خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2”.. سلاح ابتزاز ضدّ أوروبا

يحدَّد حالياً أهم عنصر لأمن الطاقة في أوروبا وربما لأمن القارة كلها، إذ أصبح خط أنابيب الغاز الروسي “نورد ستريم 2” متصلًا بالإنترنت تقريبًا، وسيشكّل لروسيا بشكل أساسي سلاح ابتزاز ضدّ أوروبا ولا سيّما ضدّ ألمانيا. تحاول الولايات المتحدة وقف المشروع بفرض عقوبات عليها لأنها تخشى أن تسيطر روسيا بحكم الأمر الواقع على أوروبا من دون أن تتمكن منظمة حلف شمال الأطلسي من مواجهة موسكو.

في حزيران/ يونيو 2015، توصّل ائتلاف بقيادة الشركة العملاقةالروسية للطاقة “غازبروم”، بما في ذلك “رويال داتش شل” و “أيأون” و”أو إم في” و”باسف” و”إنجي”، إلى بناء خط أنابيب الغاز”نورد ستريم 2″ بقيمة 11 مليار دولار. في وقت مبكر من عام 2016، اعترضت 8 حكومات في الاتحاد الأوروبي، وهي جمهورية التشيك وإستونيا والمجر ولاتفيا وليتوانيا وبولندا وسلوفاكيا ورومانيا، على المشروع، محذرة من أنه قد يؤدي إلى “عواقب جيوسياسية مزعزعة للاستقرار”. في تشرين الأول/أكتوبر 2020، فرضت بولندا غرامة على شركة “غازبروم” 7.6 مليار دولار لبناء “نورد ستريم 2” من دون موافقة وارسو.

تتجّه 80٪ من صادرات روسيا من الغاز إلى أوروبا، ولفهم أهمية مشروع “نورد ستريم 2” بالنسبة إلى روسيا، ثمّة حقيقة واحدة فقط: ينتقل الغاز الطبيعي الروسي حاليًا عبر خطوط الأنابيب التي تعبر أراضي بولندا وسلوفاكيا، ما يعني أنه إذا كانت روسيا تريد قطع الغاز الطبيعي عن أوروبا الشرقية، فسيتعيّن عليها التضحية بمبيعاتها المربحة للغرب للقيام بذلك. وبمجرد اكتمال “نورد ستريم 2″، ستتمكن روسيا من تجاوز أوروبا الشرقية وإرسال الغاز الطبيعي إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، الأمر الذي سيترك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حرًا في تهديد كافة دول أوروبا الشرقية.

اقترحت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة، على أوروبا تقليل اعتمادها على الغاز الروسي من خلال شراء الغاز الطبيعي الأمريكي. تمتلك المعارضة السياسية الأمريكية لـ”خط أنابيب بوتين” خمسة دوافع وهي: معاقبة روسيا على عملياتها في شرق أوكرانيا (والاستيلاء على شبه جزيرة القرم)، ومعاقبة روسيا على حملتها المزعومة للقتل خارج نطاق القانون لشخصيات المعارضة بما في ذلك أندريه نافالني، وتجنب ابتزاز الطاقة على أوروبا، ومنع روسيا من الاستيلاء على القارة بشكل سلمي أو عنيف، وأخيراً وليس آخراً، حماية مصالح شركات التكسير الهيدروليكي الأمريكية. وفي ضوء هذا الأمر، لا ينبغي أن يكون مفاجئًا أن ثمة جهد من الحزبين في الكونغرس الأمريكي لوقف “نورد ستريم 2” بأي ثمن ليصبح جاهزًا للعمل. وللدلالة على ذلك، فرضت عقوبات إضافية صارمة في نهاية عام 2020 واستهدفت تحديدًا الشركات ومعظمها أوروبية تعمل في “نورد ستريم 2”. وعلى سبيل المثال، لقد انسحبت مجموعة “زيورخ” للتأمين من المشروع لتجنب العقوبات الأمريكية. ويتوقع أن تحذو حذوها العديد من الشركات الغربية.

