انقسام المشهد السياسي في إيران

ارتفعت حرارة التوتر الداخلي في إيران منذ قرارات مجلس صيانة الدستور الذي حكم باستبعاد مجموعة من الراغبين بالترشح لمنصب الرئيس الإيراني الذين كانوا قد أبدوا رغبتهم ونيتهم إصلاح حال إيران والتخلص من نفوذ بعض الجهات التي تخنق البلاد بتوجيهاتها الدوغماتية وأفكارها المتشددة وتدخلاتها التي في غير محلها.

ففي خطوة لم تعجب مجلس صيانة الدستور لكنها كانت تحمل في تفاصيلها جرأة غير معهودة أرسل الرئيس حسن روحاني إلى المجلس كتابا يسمى حسب العرف الإيراني “تحذيرا دستوريا” يبلغه ويذكره أنه هو أي الرئيس روحاني صاحب الولاية على الإجراءات التي تخص الإدارة العامة للبلاد.

ويتعلق هذا الإنذار الدستوري أو التحذير باستبعاد مرشحي الرئاسة الذين استبعدوا لأسباب غير مقنعة.

بموجب المادة 113 من القانون الدستوري الإيراني يعد رئيس الجمهورية المسؤول الأول عن إدارة الانتخابات أي أن روحاني فعليا انتقد إدارة المرشد مذكرا بأن هذه المادة في الدستور الإيراني تضع المسؤولية الكاملة بشأن الانتخابات على الرئيس الإيراني أي أن رئيس الجمهورية وحده المسؤول عن إدارة الانتخابات وغيرها من الشؤون العامة في كل النطاقات التي ليست من مسؤولية المرشد المباشرة دستوريا.

من المؤكد أن النتيجة الحتمية للانتخابات في ظل قرار مجلس صيانة الدستور ستكون فوز إبراهيم رئيسي بكرسي الرئاسة.

فنتائج الانتخابات باتت محسومة ولا يوجد أي غموض فيما يتعلق من سيفوز؛ وبذا يصبح تحكم التيار المحافظ كاملا بجميع مفاصل الدولة، وعندها ستكون خسارة إيران كبيرة جراء سيطرة المتشددين على الرئاسة.

أما المشاركة الشعبية في الانتخابات ونسبة الإقبال على التصويت فإنها مرشحة لمزيد من الهبوط، فقد أشارت بعض استطلاعات الرأي إلى أنها ستنخفض بسبب قرار مجلس صيانة الدستور باستبعاد عدد من المرشحين الذين لهم أنصار في الأوساط السياسية والشعبية والإعلامية.  فقد أشار الاستطلاع الأخير إلى أن 37 في المئة من الذين استطلعت آراؤهم قد لا يصوتون في يوم الاقتراع.

ورأى كثيرون خصوصا من التيار الإصلاحي أنه بعد استبعاد لاريجاني ونجاد فإن الانتخابات الرئاسية القادمة ستكون أشبه بالتعيين من قبل المرشد.

ومثلما يرى الإصلاحيون وكذلك غيرهم فإن قرار الاستبعاد كان يقصد منه تمهيد الطريق لفوز السهل للمرشح المتشدد إبراهيم رئيسي فالذين تم استبعادهم كانوا سيشكلون سدا قويا في وجه رئيسي.

وفي خطاب يوم الخميس الماضي شدد المرشد على دعم وتأييد قرار مجلس صيانة الدستور باستبعاد بعض المرشحين.

وكأنه يريد القول انه يدعم مرشحا بعينه والمقصود إبراهيم رئيسي، وبرغم قسوة قرار مجلس صيانة الدستور لم يتم الاعتراض عليه قضائيا من قبل الذين تم استبعادهم؛ وهؤلاء لا يزالون يجهلون بالضبط ما هي الأسباب الحقيقية التي استند إليها المجلس في قرار الاستبعاد.

لكن أحد أعضاء البرلمان الإيراني عن التيار المحافظ تحدث عن أمر يبدو غريبا كان سببا في استبعاد عليّ لاريجاني، فقد قال هذا العضو إن لاريجاني خرق قرارا للمجلس الأعلى للأمن القومي في إيران ينص على حظر الترشح على كل مسؤول يسمح بسفر أحد أقاربه من الدرجة الأولى إلى بلد معادٍ أو الإقامة فيه.

وأضاف هذا العضو أن المجلس علم أن ابنة لاريجاني تقيم في بريطانيا وتحمل جنسيتها وهذا خرق لقرار المجلس الأعلى يبرر حرمان لاريجاني من الترشح، إلا أن شقيق لاريجاني وهو عضو في مجلس صيانة الدستور نفى ذلك بعد الاستفسار من وزارة الاستخبارات لكن القرار كان قد اتخذ وكان من الصعب التراجع عنه.

أما محمود احمدي نجاد فلم يهدأ منذ إعلان رفض ترشيحه وواصل انتقاد المجلس والنظام إلى درجة أن الحرس الثوري طلب منه أن يصمت ويكف عن الانتقاد والمطالبة بتغيير النظام. وقد كانت انتقاداته مثيرة للانتباه، فهو يواصل انتقاد جهود الحكومة في التفاوض حول الاتفاق النووي مع الغرب ويعتبره حالة استسلام وكأنه يريد القول أنه لو بقي مرشحا وصار رئيسا فسيكون له تصرف آخر مع الاتفاق، فهو ينتقد أداء الرئيس روحاني وينتقد تفاؤله.

صدى تصريحات نجاد رددتها إحدى صحف طهران عندما قالت إن على إيران أن لا تستعجل التفاوض واتهمت روحاني بان تصريحاته المتفائلة في غير محلها وأنه يقصد بها إحراج الرئيس الذي سيأتي من بعده لأن المفاوضات ستنهار.

لكن الرئيس روحاني دافع عن نفسه بالقول في حديث تلفزيوني إن كل خطوة متعلقة بالحوار مع الغرب والتفاوض من الولايات المتحدة هي نتيجة تعليمات المرشد خامنئي أو بتأييد منه أو مباركته المباشرة.

وكان رد روحاني على انتقادات نجاد للتفاوض قوله إنه خلال رئاسة نجاد وإدارة سعيد جليلي للمفاوضات كانت كل جولة تنتهي بمزيد من العقوبات على إيران يفرضها مجلس الأمن.

ومع كل التفاؤل الذي تحمله تصريحات روحاني عن المفاوضات النووية وكل الانتقادات التي توجهها الصحف لهذا التفاؤل فإن التلفزيون الإيراني الرسمي الذي يسيطر عليه المحافظون قال في تعليق له على المفاوضات إن الحكومة القادمة يجب أن لا تنسحب من المفاوضات برغم أن الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات عن إيران.

وكأنه يريد القول إن الرئيس القادم وإن كان من التيار المحافظ فانه لن يتخلى عن الاتفاق النووي على خلاف ما تقوله تعليقات بعض الصحف التابعة لذلك التيار التي تنتقد التفاوض وتلمح إلى عدم حاجة إيران إلى الاتفاق؛ وفي هذا رسالة خفية إلى الغرب تتعلق بسياسة الحكومة القادمة التي ستخلف حكومة روحاني.

لقد بقي الكثير لعمله في فترة زمنية قصيرة جدا، فالرئيس حسن روحاني سيسلم السلطة بعد الانتخابات بشهرين أي في شهر أغسطس القادم ومن المستبعد أن يتم التوصل إلى اتفاق مرضي مع الغرب خلال هذه المدة القصيرة حيث لا توجد إشارات واضحة لذلك، كما أن الرئيس روحاني بعد خروج مرشحي تياره الإصلاحي بات يفقد حماسه للوصول إلى اتفاق سريع وسيترك الأمر للرئيس القادم ليتحمل مسؤولياته.