أخبار الآن | دمشق – سوريا – (قيس الدمشقي)

لم يعد غريبا أن ترى بين الحين والآخر شوارع المدن والقرى التي يسيطر عليها النظام شبه خالية من الشباب الذين هم في سن الخدمة العسكرية الإجبارية أو في سن الاحتياط الذي  يشمل كل شاب لما يتجاوز الثانية والأربعين من عمره.

فحملات التعبئة ودوريات الشرطة العسكرية والدوريات الأمنية المتخفية تكاد تكون موجودة في كل مكان لإيقاف من تراه مناسبا وإجراء عملية "التفييش" (التحقق من الإسم) قبل أن يقتادوا الشاب إلى السيارة إلى أماكن تجمع عسكري لفرزه إلى جبهات القتال بعد ثلاثة أيام فقط من التدريب على استخدام السلاح للمجند الجديد. بينما يتم إلحاق عنصر الاحتياط بقطعة مقاتلة فورا وفق اختصاصه بعد إعادة تأهيل في المكان لا تستغرق ثلاثة أيام أيضا، وغالبا ما يعود المنساقون إلى الحرب بعد أسبوعين أو ثلاثة كحد أقصى ولكن إلى مشفى تشرين العسكري في ريف دمشق كجثث تنتظر الفرز وتحضير النعش.

ولكن الوضع مع ما يعرف بالفيلق الخامس الذي أعلنت وزارة الدفاع تشكيله مختلف من حيث الطريقة والأهداف، فهو وبحسب مصادر عسكرية خاصة لأخبار الآن من داخل إدارة التجنيد العامة، عبارة عن مقترح إيراني تم التنسيق على تنفيذه مع هيئة استشارية من وزارة الدفاع ورفع المقترح إلى القائد العام للجيش وهو بطبيعة الحال رئيس الدولة بشار الأسد الذي وافق وأعطى الأوامر للبدء بتشكيل الفيلق.

واعتمد النظام على أسلوب الترغيب لجعل هذا التشكيل الجديد من قوام المتطوعين حين بدأ بإرسال الرسائل عبر شركة اتصالات "سيريتل" التي يملكها رجل الأعمال رامي مخلوف إبن خالة الأسد، وذلك لحث الشباب على التطوع مقابل رواتب خيالية بالنسبة للسوريين تترواح بين 150 و200 ألف ليرة سورية، علما أن أعلى راتب يتقاضاه ضابط عامل في النظام من رتبة الأمراء (عميد، لواء) مع جميع المزايا والعلاوات والقدم العسكري لا يتجاوز 80 الف ليرة، إضافة إلى مغريات أخرى تتعلق بتأمين الوظائف بعد الخدمة واستمرارية الراتب وتولي أمر العائلة في حال الموت بالمعركة وغيرها من الأمور.

وخلف عسل المغريات يكمن السم الإيراني الذي تمثل وبحسب المصادر العسكرية برغبة إيران الجامحة للحد من فئة الشباب الفاعل في المجتمع السوري بعد أن توغلت بكل مفاصل الدولة وأصبحت الحاكم الفعلي اقتصاديا وإداريا وعسكريا، حيث ترى طهران أن هذه الفئة أو من تبقى منها عبارة عن جمر تحت الرماد لا يمكن لها أن تأمن جانبه، فبأي لحظة يمكن لهم أن يثوروا ويعيدوا الأمور إلى نقطة الصفر، خاصة وأن التقارير الواردة إلى أصحاب الشأن الإيراني تخبرهم بمدى الحنق والكره الذي يكنه الشعب السوري وخاصة "السنة منهم" للدولة الفارسية التي استخدمت الحرب في سوريا كورقة تفاوض في ظل الصراع البراغماتي الإقليمي وكانت السبب الرئيسي في تأزم الوضع ووصول الأمور إلى ماوصلت إليه، خاصة من خلال التجييش الإعلامي الذي صور ما يجري في سوريا على أنه حرب طائفية، فجرت إيران البلاد إلى ذلك لتخلق لنفسها مبررات القدوم عسكريا على الأرض.
 

