أخبار الآن | عمان – الأردن (الفرد عصفور)

الأهداف البعيدة للتدخل الإيراني في سوريا لم تعد خفية. بالإضافة إلى الرغبة في إنقاذ الحليف السوري تسعى إيران لبناء طريق آمن إلى بيروت حيث يتمتع حزب الله اللبناني الذي تدعمه بوجود قوي ونفوذ متنامٍ ومن ثم الوصول بسهولة إلى شواطئ المتوسط وهو هدف لها قديم.

كما تسعى إيران إلى السيطرة على منطقة الحدود العراقية السورية لتسهيل حركتها بين البلدين. أما في الجنوب السوري فتقيم إيران مراكز عسكرية وهي المراكز التي تسعى إسرائيل إلى تدميرها لأنها تشكل تهديدا مباشرا لأمنها كما يقول خبراؤها.

لتعزيز ذلك كله جاءت الاتفاقية الأخيرة التي وقعتها إيران وسوريا في دمشق في الثامن من شهر يوليو الحالي وهي اتفاقية عسكرية أمنية دخلت حيز التنفيذ في يوم توقيعها. وهي اتفاقية تأتي بعد سنوات من التعاون بهدف مكافحة الإرهاب بحسب ما قال البيان الصادر عن البلدين. والى جانب ذلك ستعزز الاتفاقية التنسيق العسكري والتقني في مواجهة التهديدات والتحديات.

أما الجانب غير العسكري من الاتفاقية فيهدف إلى تعزيز فرص الشركات الإيرانية وخصوصا تلك التابعة للحرس الثوري في المشاريع التي ستقام في سوريا وسيكون لها الأولوية أسوة بالشركات الروسية.

ومن قبل توقيع الاتفاقية نشرت إيران الآلاف من رجال الحرس الثوري والميليشيات الموالية لها استقدمتها من أفغانستان وباكستان والعراق برغم مواصلة إيران نفي ذلك لكنها أقرت أكثر من مرة بإرسال خبراء ومستشارين عسكريين لمساعدة الجيش السوري مع التأكيد أن هذا التواجد هو بطلب رسمي من حكومة سوريا ولذلك فإنها تعتبر ذلك تواجدا مشروعا.

ولان المنشآت الإيرانية في سورية هي المستهدفة في الغارات الإسرائيلية فإن الأمر الأساسي والأكثر أهمية في الاتفاقية حسبما نقلت الصحافة عن رئيس الأركان الإيراني هو تطوير نظام الدفاع الجوي السوري الذي يبدو ضعيفا أمام تزايد تلك الغارات على الأهداف الإيرانية في سوريا وهي غارات بدأت منذ العام 2013 ولم تستطع الدفاعات السورية صدها أو منعها. ولذلك فان سوريا بحاجة ماسة لمثل هذا الدعم الذي لم توفره لها الدفاعات الروسية.

من المعروف أن روسيا تملك في قواعدها في سوريا منظومة صواريخ S-400 ذات المدى الواسع لكنها لا تستخدمها لصد الغارات الإسرائيلية. وهذا الموقف الروسي مثير للاهتمام وقد يعني موافقة ضمنية على قصف المراكز والمنشآت الإيرانية في سوريا. كما أن الحليف الروسي على ما يبدو لم يسمح بعد للقوات السورية استخدام منظومة صواريخ S-300 التي زودت بها سوريا وبقيت بإدارة الضباط الروس.

التفسير المنطقي لذلك هو أن روسيا وربما نتيجة اتفاق جنتلمان مع إسرائيل تغمض عينيها على قيام إسرائيل بغارات تستهدف مواقع ومنشآت ومراكز إيرانية في سوريا فيما يمكن تفسيره بانه عدم رضى على الوجود الإيراني في سوريا أو على الأقل عدم رضا على تفاصيل هذا الوجود. ودليل ذلك أن القوات الروسية قامت في يونيو من عام 2019 بطرد ميليشيات موالية لإيران من منطقة ميناء طرطوس.

وفي الوقت نفسه هل يمكن لسوريا وإيران التوقيع على اتفاقية عسكرية بهذا الحجم دون الموافقة الروسية؟ حتى لو كانت روسيا غير راضية مبدئيا فإن إيران لن تستجيب لها مما يعرض موقف روسيا للإحراج ولذلك آثرت روسيا السكوت والسكوت علامة رضى.

