مبادرة لمساعدة الصحافيين في لبنان.. وجلسات دعم نفسي مجانية

منذ بدء الحرب في قطاع غزة، تحوّلت حياة الصحافيين، عرباً كانوا أم أجانب، إلى ما يشبه الكابوس، وتغيّر واقع وظيفتهم من أجواء اعتيادية لمظاهرات واجتماعات ومؤتمرات، إلى مستنقع لا متناهٍ من الدماء والأشلاء والرعب.

منذ ذلك الحين، لم يعد الميكروفون والكاميرا أو الهاتف، المرافق الوحيد للصحافيين، بل باتت الخوذة ودرع الحماية من ضروريات المهنة، كيف لا وهم متواجدون على الخطوط الأمامية للحرب، أكان في غزة أو الضفة الغربية أو لبنان، أو مصر.

وقد أدّت الحرب إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام، ومع ذلك فإن تداعياتها لا تقتصر على الجروح الجسدية وحسب بل هي أقسى وأعمق من ذلك. وقد تترك أثراً سلبياً على الصحة النفسية لهؤلاء الصحافيين. فكيف أثّرت مشاهدات الحرب على صحافيي الميدان وهل يولون أهمية لصحتهم النفسية؟.

ينقل المراسل الميداني في قناة “سكاي نيوز عربية” سلمان العنداري لـ”أخبار الآن” ما عاشه من مخاطر خلال تغطيته للتصعيد عند الحدود بين لبنان وإسرائيل، وسط الضربات المتبادلة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، مؤكدا “لا تغادر أصوات القذائف والغارات أذناي، اسمعها دائماً ويتطلب مني الأمر أياماً عدة لكي أعود إلى طبيعتي”.

أصوات القذائف لا تفارقهم.. شظايا حرب غزة تصيب الصحة النفسية للصحافيين ومبادرات لمساعدتهم

وأضاف: على الصحفي متابعة الأخبار والصور والفيديوهات والانفجارات بشكل متواصل أما النوم فيكون قليل جداً، وساعات الراحة محدودة والضغط المتواصل لا يتوقف.

وقد سقط 3 صحافيين لبنانيين أثناء تغطيتهم للأحداث في الجنوب، من بينهم مصوّر وكالة رويترز عصام عبدالله بينما كان يؤدي واجبه الصحفي.

ويقول العنداري لـ”أخبار الآن” حول هذا الموضوع: خسارة زميل لنا كان أمراً بالغ الصعوبة وترك أثراً سلبياً لا يُمحَ بسهولة. وكل لحظة تمرّ في تغطيتي، أكان أمام أو خلف الكاميرا، أفكّر في كل صحفي خسر حياته أثناء نقله للواقع على الحدود الجنوبية في لبنان.

يضيف “وتزداد مخاوفنا من إمكانية استهداف المزيد من الصحافيين على هذه الجبهة الملتهبة وبالتالي يتضاعف منسوب القلق والشعور بعدم الأمان في هذه المنطقة”.

 

View this post on Instagram

 

A post shared by Salman (@salmanonline1)

ويلفت العنداري إلى أن “صحتنا النفسية تتدهور خلال التغطية بسبب عدم اهتمامنا بمشاعرنا، فعلينا دائماً أن نكون جاهزين وحاضرين أمام الكاميرا ونبقي مشاعرنا وانفعالاتنا جانباً”.

إلى ذلك، يؤكد الصحفي اللبناني أن الصحة النفسية هي أولوية بالنسبة إليه، مشيراً إلى أنه يحاول أخذ استراحة فكرية ويتواصل مع العائلة والأصدقاء كنوع من الترفيه. كذلك يحرص على مشاركة مشاعره وتجربته مع زملائه كوسيلة لتنفيس الضغوط المتراكمة.

جلسات دعم نفسي للصحافيين في لبنان

أمام التطورات الخطيرة التي شهدها قطاع الإعلام في لبنان، أطلقت نقابة الصحافة البديلة مبادرة تهدف إلى مساعدة الصحافيين اللبنانيين المتأثرين بكل ما يجري. وقد خصصت النقابة بالتعاون مع مركز CPRM للعلاج النفسي جلسات دعم نفسي مجانية لكل الصحافيين والمصوّرين.

