هل يكمل الحرس الثوري هيمنته على إيران في انتخابات الرئاسة القادمة؟

حتى منتصف شهر يونيو القادم سيكون أمام الرئيس الإيراني حسن روحاني القليل من الفرص لتحقيق أي إنجاز بارز وواضح بشأن الاتفاق النووي.

فإن استطاع ذلك ففي هذا دعم لمعسكر المعتدلين أما إن فشل فإن فوز المحافظين في انتخابات الرئاسة القادمة يبدو مؤكدا.

وبينما يزدحم سباق الرئاسة بالمرشحين من معسكر المحافظين المرتبطين بالمرشد، يحاول الحرس الثوري أن يظهر بمظهر المحايد الذي يقف على مسافة واحدة من الجميع بعيدا عن حساسية الانتخابات.

وصدر عن المتحدث باسم الحرس رمضان شريف تصريح حاول فيه إبعاد أي شبهة بالتدخل مؤكدا أنه لا يؤيد أي مرشح ولن يعمل ضد أي مرشح؛ لكن هذا التصريح مخالف لواقع الحال وما يقوم به الحرس فيما يتعلق بانتخابات الرئاسة.

تصريح المتحدث باسم الحرس كان مقصودا بالعميد سعيد محمد القائد السابق لشركة خاتم الأنبياء للمقاولات التي تتبع الحرس الثوري والذي استقال من منصبه للترشح للانتخابات.

لكن الجنرال يد الله جواني المساعد السياسي لقائد الحرس قال إن سعيد محمد أقيل من منصبة نتيجة مخالفات وتجاوزات قانونية ارتكبها ولم يخرج طوعا.

تحاول المؤسسة العسكرية تكريس دورها ووجودها في الحلقات العليا الحاكمة وهذا واضح من خلال فوز العديد من المرتبطين بالحرس الثوري بعضوية البرلمان في الانتخابات العامة الأخيرة.

ترشح العسكريين السابقين للمناصب السياسية يشير إلى فراغ سياسي وينم عن افتقار البلاد لشخصيات وازنة وقادرة على حمل المسؤولية، فالشخصيات السياسية الإيرانية التقليدية وخصوصا المؤيدة للتيار الإصلاحي باتت تنأى بنفسها عن الانخراط في العمل السياسي المباشر حتى لا تتحمل مسؤولية المزيد من الانهيار في بنيان الدولة.

وبعيدا عن تصريحات المتحدث باسمه فإن الحماسة المتزايدة للحرس بخصوص الانتخابات الرئاسية تثير شبهات عديدة بأن مرشحا محافظا ومتشددا من الحرس أو من المعسكر المحسوب عليه سيخلف الرئيس حسن روحاني.

تتمثل حماسة الحرس تجاه انتخابات الرئاسة في العدد الكبير من قادته السابقين والحاليين وكذلك المحسوبين عليه في إبداء رغبتهم بالترشح وبعضهم ترشح بالفعل وبدا حملته الانتخابية.

فالحرس الثوري يحرص دوما على إيصال رجاله إلى مناصب سياسية لكي يحظى بكل السلطات ويكمل هيمنته على جميع مفاصل الدولة.

وهذه المرة فإن شهية الحرس الثوري لمنصب الرئيس تفوق كل المرات السابقة، فالحرس غير متحمس للعودة إلى الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة لأنه يخشى أن يكون في الاتفاق الجديد أو أي تعديل علية تقييد وتحديد لمسائل أمنية عسكرية مثل تعطيل برنامج الصواريخ البالستية مثلا أو تقييد لنفوذ إيران في الخارج؛ فلماذا يهتم الحرس الثوري بالانتخابات؟

هناك العديد من الأسباب التي تدعو الحرس للاهتمام بالانتخابات ودفع عدد من قادته للانتخابات لعل أحدهم يفوز فيطبق الحرس نفوذه على مؤسسة الرئاسة ويستكمل حلقات سيطرته على جميع شؤون الدولة.

فالقادة الكبار في الحرس الثوري حسب ما يرى المختصون بالشأن الإيراني قريبون جدا من أبرز ثلاثة مرشحين وإن لم يقدموا لهم الدعم بصورة واضحة ومباشرة وهؤلاء هم حسين دهقان القائد السابق لسلاح الجو والمستشار العسكري الحالي للمرشد وهو الوحيد الذي سجل رسميا منذ نوفمبر الماضي، ومحمد باقر قاليباف رئيس البرلمان ومحسن رضائي سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام وأحد قادة الحرس في التسعينات.

