية في تعامل الولايات المتحدة مع العالم وتعامل دول العالم بعضها مع بعض.

فتح ذلك العمل، الذي عرف عند البعض باسم غزوة منهاتن وعند آخرين بأسماء أخرى، الباب على أسئلة كبيرة عن الإرهاب ومجتمع الإرهاب كما فتح العيون على الإسلام السياسي، وكذلك على المجتمعات الإسلامية ومناهج التعليم وأساليب الحكم ووسائل الإعلام؛ وجلبت العملية الاتهام بالإرهاب لكل ما هو عربي أو مسلم.

لكن كثيرين وجدوا أن أفضل وسيلة للدفاع عن أنفسهم ضد تهمة الإرهاب هي التمسك بنظرية المؤامرة فيما يتعلق بعملية نيويورك.

والإيمان بنظرية المؤامرة ليس حكرا على العرب والمسلمين، فهؤلاء يحبون التمسك بهذه النظرية لإبعاد شبح التهم عن انفسهم.

وهناك من الأمريكيين من يؤمن بنظرية المؤامرة من باب انتمائه لليسار المتطرف أو لأحزاب فوضوية كل ما يهمها هو معارضة الدولة.

لماذا اللجوء إلى نظرية المؤامرة لتفسير الأحداث؟

التفسير المؤامراتي للأحداث يريح صاحبه لأنه لا يريد أن يصدق الحقيقة، يخلق جهة يحملها المسؤولية ويعفي نفسه لأنه يشعر بصورة أو بأخرى بانه قد يتهم بالمسؤولية.

بالنسبة للعرب والمسلمين الأمر مفهوم أنهم لا يريدون أن يلصقوا التهمة بأنفسهم ولكن ماذا بالنسبة لليسار الأمريكي الذي يصر على أن الذين خططوا ونفذوا عملية مانهاتن هم الأمريكيين أو الموساد الإسرائيلي.

نُشر العديد من الكتب والمقالات والدراسات التي تحاول أن تثبت أن الأمر كان مؤامرة محكمة لأن الولايات المتحدة تريد أن تخلق عدوا بعد أن انتهت من الحرب الباردة وتريد أن تخلق تبريرا للقيام بغزو أفغانستان والعراق وتشديد القيود على الحريات داخل أراضيها.

ورغم الردود المنطقية التي قام بها علماء سياسة ومختصون بالإرهاب وبالرغم من اعتراف الإرهابيين أنفسهم بأنهم وراء العملية إلا أن المؤمنين بالمؤامرة لا يصدقون الحقيقة.

العقل المدبر للعملية الباكستاني خالد شيخ محمد اعترف بنفسه بذلك في المحكمة المستمرة له منذ سنوات طويلة.

زعيم القاعدة أسامة بن لادن اعترف مرتين بأن تنظيمه هو الذي فكر وخطط ونفذ، حتى بعض المواقع الإلكترونية التابعة للقاعدة نشرت فيديوهات عن تدريب الإرهابيين المنفذين للعملية.

لا يمكن لعاقل أن يصدق أن عملية مانهاتن كانت مؤامرة أمريكية ولا حتى مؤامرة من أعداء أمريكا فالوقائع التي يشار إليها في دعم نظرية المؤامرة ليست وقائع حقيقية.

لو كانت عملية وهمية أو مؤامرة أمريكية أو إسرائيلية لماذا لم تكشفها الدول الكبرى التي على نقيض مع السياسة الأمريكية؟ الذين ادعوا أن الإرهابيين الذين نفذوا العمليات لم يكونوا هم الذين نفذوها فأين هم الآن بعد عشرين عاما؟

عادة ما تطيح البحوث الجادة والزمن بنظرية المؤامرة التي تموت بمرور الوقت، فالزمن لا يدعم المبررات التي يقدمها أصحاب النظرية لتفسير الأحداث.

ومع ذلك هناك بعض الشكوك التي قد تحتمل بعض الصدقية لكنها لا يمكن أن ترقى إلى مستوى أن تكون جزءً من مؤامرة.

هناك بعض التساؤلات عن بعض الإهمال في التدقيق والتمحيص في تقارير أمنية يقال إنها وصلت ولم تتم دراستها أو تمت مراجعتها بعد فوات الأوان وهذه تشكل فجوات لا يزال الكثيرون يطالبون بإيضاحات بشأنها.

ربما قصرت بعض الأجهزة الأمنية الأمريكية في التقاط الرسائل التي كانت تصل وفيها مؤشرات لاحتمال وقوع عمل إرهابي كبير.

وفي التقارير الأمنية التي وضعت بعد العملية إشارات إلى أن بعض الإرهابيين اشتركوا في دورات قيادة الطائرات ودفعوا رسوم الدورات نقدا ولم يكونوا مبعوثين من حكومات بلادهم. لكن هذا الأمر لم يلفت انتباه أحد في الأجهزة الأمنية، كما لم يلفت انتباه الأجهزة رسالتان مشفرتان تم اعتراضهما من أفغانستان إحداها تقول “المباراة تبدأ غدا” والثانية تقول “غدا ساعة السفر”.

هناك كثيرون لا يتهمون الحكومة الأمريكية بتدبير العملية لكنهم يتهمونها بأنها دبرت عملية انهيار البرجين بتلك السرعة التي شاهدها الملايين على شاشات التلفزيون.

ورغم كل التفاسير العلمية التي ساقها المختصون لا يزال هناك من لا يصدق.

وهناك من يشبه عملية مانهاتن بعملية بيرل هاربر من حيث أن السلطات المختصة علمت لكنها سمحت، وحتى هذه النظرية ضعيفة.

فهي إن صدقت في حالة بيرل هاربر خلال حرب عالمية فإنها لا تصمد في حال عملية مانهاتن. إلا أنه بالفعل كان هناك كثير من المعلومات التي لم يصل الخبراء في تحليلها إلى التفكير بأن عملية مثل التي حدثت يمكن أن تحدث.

يقدم أصحاب نظرية المؤامرة الكثير من المعلومات قد تكون صحيحة لكن ربطها بعملية مانهاتن يبدو غريبا مثل إلغاء بعض المسؤولين رحلاتهم الجوية يوم الحادث.

أو وجود تدريبات للجيش الأمريكي تتعلق بالتعامل مع اصطدام طائرات مع برجي نيويورك، وكذلك معلومات عن استئجار رجل أعمال يهودي للبرجين بمبلغ خيالي.

لكن هناك معلومات كثيرة مختلقة يصدقها أصحاب النظرية أو الذين يتعاطفون معهم لتبرير تصديقهم للمؤامرة.

وأبرز تلك المعلومات هو غياب أربعة آلاف يهودي يعملون في البرجين عن عملهم بعد تحذير وردهم من الموساد الإسرائيلي.

وهذه المعلومة غير صحيحة وإنما مختلقة من معلومة أخرى تحدثت عن وجود أربعة آلاف يهودي أمريكي كانوا متواجدين في منطقة البرجين يوم التفجير.

ومن المعلومات المختلقة التي تصل إلى حد الخيال العلمي أن الطائرات المختطفة الأربع كان يتم التحكم بها عن بعد، مع أن الخاطفين تحدثوا مع أبراج المراقبة في المطارات وأعلنوا أنهم خطفوا الطائرات وأنهم سيفجرونها.

لقد أعطت عملية مانهاتن نتائج عكسية ووصفها بعض منظري الإرهاب بأنها كانت حماقة استراتيجية.

فقد كانت برغم قسوتها والخسائر البشرية التي نجمت عنها فرصة غير متوقعة للولايات المتحدة لكي تبدأ بشن حروب ضد الإرهاب.

أرادت القاعدة من العملية أن توجع الولايات المتحدة في أرضها وعقر دارها وقد حققت ذلك لكن النتائج التي تلت ذلك كانت وبالا على القاعدة وعلى الحركات الإرهابية الأخرى المنبثقة عنها وعلى الدول العربية والإسلامية.

وبعد الحروب التي تمت ضد القاعدة وشركائها لم يعد للتنظيم وجود متماسك بل تحول إلى خلايا مشتتة ومتفرقة ولم يعد يربط مؤيديها وأنصارها سوى العقلية الإرهابية التي تدفع بهم للقيام بأعمال إرهابيه بصورة منفردة.

وقد لاحقت الولايات المتحدة قادة التنظيم في كل مكان وقتلت منهم كثيرين وعلى رأسهم أسامة بن لادن نفسه الذي تمكنت منه في مايو عام ألفين واحد عشر.

وبعد قتل بن لادن ضعفت شوكة القاعدة وبسبب تواصل الغارات الأمريكية التزم قادة التنظيم الاختباء في الكهوف الأمر الذي أضعف قدرتهم على العمل، وكان قتل بن لادن لحظة فارقة في سجل التنظيم وفي سجل الصراع مع الإرهاب.