وعن هذه المبادرة، أوضحت المعالجة النفسية اللبنانية ريمي الزير وهي من منظمي جلسات المبادرة لـ”أخبار الآن” أن النقابة والمركز كانا بصدد القيام بهكذا جلسات قبيل السابع من أكتوبر، نظراً للحال الصعب الذي يعاني منه صحافيو لبنان، لكن مقتل عبدالله شكّل الدافع لإطلاقها في هذا التوقيت.

وأشارت الزير إلى أن التأثّر لخسارة عصام كان ظاهراً على سلوك العديد من الصحافيين، خصوصاً أنه كان مقرباً من الجميع، وكذلك لأنهم شعروا أنهم قد يكونوا هدفاً خلال تأديتهم لواجبهم المهني.

وشرحت أن الجلسات تعتمد على التحليل النفسي وأهميتها تكمن في أنها تساعد الصحافي على “تفريغ” ما في ذهنه كمرحلة أولى، ثم التصالح وتقبل ما جرى كمرحلة ثانية.

أصوات القذائف لا تفارقهم.. شظايا حرب غزة تصيب الصحة النفسية للصحافيين ومبادرات لمساعدتهم

وتحدّثت الزير عن الأثر النفسي الذي يختبره الصحافيون في ميدان الحرب، مشيرةً إلى أنهم يفكّرون بمسألتين: الأولى هي مسؤوليتهم كصحافيين في التغطية ونقل الوقائع، والثانية هي مسؤوليتهم كأشخاص، ورغبتهم بمساعدة الآخرين.

وكشفت أن هناك إقبالاً على الجلسات لكنه ما زال خجولاً خصوصاً أن الصحافيين ما زالوا في قلب الحدث، والحرب لم تنتهِ بعد.

فترة ما بعد الحرب

يشدد أستاذ الطب النفسي في جامعة القاهرة الدكتور جمال فرويز على أهمية إخضاع الصحافي لتقييم واختبارات قبل إرساله إلى الحرب لتحديد ما إذا كان مؤهلاً لذلك من عدمه،.

وقال: ليس أي صحافي يمكن أن يكون مراسلاً حربياً، فهناك أنواع من الشخصيات التي لا يناسبها هذا العمل، منها الشخصيات الوسواسية، الشخصيات الاكتئابية وغيرها.

وتحدّث عن ضرورة مراقبة سلوك كل صحافي في الفترة التي تلي تغطيته لأحداث الحرب، لا سيما النوم والطعام والحالة البدنية.

وأشار إلى أن هناك أشخاص تقدم على تناول الطعام أكثر، ومنهم من تتراجع شهيتهم على الأطعمة. كذلك الأمر بالنسبة للنوم، فهناك من تزداد فترات نومه، وهناك من يعاني من قلّته أو يواجه اضطرابات في النوم ويرى الكوابيس.

أصوات القذائف لا تفارقهم.. شظايا حرب غزة تصيب الصحة النفسية للصحافيين ومبادرات لمساعدتهم

لذا، الواجب، كما يقول فرويز لـ”أخبار الآن“، رصد أي تغيير في هذه المسائل لتحديد ما إذا كان للحرب تداعياتها على الشخص، وبالتالي هناك مشكلة ما يعاني منها.

وأكّد أن تراجع نسبة التركيز ووجود توتر وقلق لدى الصحافي هي من العلامات التي تنذر بوجود مشكلة.

وفي ما يخص العلاج، قال: كلما تم اكتشاف الحالة مبكراً كلما كانت طرق التعامل معها أسرع وأكثر فعالية.

وأضاف: يفضل أن يستشير الصحافي اختصاصياً فور ملاحظة التغييرات أو الاضطرابات.

وأشار أستاذ الطب النفسي إلى تخطي مرحلة الحرب هي الأصعب موضحاً أن اضطرابات ما بعد الصدمة تحدث في الفترة التي الحدث بـ3 إلى 6 أشهر، وعندها يجب يخضعوا للفحص النفسي بعد انتهاء تغطيتهم.