أما الولايات المتحدة فإنها تسعى من جهتها لإخراج إيران من سوريا لكنها فشلت في إقناع روسيا بان تفعل ذلك. وتواصل واشنطن محاولاتها الدبلوماسية وتحذر بان الرئيس السوري يقامر بمستقبل نظامه إن هو سمح لإيران أن تؤسس لوجود عسكري دائم في سوريا وخصوصا في المناطق القريبة من الحدود مع إسرائيل. وفي الوقت الذي تغض فيه الولايات المتحدة الطرف عن أعمال إسرائيل العسكرية ضد الأهداف الإيرانية في سوريا فإنها تدعم تلك الأعمال سرا.

القصف الإسرائيلي الذي لم تكن إسرائيل تعترف به كان يستهدف مراكز عسكرية أقامتها إيران في سوريا وكان آخرها في الأسبوع الماضي وأدى إلى وقوع عدد من القتلى وهذا القصف رسالة واضحة بأن إسرائيل غير راضية عن الوجود الإيراني في سوريا وخصوصا إن كان قريبا من حدودها. والوجود الإيراني في هذه المنطقة بالنسبة لإسرائيل خط احمر.

كذلك هددت إسرائيل بانها لن تسمح لإيران بتطوير منظومة الدفاع الجوي السوري. فهذه المنظومة إن تم تفعيلها خصوصا بشبكة صواريخ S-300 أو منظومة خورداد 3 الإيرانية ستشكل خطرا حقيقيا وتهديدا جديا للطيران الإسرائيلي.

لكن الاتفاقية العسكرية بين إيران وسوريا ليست كل شيء فيما يخص النفوذ الإيراني في سوريا. هناك امر أكثر خطورة وقد بدأ السوريون العاديون يلمسونه وهو التغيير الديموغرافي من خلال استيطان إيرانيين في بعض المناطق السورية التي يشتري فيها الإيرانيون العقارات ويشغلونها. الهدف من ذلك هو إيجاد مناطق تتحول مع الوقت إلى جيوب إيرانية. وتشير معلومات إلى أنه تم نقل ملكية حوالي ثمانية آلاف عقار على الأقل خلال السنوات الثلاث الماضية وخصوصا في منطقة دمشق وريفها الغربي. كما يتم تحويل مساجد سنية إلى مزارات ومقامات شيعية وبناء مراكز ثقافية لتعليم اللغة الفارسية في كثير من مناطق سوريا. ولأجل كسب الفقراء والبسطاء تدعم إيران برامج اقتصادية واجتماعية وتوزع مساعدات على المجتمع المحلي المحتاج.

تشكل الاتفاقية محاولة إيرانية لتحدي الضغوط التي تطالب إيران بوقف تدخلها في سوريا وسحب قواتها من هناك. وهي إن كانت تحديا مباشرا للولايات المتحدة وإسرائيل فإنها تشكل تحديا لنفوذ روسيا أيضا. ويؤشر الاتفاق إلى نية إيران البقاء طويلا في سوريا والاحتفاظ بوجود عسكري طويل الأمد برغم الاعتراضات على ذلك من بعض الدول العربية التي لا تريد أن ترى وجودا عسكريا إيرانيا في سوريا.

التحالف السوري الإيراني ليس جديدا وقد تعزز في السابق بوقوف سوريا إلى جانب إيران أثناء الحرب الإيرانية العراقية. وهناك اتفاقية عسكرية سابقة بين البلدين موقعة في العام 2006 واتفاقية تعاون اقتصادي منذ العام 2018.  لكن الاتفاقية الأخيرة قد تكون مختلفة بسبب الظروف المختلفة الآن والتي يمكن أن تؤدي إلى إقامة قواعد عسكرية على الأراضي السورية مما يهدد دول الجوار والأمن الإقليمي. والأخطر أن تعزيز النفوذ الإيراني في سوريا من خلال هذه الاتفاقية سيعزل سوريا عن محيطها العربي ويكرس خطر الهلال الشيعي الذي تم التحذير منه قبل خمسة عشر عاما.

  • تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن

اقرأ المزيد:

مع تزايد معاناة الشعب الإيراني.. هل ينجو النظام من انتفاضة شعبية؟