وأي كان الذي سيفوز من هؤلاء الثلاثة فإنه يعني تعزيز نفوذ الحرس الثوري ودعم هيمنته على مؤسسة الرئاسة، فانغماس الحرس الثوري في السياسة ناجم عن خشيته من قيام السياسيين عموما وليس فقط من التيار الإصلاحي بتحجيم سلطته ومنازعته نفوذه.

فقدرة الحرس الاقتصادية والصناعية في تزايد وسيطرته على الشؤون الداخلية تقريبا كاملة وقدراته العسكرية تضاعفت في السنوات الأخيرة ولم يبق خارج سلطته المباشرة إلا مؤسسة الرئاسة.

في جميع الأحوال فكل المرشحين هم من داخل النظام فلا يستطيع أحد أن يطرح نفسه مرشحا ما لم يحظ بموافقة المرشد.

لكن الذي ينافس هؤلاء بصورة جدية هو العميد سعيد محمد قائد مركز خاتم الأنبياء للمقاولات التابع للحرس ثم برويز فتاح رئيس مؤسسة المستضعفين في الأرض وهي تابعة بصورة أو بأخرى للحرس الثوري.

وفي حال ترشح هؤلاء فإنه من المرجح أن يدعم الحرس الثوري إما الجنرال دهقان أو رئيس البرلمان، ومع أن سعيد محمد يبدو صاحب حظ كبير في الفوز إلا أن الخلافات التي أثارها خروجه من منصبه قد لا تخدم مسعاه نحو الرئاسة.

وبعد أن استقال أو أقيل من مركز خاتم الأنبياء للمقاولات التابع للحرس سرت أنباء أن قائد الحرس الثوري عينه مستشارا وهذا يدل على دعمه ويتيح له التفكير ليس فقط بالترشح بل بالفوز أيضا.

ويستند سعيد محمد الذي هو في أوائل الخمسينات من العمر إلى معايير المرشد للرئيس المقبل فالمرشد يريد رئيسا شابا وملتزما بالثورة وهو ما ينطبق على سعيد محمد وهذا ما قد يكسبه دعما مباشرا من المرشد وبالتالي يحقق حلمه بالرئاسة.

أما الجنرال حسين دهقان فيبدو واثقا من دعم المرشد إذ يملك خبرة قيادية وعسكرية وسياسية قد ترضي الحرس الثوري فيدعمه.

وفي حال فوز دهقان فإنه سيعمل على تعزيز الوجود الإيراني العسكري في الخارج من خلال تدعيم فيلق القدس كما سيؤدي إلى ما يمكن تسميته بعسكرة العلاقات الخارجية وهذا سيخلق المزيد من التوترات بين إيران والعالم.

يرى وزير الخارجية الإصلاحي محمد جواد ظريف أن فوز مرشح من المحافظين سيضعف فرص الوصول إلى صفقة عادلة بشأن الملف النووي فالتصعيد الذي يحرض عليه المحافظون لن يخدم مصلحة إيران.

وبطبيعة الحال فإن التيار المحافظ لا يعجبه أن يفوز مرشح من التيار الإصلاحي، ولخوفهم من ترشح ظريف وفوزه فقد عمل البرلمان على تعديل دستوري يشترط في المرشح للرئاسة أن لا يحمل جنسية مزدوجة أو إقامة دائمة في دولة أجنبية وهذا التعديل كان موجها مباشرة ضد ظريف الذي يحمل إقامة دائمة في دولة أجنبية وإن كان ينفي ذلك.

وصول العسكر إلى الرئاسة وإحكام سيطرتهم على منصب المرشد في حال تولى ذلك المنصب أحد المحسوبين على الحرس الثوري بالإضافة إلى سيطرتهم على البرلمان فهذا معناه أن الحرس الثوري قد أكمل وضع اليد على إيران ومن هنا قد تتغير علاقة السلطة بالشعب وكذلك علاقات إيران الإقليمية والدولية.

وفي حال فشل أي مرشح للحرس من الوصول إلى الرئاسة وذهبت إلى التيار الإصلاحي بالرغم من أن هذا مستبعد فإن صراعا بين الحرس والحكومة سيصبح مكشوفا وواضحا ويخلق حساسيات بين مختلف السلطات وهذا لن يكون في مصلحة أي منها؛ وفي جميع الأحوال فإن النتائج هي التي ستعطي الصورة الحقيقية لمدى نفوذ الحرس الثوري في إيران.