بعناية تامة ممزوجة بحب المهنة، ينتقي “يوسف البكيري” بائع الورد بشارع إدريس الحارثي، بمقاطعة سيدي عثمان، في الدار البيضاء في المغرب، ورودا تنوعت ألوانها بين أحمر وأبيض و أصفر.

بأنامله الخبيرة، يقوم بتشكيل باقات متناسقة من هذه الورود لعرضها أمام محله، لعلها تأسر عيون المارة أو أصحاب السيارات، فيحصل على زبائن جدد يستبشر بهم خيراً، في ظرفية استثنائية فرضتها جائحة فيروس كورونا المستجد. فالجائحة أضرت بكل قطاعات الاقتصاد، وتجارة الورد وردت ضمن خانة القطاعات المتضررة من تداعيات الحجر الصحي العالمي.

بنبرة يغلفها الحزن والحسرة على ما آلت إليه الأوضاع، أخبر يوسف البكيري مراسلة “تطبيق خبّر” الميدانية هدى لبهالة أن منظر محله الفارغ الذي يخلو من الزبائن يعد الأول من نوعه طيلة 11 سنة، هي المدة التي قضاها في مهنته كبائع ورد.

الآن، يجلس وحيداً طوال نهاره رفقة باقات الورد، بعد أن كان الإقبال كثيفاً طيلة السنوات الماضية، وقبل دخول المملكة المغربية في حجر صحي كبرتوكول وقائي لمنع تفشي فيروس كوفيد -19.
بائعو الورد بالمغرب يتألمون من أشواك كورونا وحالهم يقول: يا ورد مين يشتريك

باقات الورود في الدار البيضاء تفتقد المناسبات

إلغاء مناسبات الأعراس والحفلات والتجمعات العائلية وزيارة المرضى داخل المصحات الاستشفائية، شل نشاط تجارة الورد وألحق بأصحابها أضراراً مادية وخيمة، خصوصاً خلال ثلاثة أشهر من الحظر التام.

أوضح يوسف البكيري أنه وجد أثناءها صعوبة في التأقلم مع الوضع في ظل غلاء المعيشة وكثرة المصاريف اليومية له ولعائلته المكونة من والدته وإخوته. استخدم البكري مدخرات سابقة، وقروضاً صغيرة من معارفة، حبل نجاة لتجاوز الأزمة .

حاله هذه تحكي حال كل بائعي الورد في المغرب، إذ أن الضرر عمّ على الجميع بسبب تداعيات الجائحة. وبالرغم من استئناف العمل في شهر تموز/ يوليو الماضي، فإن نسبة المبيعات لا تزال متراجعة بشكل لافت، كما أكد البكري.

وأضاف أنه في ظل استمرار إلغاء المناسبات والتجمعات العائلية، فقد صار نادراً ما يقصد الزبائن محله، مشيراً إلى أنه يستقبل اثنين أو ثلاثة زبائن في أيام السبت والأحد والأربعاء، أما باقي أيام الأسبوع فتشهد غياباً تاماً للزبائن.

ولفت بائع الورد إلى انخفاض يصل إلى النصف في أسعار باقات الورد، موضحاً أن الباقات ذات الحجم الكبير التي كانت قبل أزمة فيروس كورونا المستجد تباع ب 23 و 35 دولاراً، أصبحت تباع اليوم ب 11 دولاراً.

كما انخفضت أثمنة الباقات الصغيرة من 8 دولارات إلى 5 دولارات للباقة الواحدة، مع ارتفاع ثمن الورد بالجملة نظراً لضعف الإنتاج، ليقفز ثمن الوردة الواحدة من درهم مغربية إلى درهمين، وهو الثمن الموحد عند أصحاب الضيعات في مدن مراكش وبني ملال وأكادير، إذ تعتبر هذه المناطق الثلاث المصدر الرئيس لإنتاج الورد، وهو ما يعكس وفرة الإنتاج خلال السنوات الماضية، رافقته وفرة المبيعات أيضا.

بائعو الورد بالمغرب يتألمون من أشواك كورونا وحالهم يقول: يا ورد مين يشتريك

أسعار الورد من المصدر ارتفعت مقابل انخافض سعر بيعها

في هذا الصدد، بيّن البكيري لمراسل “تطبيق خبّر” أن فترة الأعراس ومناسبات الخطوبة والنجاح، وأعياد الميلاد والعقيقة، وعيد المرأة، وعيد الحب، وأعياد الزواج، إضافة إلى الزيارات العائلية التي يفضل فيها البعض اقتناء الورد وتقديمه كتعبير عن المحبة، كانت فرصة لمضاعفة المداخيل.
أما فصل الصيف فله نكهة أخرى، كما أردف يوسف، مشيراً إلى أن موقع محله مقابلاً لخمس قاعات مخصصة للأعراس كان يجعله محض تهافت مسييري الحفلات، من أجل اقتناء كميات كبيرة من باقات متوسطة الحجم، يتراوح عددها بين 20 باقة إلى أكثر في العرس الواحد، وذلك حسب عدد طاولات الطعام المستديرة، الخاصة بالمدعوين. ويتم بيع كل باقة ب 2,5 دولار بما مجموعه 45 دولار وأكثر، تضاف إليها أرباح تزيين سيارات أهل العروس أو العريس، لتصبح بذلك فترة الصيف ربحية بامتياز .

إلى جانب التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا المستجد على تجارة الورد، بيّن يوسف “أنهم يعانون من “انتشار العشوائية في هذا المجال بسبب ولوج بائعين متطفلين عليه، يبيعون وروداً بأثمنة رخيصة في غياب الجودة، ضاربين الأخيرة بعرض الحائط، في حين تبقى الجودة معيار البائع المحترف، وهو ما يدفع بعض الزبائن إلى المقارنة ودفعنا إلى خفض الأثمنة”. وطالب البكيري “بتدخل الدولة وتنظيم القطاع، وتقديم دعم مؤقت للمتضررين من الجائحة للخروج بأقل الخسائر الممكنة”.

تحدياً منه للأزمة الحالية، يُبقي يوسف البكيري على باب المحل مفتوحاً طيلة أيام الأسبوع مزيناً بباقات الورود، مواصلا ًمزاولة مهنته، ملماً بتفاصيل الورود، فيتفقد ما ذبل منها ويرميها، ويقص الغصون الطويلة الوالةة حديثاً، ووضعها في إناء مملوء بالماء، لتتفتح وتحافظ على نضارتها لمدة 6 أيام أخرى، لعلّ عاشقاً للورد يقصد محله بحثاً عن باقة متناسقة، فيشعر يوسف بأن جهوده لم تذهب سداً.