أخبار الآن | عمان – الأردن 

اختلفت القمة الثلاثية لقادة الأردن ومصر والعراق التي عقدت في العاصمة الأردنية الأسبوع الماضي عن القمم السابقة بإشارتها في بيانها الختامي إلى جعلها مؤسسة عبر إقامة سكرتارية دائمة تتابع تنفيذ قراراتها.

اهم ما ناقشته القمة هو ما لم يدرج في البيان الختامي ولم يرد نصا صريحا فيه وهو التنسيق العميق بين الدول الثلاث عبر أفضل السبل والآليات لترجمة العلاقات الاستراتيجية على ارض الواقع. وهذا التنسيق الاستراتيجي عبر عنه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في لقاء مع الواشنطن بوست موضحا رؤيته لمنطقة المشرق العربي التي عادة ما تعرف باسم الهلال الخصيب عندما قال انه يسعى لتشكيل “الشام الجديد” New Levant.

فلماذا تنسق الأردن ومصر والعراق؟ هل يتغير الشرق الأوسط مع مشروع الشام الجديد؟ هل يمكن أن يكون هذا المشروع شبيها بالاتحاد الأوروبي؟ هل سيؤسس لمواجهة مشروعات إيران وتركيا؟ فالأحداث متسارعة والظروف الاستثنائية والتدخل من بعض الأطراف الخارجية تستدعي التنسيق الوثيق والعمل المشترك.

وإذا كانت تلك الظروف مزمنة في المنطقة فان من المستجدات التي ربما كانت أخطر من ذلك هي ما نبه إليه العاهل الأردني بشأن الأمن الغذائي الذي سيكون تحديا أساسيا وكبيرا في العام القادم وهذا ما يتطلب تفكيرا غير تقليدي.

من المؤكد أن التجارب العربية السابقة كانت في أذهان القادة مثل مجلس الوحدة الاقتصادية العربية الذي لم يحقق شيئا لغياب الإرادة السياسة لإنجاحه والسوق العربية المشتركة التي بقيت مجرد خطط ومشروعات على الورق. وكذلك تجربة مجلس التعاون العربي التي ضمت الأردن ومصر والعراق واليمن وكان يجب أن تضم سوريا أيضا فلا يمكن تصور تجمعا لأهم دول المشرق ولا تكون فيه سوريا.

لذلك فهذه المرة يسعى القادة الثلاثة لجلب سوريا إلى مجموعتهم. ولان رئيس الوزراء العراقي هو صاحب الفكرة فقد كان هو من أرسل مندوبا إلى دمشق لينقل إلى القيادة السورية نتائج القمة وأفكارها. وهذا معناه أن سوريا موضع ترحيب في هذا التجمع الجديد ولم يبق إلا موافقتها على ذلك.

تجمع الدول الثلاث سينقل الشرق الأوسط إلى مرحلة جديدة خصوصا فيما يتعلق بعلاقات هذه الدول مع القوى الإقليمية في المنطقة. ففي العراق هيمنة إيرانية وفي سوريا ارتماء في أحضان إيران وما سعت إليه في الماضي مصر والأردن تسعيان إليه الآن أيضا وهو محاولة فك الارتباط ما بين العراق وسوريا من جهة وإيران من جهة أخرى.

تنظر دول المشرق العربي إلى التدخلات الإيرانية في شؤونها بريبة وشك. وهذه التدخلات تفرض على دول المشرق إعادة النظر جديا في مواقفها وتحركاتها لحماية أنفسها وشعوبها. وبالطبع لا تسعى دول المشرق إلى مواجهة عسكرية مع إيران بل تعمل على احتواء خطرها وترويض أطماعها من خلال تعاون جدي يمكن له أن يجذب كلا من العراق وسوريا بعيدا عن النفوذ الإيراني ويعيدهما إلى محيطهما العربي.