ثمة دولة واحدة لا تتعامل مع هذا الإهمال، وهي ألمانيا العظيمة. وللدلالة على ذلك، أنشأت ولاية “مكلنبورغ- فوربومرن” الألمانية مؤسسة برئاسة رئيس الوزراء السابق والعضو السابق في البرلمان الأوروبي إروين سيلينج. المؤسسة مدعومة بـ20 مليون يورو من الأموال الروسية وهدفها الوحيد هو تجاوز العقوبات الأمريكية ضد استكمال خط أنابيب “نورد ستريم 2” المثير للجدل. وفي الواقع، سيكون من الأصعب جداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة استهداف مؤسسة مدعومة من الدولة بإجراءات مثل تجميد الأموال، من الشركات الخاصة لأنها لا تهتم بالنشاط التجاري خارج خط أنابيب “نورد ستريم 2”.

كما أنه ليس من قبيل الصدفة أن المستشار الألماني السابق شرودر هو رئيس مجلس إدارة شركة خطوط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2”.

لطالما دافعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن قرارها بالمضي قدمًا في مشروع “نورد ستريم 2″، متمسكة بموقفها بأن السياسة والعمل يجب أن يظلا منفصلين. فهي ليست وحدها، إذ قال خليفها المحتمل كمستشار لألمانيا أرمين لاشيت، إن ألمانيا لا ينبغي أن تتخلى عن دعمها لخط أنابيب “نورد ستريم 2” المخطط له بسبب حملة القمع ضد المعارض الروسي أليكسي نافالني، لأن “الوعظ الأخلاقي الجيد” ليس سياسة خارجية، ولدى سؤاله مباشرة عما إذا كان يتعيّن على ألمانيا تغيير مسارها والتخلي عن “نورد ستريم “2، أجاب لاشيت: “لمدة 50 عامًا، وحتى في الأوقات العصيبة للحرب الباردة، اشترت ألمانيا الغاز من الاتحاد السوفياتي والآن من روسيا. لذا تتبع الحكومة الألمانية المسار الصحيح”. ومن المثير للاهتمام أن ألمانيا حذرت من أن روسيا قد تواجه المزيد من عقوبات الاتحاد الأوروبي بسبب سجن المعارض أليكسي نافالني، لكنها أكدت مرة أخرى أن خط أنابيب “نورد ستريم 2” مع روسيا لا يمكن المساس به.

يؤدي هذا الالتزام الكبير تجاه “نورد ستريم “2 إلى ذبذبات حتى داخل صفوف حزب ميركل إذ طالب البعض بإلغاء مباشر لمشروع خط الأنابيب، ومن الواضح أيضًا أنّ حزب البيئة الألماني أي حزب الخضر، وهو الشريك الائتلافي المحتمل لحزب ميركل ولاشيت وحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الشقيق البافاري، بعد انتخابات أيلول/سبتمبر، كانوا صريحين جدًا في التعبير عن معارضتهم لخط الأنابيب بعد قضية نافالني. أما على الساحة الأوروبية، فحثّت الدولة العظمة الأخرى في الاتحاد الأوروبي أي فرنسا، ألمانيا على إلغاء “نورد ستريم 2” احتجاجًا على احتجاز المعارض أليكسي نافالني في موسكو. لم تخفِ فرنسا أي أسرار، كانت لديها دائمًا شكوك كبيرة بشأن هذا المشروع. وعلاوة على ذلك، يعارض البرلمان الأوروبي المشروع أيضًا.

وفي حين الانتهاء من  94 ٪ من “نورد ستريم 2” يُشكك في إلغائه، الا ان الولايات المتحدة الولايات المتحدة لن تستسلم من دون معركة ضخمة. دفع احتمال استيلاء روسيا على أوروبا الغربية إدارة بايدن إلى التراجع عن قرار ترامب بسحب نصف القوات الأمريكية المتمركزة في ألمانيا. حتى السويد أدركت أنها لا تستطيع استبعاد احتمال غزو روسي وهي تتخذ الاحتياطات، إذ قال وزير الدفاع السويدي: “لدينا وضع معين يستعد فيه الجانب الروسي لاستخدام الوسائل العسكرية لتحقيق أهداف سياسية، وبناءً على ذلك، لدينا وضع أمني جيوسياسي جديد للتعامل معه، و”نورد ستريم 2″ هو حصان طروادة”.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن.