الأقمشة المهملة والثياب المستعملة مواد خام لحرفة النجادة 

تمكنت مجموعة من النساء من حي سيدي عثمان، أحد أحياء مدينة الدار البيضاء المغربية، من توحيد جهودهن وتنفيذ فكرة قديمة بمنظور جديد تكسبن من خلالها كسب المال، في إطار جمعية سُميت “فن الجلسة المغربية”.
هذه الفكرة هي وهي حرفة “النِجادة” التي يتم فيها إنتاج أنواع من الأثاث المنزلي، لكن الجديد والمميز في عمل هؤلاء النسوة أنهن يقمن بإعادة تدوير أشياء كثيرة مهملة لتصبح قطع أثاث مفيدة وجميلة.

 

تقوم النسوة بإعادة تدوير الثياب المستعملة والشراشف القديمة وعجلات السيارات (الكاوتش)، أو تلك الأثواب التي كانت إلى وقت قريب فساتين لآخر الصيحات لكن تجاوزتها الموضة الجديدة، فضلًا عن قطع القماش المهملة من معامل النسيج المنتشرة بكثرة في العاصمة الاقتصادية.

عن هذه التجربة، تحدثت فتيحة تاشفين، وهي مسيرة تعاونية “فن الجلسة المغربية”، والمشرفة على قيادة النساء وتعليمهن أسس هذه الحرفة، فبيّنت أن هذا النشاط الحِرَفي كان مقتصرًا على الرجال فقط، واليوم كان لاتحاد هؤلاء النسوة تحت سقف شقة اكترتها مجالًا جديدًا للكسب المالي.
وقالت فتيحة لمراسل “تطبيق خبّر” الميداني في المغرب جواد الأطلس إنها دخلت مؤخرًا هذه التجربة رفقة نساء من سنها وأخريات شابات لم يكملن الدراسة، فصرن تجتمعن في أوقات محددة حسب برنامج أسبوعي، وتعكفن على تقسيم المهام.
وأوضحت فتيحة أن منهن من تهيئ الأثواب والمواد الأولية، ومنهن من تقص قطع الثوب حسب الأحجام، وأخريات تتكلفن بالخياطة وبسط أمتار كافية من أجل الاشتغال، مشيرة إلى أنهن دخلن لممارسة الحرفة كنوع من التحدي، إلى جانب كسب قوتهن.
ولفتت إلى أنه عادة ما تحتم حاجتهن لمثل هذه المنتوجات وجود عامل رجل بالضرورة في عملية الإنتاج، وأحيانا يتأخر المنتوج حتى يصبح جاهزًا، ففكرن بتذليل هذه العقبات، وقمن باقتحام مهنة النجادة وتعلمها، بل وتعليمها لفتيات تتراوح أعمارهن بين 17 و 30 سنة.
وخلال زيارتنا لها في مقر التعاونية، بينت تاشفين أن كل سيدة من النساء المنخرطات في تعاونية “فن الجلسة المغربية”، تتقن مهارة أو حرفة معينة تساهم في تكامل العملية الإنتاجية التي تدور داخل الورشة، فمنهن من تتقن الرسم، وأخرى محترفة في الخياطة وهناك المحاسبة، وغير ذلك من احتياجات العمل والتجارة.
في سياق مرتبط، كشفت لنا فتيحة زبرجي، وهي مؤطرة للمنخرطات المشتغلات داخل التعاونية، أن النشاط الداخلي ينقسم إلى ثلاثة أقسام. أول الأقسام هو تعليم الحرفة وأنواع المنتوجات التي يتم صنعها انطلاقًا من المواد الأولية التي غالبًا ما تكون صالحة لإعادة التدوير.
ففي كل مساء، وبعد انتهاء النسوة والفتيات من أشغالهن المنزلية وواجباتهن تجاه الأسرة، تحضرن لتلقي أوليات حرفة النجادة وصناعة السجاد الذي تدخل في صنعه أثوابًا ملونة تم تجميعها من ملابس وشراشف قديمة، فتصير أفرشة صالحة للاستعمال في بيوت الأطفال أو للنزهات الربيعية والصيفية في الغابات أو للاستخدام داخل الخيام.
أما القسم الثاني فهو مهام عملية التسويق التي تتكلف بها مجموعة من النساء عن طريق تصوير المنتجات وعرضها، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو إطلاع نساء الأحياء المجاورة، فمنهن من تقتني بانتظام قطعتين أو ثلاثة لتزين بها منزلها.
ويبقى القسم الثالث والأخير الذي، وفق ما قالت زبرجي، تندرج في إطاره خلية الإدارة التي تضم المكلفات بالحسابات والأمور المالية وتسيير مواقيت العمل لدى المنخرطات بناءً على برنامج مسترسل وعلى مدار الأسبوع.

دعوة لنساء الأحياء لتعلم مهارة تطورهن ذاتيًا وتنفعهن ماديًا

وأثناء زيارة مراسل “تطبيق خبّر” الميداني في المغرب، تم الاطلاع على منتوجات عديدة من إنتاج فتيات متدربات ينتمين للأحياء الشعبية داخل مقاطعة سيدي عثمان بالدار البيضاء.
شادية الموذني، هي واحدة من العاملات في التعاونية، وقد عبرت عن امتنانها للدور الذي لعبته التعاونية في حياتها بعدما كانت تمر بظروف نفسية واجتماعية صعبة. وهذ أوضحت أنها تعلمت في وقت وجيز كيفية صنع الوسائد وأطقم تغليف الأرائك والأسِرة، ما ساهم في تحسين مهاراتها لصنع مثل هذه المشغولات في منزلها الخاص.
ووجهت الموذني دعوة مفتوحة لفتيات الأحياء اللواتي يمضين وقتهن في روتين دائم، ودعتهن للقدوم والعمل في مثل هذه التعاونيات من أجل التعلم وتطوير المهارات الذاتية التي ستعود على حياتهن بالإيجاب من حيث الكسب المادي وتزيين غرف المنازل.
وبحسب شهادة شادية، ففي البداية لم تكن تتقن أي مهارة أو حرفة، لكنها في شهر وبضعة أيام فقط، تمكنت من تعلم التطريز ورسم الزخارف بتقنيات تعلمتها من المؤطرات بأسلوب غاية في السلاسة والاحترافية.
وأضافت شادية أن أكثر المنتوجات التي تعلمتها وصارت تبدع فيها هي زخارف الوسائد الخاصة بغرف النوم وصالات الجلوس الخاصة بالضيوف، ما زاد شغفها للتعلم أكثر وتطوير أرباحها مستقبلاً.
تجدر الإشارة إلى أن التعاونية التي تقع في وسط متنوع من الأحياء الشعبية بمنطقة سيدي عثمان، باتت حضنًا اجتماعيًا للكثير من السيدات اللواتي يعشن حالة من الهشاشة الاجتماعية والمالية. إذ أن السيدة التي لم تستطع تعلم حرفة النجادة وتدوير الأثواب والمواد المستعملة، يمكنها تعلم فن صناعة الحلويات من أجل تسويقها وكسب ربح محترم.