ليس من مصلحة العمق العربي الاستراتيجي أن تترك سوريا والعراق مسرحا للنفوذ الإيراني. وقد كان سقوط نظام صدام حسين بوابة إيران لدخول العراق. وقد جلب الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003 سلطة موالية تماما لإيران وعمل نوري المالكي على تسهيل التحكم الإيراني في العراق وتحويله إلى تابع سهل لسياسات طهران. وشكل ضعف النظام السياسي العراقي سببا إضافيا في تسهيل تعزيز النفوذ الإيراني. فالنظام السياسي في العراق غير مستقر والجهاز العسكري يفتقر التأهيل المناسب وكذلك الجهاز الأمني. وإذا كان الاحتلال قد فتح الباب للنفوذ الإيراني في العراق فإن الانسحاب الأميركي في العام 2011 قد رسخ ذلك النفوذ وجعل له جذورا قوية.

أما سوريا فقد ارتبطت منذ أربعين عاما بنظام الملالي في إيران وأقيم تحالف استراتيجي واتفاقيات دفاعية بينهما. وما لم يتشكل نظام سوري جديد يكون أكثر قربا إلى المحيط العربي يسهم في عودة سوريا إلى الحضن العربي ويخفض اعتمادها على إيران فيمكن لمصر والأردن والعراق أن يقنعوا سوريا بان مصلحتها مع الجانب العربي.

من الواضح أن هناك طموحات كبيرة قد يتم تجسيدها على ارض الواقع وستكون هناك بالتأكيد تفصيلات كثيرة للتنسيق الثلاثي بعضها تجاري وبعضها صناعي وبعضها سياسي لكن اغلبها التنسيق الأمني الذي سيكون له الأولوية من خلال تبادل المعلومات والخبرات حول أفضل السبل لمواجهة التطرف والإرهاب إذ اكتسبت هذه الدول خبرات مهمة في هذا المجال. وسيكون هذا التنسيق خطوة أولى وأساسية لتهيئة الأجواء لإنجاح هذا التحالف حيث تشكل كل دولة من الدول الثلاث الأردن ومصر والعراق عمقا استراتيجيا للأخرى وسندا قويا لها.

كذلك فإن من أهم المشروعات الممكنة مد خط أنابيب للنفط العراقي من منطقة البصرة إلى ميناء العقبة ومنها إلى مصر ومن ثم الأسواق الأوروبية. هذا الخط في حال إتمامه يعني تفادي المرور في مضيق هرمز حيث يمكن لإيران أن تتحكم به وتهدد أمن الناقلات العابرة له، وكذلك يتفادى مضيق باب المندب حيث ميليشيات الحوثي في اليمن يمكن لها أن تهدد الناقلات هناك أيضا وبهذا يتم تفريغ تهديدات إيران من مضمونها.

كما سيكون هذا التجمع فرصة لتحقيق إنتاج صناعي مشترك يخفض التكاليف ويوسع الأسواق ويفتح أفاق تعاون مثمر. كما توجد خطط للربط الكهربائي بين هذه الدول الأمر الذي سيقلل كلفتها ويوسع انتشارها.

يبلغ حجم الناتج القومي الإجمالي لدول التجمع الثلاث أكثر من ستمئة مليار دولار وإجمالي عدد سكانه مئة وخمسين مليون نسمة.  وستكون المشروعات الكبرى المشتركة من العوامل التي ستٌبقي هذا التجمع حيا. وعندما تتشابك المصالح وتجتمع الأسباب سيكون هذا التجمع قوة إقليمية يحسب لها. ففي هذا التجمع أكبر مورد نفطي في العالم في العراق وفيه من مصادر المياه الوفيرة ما يمكن أن يغير معالم الحياة الزراعية ويحل أزمة الغذاء المتوقعة. وفي مصر الكتلة البشرية الأكبر والقوة العسكرية الضاربة والموقع الاستراتيجي الخطير.

إقامة التكتل المشرقي وفي حال انضمام سوريا إليه وفي مرحلة لاحقة لبنان سيخلق كتلة سياسية اقتصادية وعسكرية قوية يمكنها تحقيق التوازن الاستراتيجي الحقيقي من أجل مجابهة أي أطماع خارجية. لا يتوقع أحد أن تقوم دولة واحدة موحدة من هذه الأقطار مجتمعة لكن التنسيق والتكامل والتعاون إذا رافقته النوايا الطيبة المثابرة والعاملة على مصلحة شعوبها فالنجاح بالتأكيد سيكون حليفها.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن.