هل اقترب العالم من حروب المياه بسبب العطش؟

لم تعد مياه الأرض تكفي شعوبها وبات الماء موردا محدودا وربما غير متجدد.

ومع ارتفاع مستوى المعيشة زاد الاهتمام بالموارد المائية وزاد الانتباه لندرتها، وبات الماء أكثر أهمية من النفط سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

وإذا كان للنفط بدائل فإن الماء لا بديل له وربما قاد هذا إلى صراعات مسلحة.

زاد الطلب على الماء بارتفاع أعداد السكان لكن مخزون المياه الجوفية انخفض والمصادر المتجددة باتت محدودة بسبب الضخ الجائر والتغير المناخي والانحباس الحراري الذي أدى إلى انقطاع الأمطار والجفاف وهذا كله سيقود إلى أزمة المياه العالمية المتوقعة.

يؤثر نقص المياه في العالم على حوالي ثلاثة مليارات نسمة يعيشون في مناطق توصف بأنها ذات ندرة مائية أما البلدان العربية فتعتبر من أكثر الدول معاناة من ندرة المياه.

وفي الأعوام القليلة القادمة ستكون ندرة المياه هي التحدي الأكبر الذي يواجه الشعوب العربية وقياداتها ويمكن اعتبارها أيضا التهديد الجدي الأخطر لوجودها.

ومن هنا تصبح مسألة نقص المياه في الشرق الأوسط مسألة أمن قومي.

يخشى كثيرون من أن العالم ومن قبله الشرق الأوسط سيضطر إلى أن يعيش على القليل من الماء وستكون معاناة الدول العربية الفقيرة أصلا بالمياه هي الأكبر حيث يصل حجم النقص إلى خمسة وأربعين مليار متر مكعب.

وهذا سيجعل الضائقة المائية العربية هي الأصعب ويجعلها قنبلة موقوتة.

تشير الدراسات إلى أن المنطقة العربية ستحتاج بحلول العام ألفين وخمسة وعشرين إلى مصادر مائية تزيد بمقدار أربعة أضعاف عما هو الحال الآن.

ولأن الزراعة عماد الأمن الغذائي وتستهلك سبعين في المئة من موارد المياه فإن الأمن الغذائي مرتبط ارتباطا عضويا بالأمن المائي والعمل على تحسين الإنتاج الغذائي سيخلق ضغطا على مصادر المياه ويزيد من حدة المشكلة المائية وهذا يستدعي بالضرورة البحث عن حلول غير تقليدية للمشكلة.

ولا يمكن إيجاد حلول من دون تعاون إقليمي ودولي خصوصا وأن المصادر المائية في كثير من الأحيان مشتركة بين الدول أو عابرة لها.

تعاني المنطقة العربية من مشكلة ليس لها حل إلا بالتعاون والتوافق وهي أن سبعين في المئة من مواردها المائية مصدرها من خارج حدودها وهذا ما يجعلها رهينة بأيدي الآخرين ويعيق مشروعات استغلال المياه.

وأكبر مثلين على هذا هما نهر النيل ونهر الفرات وبدرجة أقل نهر الأردن وبعض أنهار العراق التي تنبع من الأراضي الإيرانية.

يحتاج الشرق الأوسط مقاربة جديدة في التعامل مع أزمة المياه والمطلوب إدارة غير تقليدية للموارد المائية ورصد المخصصات المالية الكافية لذلك فالتأخر في المعالجة سيزيد من الكلفة.

لقد بات من الضروري إيجاد مشروعات عملاقة قد تصل كلفتها إلى عشرات المليارات من الدولارات وهذا لن يتم بغير التعاون الإقليمي والدعم الكامل من البنك الدولي والدول الغنية. والطريقة الأفضل الآن هي اللجوء لتقنيات تحلية مياه البحار من أجل الوصول إلى حالة من الاستقرار المائي وإيجاد الحلول التي قد لا تكون جذرية ونهائية لكنها تخفف من وطأة المشكلة وتتيح للناس الاستخدام الأمثل للمياه ولو بالحد الأدنى.

تعد مشروعات التحلية برغم كلفتها العالية ونتائجها المتواضعة أحد الحلول ولأجل توفير الكلفة سيكون من الضروري فرض زيادة ملموسة على تعرفة المياه لسد تكلفة البديل من المياه المحلاة وضمان ترشيد الاستهلاك والحفاظ على الثروة المائية.

