أخبار الآن | الخرطوم – السودان (تطبيق خبِّر)

“لا بديل لسكة الحديد إلا سكة الحديد” بهذه العبارة يشدد راشد الجميل، وهو مهندس يعمل في محطة قطارات عطبرة شمال السودان، على أهمية ربط مناطق السودان بشبكة قطارات حديثة، تعمق وشائج الجغرافيا، وتنهض بحركة الإنتاج والصادر.

 

وقال راشد لمراسل “تطبيق خبِّر” الميداني في السودان “عزمي عبد الرازق”، إن الحصار على السودان حرمه من قطع الغيار، وبناء محطات جديدة، وبالتالي توقفت معظم القطارات، التي ظلت تعمل لأكثر من خمسين عاماً تجوب أطراف البلاد، دون تحديث أو توسع في الشبكة الحديدية. ومع ذلك يبدو راشد أكثر تفاؤلاً بأن تعود سكة الحديد لسيرتها الأولى، كما هي في وجدان وذاكرة وأغاني السودانيين.

عندما تتجول في محطة قطارات الخرطوم بحري، ربما تفاجأ بأن عدد الرحلات محدود جداً، رحلتان فقط خلال اليوم، واحدة إلى ولاية الجزيرة في وسط السودان، والثانية إلى مدينة عطبرة، من بين (18) ولاية. وقد تم إلحاق قطار الجزيرة بالخدمة قبل نحو عامين تقريباً، ليسهم في نقل الركاب والبضائع، ويجسر المسافة بين أكثر ولايتين تداخلاً. فيما واجهت مهندسي سكة الحديد مشكلة تمثلت في دمار خطوط القطار، التي تعرضت للتجريف والنهب، ما اضطرهم لإعادة تأهيلها، واستخدام الكتل الخرسانية هذه المرة عوضاً عما يعرف بالفلنكات المصنوعة من الأشجار.

لأسبوع الماضي أعلنت وزارة المالية تمويل عقد مع شركة صينية لاستيراد (27) قطار لسكة الحديد بقيمة 50 مليون يورو، ويعتبر هذا الاتفاق من أهم المحطات فى مسيرة تكوين سكة الحديد مؤخراً.

صفقة قطارات مٌثيرة للجدل تُنعش آمال السودانيين

 

ورغم الشكوك الكثيرة المبذولة إزاء قدرة السودان على تمويل هذه الصفقة، بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، إلا أن وزيرة المالية “هبة علي” قالت إن السودان عازم على تمويل الصفقة، وأشارت إلى أهمية دور قطاع سكة الحديد في تحقيق التنمية المتوازنة. مؤكدة أن تطوير وتوسيع البنى التحتية يعتبر من أهم أولويات الحكومة الانتقالية، لتساهم في زيادة الإنتاج والنهضة بالاقتصاد.

مراسل “تطبيق خبِّر” الميداني جال داخل أحياء سكة الحديد في الخرطوم القديمة، وبدت البيوت شبه مهجورة، والقطارات معطلة، بينما تتقاطع حركة السيارات بكثافة داخل المحطة الرئيسية وسط الخرطوم، ولاحظ أن إشارة مرور القطارات لا تعمل، فيقوم بمهمة تنظيم حركة مرور القطارات وسط الزحام رجل شرطة وحيد ما يشكل خطورة على حياة الناس.

ومع ذلك ثمة حركة نشطة داخل مكاتب هيئة سكك حديد السودان، والتي تعمل على تشغيل قطار الإقليم الغربي (الرهد بابنوسة) بعد توقفه لفترة طويلة، بسبب الحرب الأهلية في دارفور، ليسهم في حركة صادر الثروة الحيوانية والحبوب الزيتية.

وأثيرت مخاوف عديدة من عدم قدرة وزارة المالية على تمويل صفقة القطارات المثيرة للجدل مع الشركة الصينية، وهى التي أخفقت أكثر من مرة في توفير دولارات لاستيراد الوقود والدواء. فضلاً عن عدم الإعلان عن عطاء عالمي لاستيراد تلك القاطرات، والإكتفاء فقط بالكشف عن العقد الأخير كأمرٍ واقع. في وقت تعاني فيه سكة الحديد من دمار هائل بسبب الإهمال الحكومي، وتوقف عمليات الصيانة، بشكل توقفت معه كذلك رحلات السفر عبر القطارات، ما عدا رحلتي الجزيرة وعطبرة.

صفقة قطارات مٌثيرة للجدل تُنعش آمال السودانيين

 

عطفاً على ذلك كشف وزير النقل والبنى التحتية “هاشم إبن عوف” عن مشروع وصفه بالإسعافي لسكة الحديد، وأضاف هاشم في تدوينة على صفحته في موقع فيسبوك أنّ الصفقة مع الشركة الصينية شملت استيراد 27 قاطرة جديدة تعمل بالقوة الساحبة بقوة 2200 حصان و7 وابورات مناورة و20 ماكينة هواء لصيانة 20 وابور معطل الآن بالورش.

وكانت السفارة الأمريكية بالخرطوم، كشفت عن اتّصالات ستجريها بالعاصمة واشنطن لاستثناء السكة حديد السودانية من الحظر المفروض على القطارات وقطع الغيار من الدخول للسودان. وأبدى مسؤول الإدارة التجارية والاقتصادية بالسفارة الأمريكية في السودان، مايكل بانيل، اهتمامه بالأمر، وأشار خلال لقائه أمس الأول مدير سكة حديد السودان، وليد محمود إلى وضع خُطة عاجلة لمعالجة الحظر المفروض على القاطرات وقطع الغيار بصفة استثنائية. وهو الأمر نفسه الذي أكده الشيخ خضر كبير مستشاري رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، في حوار صحفي منتصف الأسبوع الماضي، حيث كشف الخضر عن توقيع الحكومة السودانية مذكرة تفاهم مع شركة “جنرال إلكترك” الأمريكية خلال الايام القليلة المقبلة، مشيراً إلى أن الشركة تريد أن تستثمر في مجال سكة الحديد وفي مجال الكهرباء والبنية التحتية. لتنهي بذلك حصاراً أمريكياً على الخرطوم وقطيعة اقتصادية استمرت لنحو ثلاثة عقود من الزمان، شهدت فيها البلاد دماراً هائلاً طال على وجه التحديد سكة الحديد والخطوط الجوية السودانية.