ومن خلال الفيلق الخامس والدعوة العلنية غير المسبوقة للخدمة الاحتياطة وطرح مئات آلاف الأسماء فإن إيران تحقق بحسب مستشاريها التالي: 

إن كل شاب سوري قادر على حمل السلاح أمامه أربع خيارات:

أولا: الالتحاق بقوات النظام والقتال إلى جانبها حتى الموت وهذه الفئة مطلوبة لإيران على الأقل لاستخدامها.

ثانيا: سيجهد الكثير من الشباب للسفر والهجرة خارج البلاد مع تشديد حملة الاحتياط بطرق غالبا ما ستكون غير مشروعة ما يعني أن عودته إلى سوريا لن تكون سهلة أبدا، وهذا أكثر ما تتمناه إيران لتفريغ المجتمع خاصة السني من شبابه وبسط السيطرة على مجتمعات ضعيفة لاهم لها إلا أن تبحث عن لقمة العيش أو اللاحاق بمعيلها إلى بلاد المهجر لاحقا.

ثالثا: فرض مبالغ طائلة كبدل للخدمة قد يتم إصدار تعليمات بها لاحقا لمن يريد دفع البدل داخليا ممن تضمنت القوائم أسماءهم وقد تكون مساوية للبدل الخارجي الذي يقدر ب "15 ألف دولار" وهو ما يعادل 8 ملايين ليرة سورية وهذا مبلغ يعادل ثمن المنزل أو أكثر في سوريا التي لايزيد متوسط دخل الفرد فيها عن 15 دولار شهريا، بينما تجاوزت نسبة الفقر الشديد بحسب تقارير الأمم المتحدة أكثر من 85 % يعيش الواحد منهم بأقل من دولار واحد يوميا.

وبالتالي من يملك شيئا سيضطر إلى بيعه وخاصة أصحاب العقارات الذين سيجدون التجار الميسورين المرتبطين بالنظام وإيران جاهزين لشرائه وخاصة في دمشق وريفها وكذلك في حلب وحمص.

رابعا: إن هذه العملية قد فرضت شكلا خبيثا من حظر تجوال الشباب وحصر تحركاتهم في مناطق السكن أو داخل البيوت، وهذا من شأنه أن يحد من التواصل بين الشباب بشكل جدي وعدم القدرة على التجمع بأي شكل من الأشكال.

أما الأهداف البعيدة التي ترنو إليها إيران من خلال مشورة الخدمة الاحتياطية والتعبئة فهي خلق مجتمع كهل وغير منتج من خلال شل حركة التفكير والإبداع والقضاء على معظم  المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة ليبقى الاقتصاد الاجتماعي في سوريا تحت المظلة الإيرانية التي تغزو السوق ببضائعها.

كما أن هناك احتمال كبير لمنح الجنسية السورية لعناصر الميليشيات الذين جلبتهم إيران للقتال إلى جانب النظام من العراق وأفغانستان وباكستان ومن بلدان أخرى بعد إغرائهم برواتب عالية وبمنحهم إما الجنسية الإيرانية أو السورية، وبالتالي زجهم في سوق العمل على أن يكونوا العمود الفقري للشركات الإيرانية التي تطمع للهيمنة على الاقتصاد السوري والصناعة السورية.

ربما سينظر البعض بعين الريبة إلى بعض الأمور التي تتعلق بالأهداف الإيرانية وقد يظن أن هناك مبالغة بالأمر، لكن لنا في النموذج العراقي ومفاعيله دليلا لاريب فيه عن مدى الطمع الإيراني وأهدافه في السيطرة التامة على المنطقة بعد استبعاد كل من يخالفها من الشباب إما بالتهجير أو بالقتال وإما بالاعتقال بعد أن تجعل من الأنظمة مجرد مخرجين منفذين لسياستها.