ماذا ينتظر حقبة رئيسي؟

لم يُحدِث الإعلان عن فوز إبراهيم رئيسي مرشح التيار المحافظ في إيران لمنصب الرئاسة أي مفاجأة إذ كانت النتيجة معروفة سلفا وكان الجميع يدرك أنه مرشح النظام وأنه سيفوز.

لكن الجهات الرسمية احتفت بالانتخابات بصورة غير مسبوقة وأسمتها ملحمة وطنية وكان ذلك واضحا في الإعلام الرسمي الإيراني.

كانت تلك النتيجة مؤشرا واضحا وأكيدا على تماسك جبهة التيار المحافظ الذي تمكن بدعم من المرشد وباقي أجهزة الدولة العميقة من إقصاء خصومه كذلك كانت مؤشرا على قدرة النظام الإيراني على هندسة الانتخابات بحسب ما يريد بعد أن حرم مجلس صيانة الدستور العديد من المرشحين الذين كانوا سيشكلون تحديا حقيقيا للمرشح رئيسي.

رئيس الجمهورية في إيران أشبه برئيس وزراء يأتمر بأمر المرشد الأعلى ويضطر في أحيان كثيرة للخضوع لطلبات الحرس الثوري وبقية أجهزة الحكم ولا يتمتع بصلاحيات مطلقة فهو مجرد طرف من أطراف عديدة تصنع القرار في إيران وقد يكون من الصعب أن يتولى اتخاذ قرار بمفرده خصوصا فيما يتعلق بالقرارات الكبرى.

لكن بالنظر إلى طبيعة العلاقة الخاصة التي تربط رئيسي مع المرشد وهو الطرف الأهم في صنع القرار ومع الحرس الثوري وهو الطرف الثاني المهم وكذلك علاقاته مع الجهات الأخرى ذات العلاقة مثل مجلس الأمن القومي ومجلس خبراء القيادة ومجلس صيانة الدستور ومجلس تشخيص مصلحة النظام فيمكن للرئيس أن يقود القرار بالتغيير المطلوب في إيران ونقلها إلى مرحلة جديدة تبدأ بإحياء الاتفاق النووي.

الرئيس الإيراني الجديد عليه حمل ثقيل جدا من الواجبات التي يجب تنفيذها للخروج بإيران من الحال الذي تعيشه إلى حال أفضل حسبما وعد في المناظرات مع منافسيه.

وإذا أخذنا أقواله في المناظرة مع منافسيه مؤشرا على مواقفه المستقبلية فقد يكون جادا في وعوده بمحاربة الفساد، ودعم الاتفاق النووي مع الغرب باعتباره اتفاقية دولية.

على الرئيس الجديد أن يواجه مشكلات إيران من خلال مقاربات جديدة مختلفة وقرارات حاسمة وكفاح متواصل.

أخطر المشكلات وأكبر التحديات التي تعاني منها إيران هي الاقتصاد الذي يقف على شفير الانهيار بسبب العقوبات والفساد والإنفاق المالي الكبير على التدخلات في دول الجوار. فلم يحدث أن كانت العملة الإيرانية في مثل هذا التدهور الذي هي عليه الآن.

ولم يحدث من قبل أن ارتفعت نسبة البطالة إلى هذه الدرجة وكذلك مستويات الفقر وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع نسبة التضخم لتلامس الأربعين في المئة.

ربما صدّق الذين انتخبوا رئيسي وعوده في المناظرات بتوزيع المال نقدا على المواطنين وربما إنهم يتوقعون حل المشكلة الاقتصادية بعصا سحرية لكن خيبة أملهم ستكون كبيرة جدا عند معرفة الواقع.

المشكلة الكبرى الثانية التي على الرئيس الجديد التعامل معها هي العلاقات مع العالم الغربي وعليه أولا أن يجد طريقة لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة لأن هذا هو الباب الوحيد الذي سيساعده على حل المشكلة الاقتصادية.

تحسين علاقات إيران الخارجية يعني تحسين مستوى المعيشة للشعب الإيراني من خلال رفع العقوبات واستعادة الأرصدة المجمدة وعودة الاستثمارات والتوسع في تصدير النفط وهذه كلها عوامل إنعاش اقتصادي.

وفي سياق تحسين علاقات إيران مع دول الجوار عليها أن تسعى جادة إلى حل مشكلة اليمن والخروج من هذا البلد والتوقف عن التدخل فيه وفي غيره من البلاد العربية المجاورة.

ومن هنا على الرئيس الجديد مواصلة الجهود في استئناف التواصل مع الرياض واستكمال جهود المصالحة والتطبيع فهذا هو السبيل الوحيد لتخليص إيران من ورطة اليمن.

أما جائحة كورونا فقد شكلت تحديا كبيرا بارتفاع أرقام الإصابات والوفيات الناجمة عنها ولذلك فإن إيران بحاجة إلى عمل جاد وحاسم لوقف انتشار المرض والسيطرة عليه.

كان القمع الدموي الذي قام به الحرس الثوري لانتفاضة نوفمبر ألفين وتسعة عشر قد أحدث فجوة في الثقة بين الشعب والحكومة، ويحتاج الرئيس الجديد لاتخاذ الكثير من الخطوات العملية التي تساعده على استعادة الثقة المفقودة.

لكن الإدارة الجديدة لن تستطيع استعادة ثقة المواطنين إلا إذا حققت إنجازات ملموسة على صعيد تحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص عمل للشباب ووقف تدهور الاقتصاد الوطني. والأولوية يجب أن تكون توفير مزيد من الحريات وتخفيف القيود على نشاط المعارضة ووقف ملاحقة رموزها وإطلاق سراح سجناء الرأي.

أما الأمر الأكثر أهمية الذي ينتظره العالم من الإدارة الجديدة في إيران فهو الموقف من الاتفاق النووي مع القوى الغربية.

قد يرى البعض أن وقوع السلطة بيد الأصوليين قد يعطل الوصول إلى اتفاق وذلك استنادا إلى مواقف التيار المحافظ من الغرب عموما ومن الاتفاق على وجه الخصوص لكن الواقع قد يكون مختلفا.

ومع أن المفاوضات طالت إلا أن التأخير قد يكون مقصودا لأجل أن يتم إبرام الاتفاق مع إدارة جديدة قوية وحازمة تستطيع أن تسكت أي معارضة داخلية.

فالاتفاق مع إدارة قوية مسيطرة على المعارضة أفضل بكثير من الاتفاق مع إدارة ضعيفة مترددة لا يمكنها الالتزام بسبب وجود معارضة قوية.

ستكون حكومة إبراهيم رئيسي متحررا من أي انقسامات داخلية خاصة وأن المرشد وهو الداعم الرئيسي للرئيس الجديد قد أعرب عن دعمه لجهود إحياء الاتفاق.

وحتى الرئيس الأمريكي جو بايدن قد يكون راغبا في أن يكون إحياء الاتفاق مع رئيس قوي وحازم ومسيطر على الأوضاع الداخلية ويحظى بدعم المرشد والحرس والبرلمان وبالتالي يمكن الوثوق بالتعامل معه.

والرئيس رئيسي نفسه قد ينجح لأنه لن يكون قلقا من أي معارضة داخلية ولا يخشى من أحد يعيق قراراته؛ أي أنه سيفاوض الغرب من موقع داخلي قوي.

ويبقى على ما يبدو مهمة أخرى غير معلنة للرئيس الجديد تتعلق بخلافة خامنئي؛ فمن المتوقع أن خامنئي يرغب في أن يخلفه نجله مجتبى في منصب المرشد.

لكن الأمر قد لا يكون بهذه السهولة، لذلك قد يكون هناك اتفاق خفي بأن يتولى رئيسي منصب المرشد في حال وفاة الخامنئي على أن يدعم انتخاب مجتبى لمنصب الرئيس.

وبعد ذلك في الوقت المناسب يتولى مجتبى منصب المرشد بعد أن يكون قد اختبر تجربة القيادة عبر منصب الرئيس.

يتولى الرئيس الجديد سلطاته في أوائل شهر أغسطس المقبل وقد لا تتضح أي ملامح لأسلوب رئاسته قبل ذلك الموعد وعليه أن يجتهد كثيرا في اختيار أعضاء حكومته لأجل النجاح في تحقيق أهدافه.