وتكلفة التحلية مهما كانت مرتفعة فإنها بالتأكيد أقل كلفة من أي صراع مسلح.

الوضع الراهن للثروة المائية في المنطقة العربية لا يسمح بأي تأجيل للمشروعات الكبرى في التحلية التي يجب أن تكون ضمن مشروعات إقليمية وتعاون دولي لأجل استدامة توفير الماء وبغير هذا التعاون فان الحال سيكون فوق قدرة الناس على تحمله.

كذلك فإن الحاجة ماسة للتفاهمات السياسية في الشرق الأوسط لجعل الوصول إلى الموارد المائية ممكنا خصوصا بالنسبة للشعوب المحرومة من حقوقها المائية والمثل الأكبر على ذلك هو الشعب الفلسطيني.

وعلى الرغم من أن اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل يعطي الفلسطينيين الحق في الوصول إلى مصادر المياه الجوفية في أراضيهم إلا أن الإجراءات الإسرائيلية من جهة والاستهلاك الزائد للماء من قبل المستوطنين الذي يصل إلى حد التبذير يحرم الفلسطينيين من حقوقهم المائية.

كان يفترض أن عملية السلام ستفتح الباب للمشروعات المشتركة لحل مشكلة المياه وإيجاد حلول غير تقليدية لحماية المنطقة من العطش والصراعات لكن إسرائيل بقيت تسيطر وتتحكم بمصادر المياه وفق ما تشاء.

لا بد من استتباب السلام الحقيقي الذي سينتقل بالمنطقة إلى حالة من التوافق والتفاهم وتقاسم المياه بصورة عادلة تخدم الشعوب وتحل مشكلاتهم.

لكن الظروف السياسية الراهنة في المنطقة تؤدي إلى خلق تفاوت في الانتفاع بالمياه.

أما دول الجوار العربي فبعضها تتحكم بمصادر المياه الواردة إلى البلدان العربية من خلال السدود الضخمة والاستخدام المكثف للمشروعات الزراعية.

وقد لا يطول الوقت حتى تتحول أحواض المياه إلى بؤر للتوتر السياسي وحتى للصراع المسلح.

فأزمة نهر النيل ليست جديدة بين أثيوبيا ومصر، فقد نشبت أولا عام أربعة وسبعين ثم هدأت بتدخلات دولية.

في الشهور القليلة الماضية نشبت من جديد بعد أن بدأت أثيوبيا بملء سد النهضة الأمر الذي سيكون له تأثير سلبي على منسوب نهر النيل في الأراضي المصرية والسودانية.

ستظل منطقة الشرق الأوسط تعاني من مشكلة المياه حتى ولو أقيمت مشروعات تحلية أو مشروعات تدوير لمياه الصرف الصحي لاستخدامها في الزراعة.

ففي الأردن على سبيل المثال ستنخفض حصة الشخص الواحد من المياه من مئة وخمسين مترا مكعبا سنويا كما هو الحال الآن إلى واحد وتسعين مترا مكعبا مع أن حد الفقر العالمي في المياه هو ألف متر مكعب للشخص الواحد سنويا وبهذا يصبح الأردن الأفقر مائيا على مستوى العالم.

أحد الحلول بالنسبة للأردن هو ناقل البحرين الذي سيفتح قناة صناعية من البحر الأحمر إلى البحر الميت.

كلفة هذا المشروع قد تصل إلى خمسة عشر مليار دولار ويحتاج إلى عشرين عاما وربما أكثر لإنجازه.

وفي هذا المشروع الذي سيعيد التوازن للبحر الميت الذي أخذ يجف وينضب ستكون هناك محطات لتحلية الماء للاستخدام الزراعي ومساقط مياه لتوليد الطاقة.

لكن هذا المشروع يحتاج إلى تعاون أردني فلسطيني إسرائيلي وتمويل عربي ودولي.

ندرة الماء وبالتالي الأمن المائي هو التحدي الرئيسي الذي سيواجه الشرق الأوسط في السنوات القليلة القادمة ولذا فإن من الضروري وضع استراتيجية مائية لمواجهة الكارثة المقبلة التي تؤثر على الأمن القومي.

وبات معروفا أن هامش الأمان المائي في المنطقة أصبح ضئيلا جدا وثمة عوامل عديدة باتت تزيد من الضغط على استهلاك الماء وبالتالي قد تتحول الأزمة إلى كارثة.