أخبار الآن | ريف حماة – سوريا (نجوى بارودي)

"سلميّة" التي عانى سكانها ولخمس سنوات مضت الفقر والجوع والعوز المائي، استيقظت صباح أمس على جثة هامدة ملقاة على أحد الأرصفة وسط المدينة. مر الكثير من سكانها أمام الجثة مرور الكرام وكأنها منظر اعتيادي، إلى أن جاءت شرطة النظام التي لا حول لها ولا قوة في مدينة تسيطر فيها عصابات الأسد وشبيحته لتخفي الجثة في أحد المشافي وتسجل وفاته ضد مجهول .

ربما لم تكن هذه المرة الأولى التي يستيقظ فيها أهالي السلمية على هذا المشهد. فيوميا، وفي كل ليلة تسمع أصوات الرصاص داخل المدينة لمدة ساعات وكأن حربا تدور هنا، والجميع يدرك أنها اقتتالا بين الشبيحة أنفسهم بعد ليلة سُكر ومجون من أجل راقصة في ملاهيهم، التي انتشرت بكثرة في السنوات الأخيرة؛ والتي باتت تشكل جزءا من الرعب اليومي الذي يعيشه السكان لما تسببه تلك الملاهي "والتي كان أغلبها عبارة عن نواد ثقافية ومطاعم صغيرة يرتادها بعض الشباب" قبل أن تتحول بقوة السلاح إلى ملاه ليلية يرتادها شبيحة النظام وأعوانه.

عرفت مدينة السلمية ولسنوات خلت، بثقافة شعبها وانتشرت في أحيائها المنتديات الثقافية والأدبية، وربما سبقت الكثير من الأرياف في رفع راية المواجهة مع النظام وشعار إسقاطه في الجمعة الثانية من الثورة السورية، لكنها سرعان ما حوصرت بشتى الطرق من اعتقالات عشوائية إلى خطف وقتل وتدمير لمنازل المعارضين أو تهجيرهم منها واستخدامها كمقرات لصناعة الموت أو استخدامها كأوكار للجرائم والرذيلة.

سرقات وإكراه بالعمل

يقول "ماهر" وهو صاحب أحد المطاعم التي كانت معروفة باستقبال الزبائن من ذوي الدخل المحدود: "جاء إلي عدد من عناصر النظام وقاموا بضربي أمام العمال والزبائن، ومن ثم اقتحموا مطعمي وصادروا كل ما أملك من أوراق ثبوتية فيه ورموني خارجاً، قمت بالشكوى ولكن ذلك لم يسبب لي سوى المصائب المتلاحقة، حيث قاموا بخطفي لعشرة أيام ومن ثم فرضوا علي بيعه دون أن أقبض ثمنه، الآن تحول مطعمي لملهى ليلي يمارسون فيه كل ما قد لا يخطر على البال من الفسق والفجور والممارسات اللاأخلاقية ولعب القمار، كانت خسارتي كبيرة لي ولمن كان يرتاد مطعمي، ونحن لا حول لنا ولا قوة أمام ممارساتهم".

أما "رؤى" المعلمة في المدرسة الإعدادية، تعتبر أن تلك الملاهي والتي انتشرت بكثرة هي أحد المسببات الرئيسية لانتشار السرقة بين الشباب، ففي هذا العمر ربما تجذبهم تلك الأماكن، وبسبب الوضع المادي السيئ الذي حل على الجميع ربما تكون السرقة هي الحل الوحيد.

"محمد" عازف على آلة الأورغ، يقول: "فرض علي وتحت التهديد العمل هنا من قبل مجموعة تتبع لعائلة من الدفاع الوطني، لم أستطع الرفض مع محاولاتي العديدة للهروب من المدينة إلا أن عائلتي كانت تدفع الثمن، أرى بأم عيني آلاف الدولارات التي تدفع للفتيات اللواتي يرقصن والبذخ الواضح في مأكلهم ومشربهم، وربما لا تمر سهرة إلا ويقتتلون فيما بينهم من أجل راقصة أو خسارة في القمار" .

تحركات للأهالي لا تجدي نفعا

قامت منذ أشهر مجموعة من الشباب بتقديم عريضة يطالبون فيها بإغلاق تلك المقاصف، والتي تتسبب بحالة ذعر يومي في أحياء المدينة بسبب العيارات النارية والمشاكل اليومية، ولما تسببه من حالة خوف للأهالي من انجرار أولادهم إلى تلك الأماكن، وقّع على تلك العريضة حوالي 20 ألف مواطن من مختلف الاختصاصات والاتجاهات الفكرية والسياسية، ورفعت الأوراق كما هي العادة إلى "مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل" و"وزارة السياحة" ومن ثم إلى الجهات المسؤولة الأخرى وهي بالعشرات، وكانت النتيجة الرفض القاطع.

لم يشكل هذا الرفض صدمة للكثيرين طالما أن تلك المقاصف تملكها عائلات موالية للنظام أو عناصر "الدفاع الوطني" أو الشبيحة، وهي حوالي 20 ملهى ليليا وعشرات المطاعم الشعبية والنوادي الثقافية تحولت بفعلهم إلى ملاه كان يرتادها الفقراء من أبناء السلمية وريفها؛ التي تفتقر إلى كل ما يسمى منتزهات وخدمات قد تخفف من الضغط اليومي المعاش