أخبار الآن | إدلب – سوريا (سونيا العلي)

يدفع الشعب السوري ثمن ثورته من دمائه ومستقبل أبنائه إضافة إلى خسائره المادية الجسيمة نتيجة ما لحق بالمرافق العامة والتجمعات السكنية من أضرار كبيرة. في إدلب وفي منطقة معرة النعمان وريفها، ألحق النظام دماراً هائلاً بمنازل المدنيين بعد تحرير معسكري "وادي الضيف والحامدية" عام 2014 اللذين شكلا ترسانة قوية للنظام في الشمال، وقد دام حصارهما من قبل الثوار مدة ثلاث سنوات على التوالي، وبعد كل معركة كان النظام يرد عليها بالقصف العنيف على القرى والبلدات المحيطة ويخص التجمعات السكنية والمناطق المأهولة، وكأنه يريد إنهاء أي تواجد للحياة في المناطق الخارجة عن سيطرته.

الدمار الكبير وأزمة السكن

دمرت بعض القرى بشكل كامل حيث جعلها عناصر النظام مقرات لهم، فقاموا بجرف البيوت وجعلها سواترا لحمايتهم، وعندما عاد أهالي المنطقة من نزوحهم وجدوا منازلهم أنقاضاً. وساهمت سوء الأحوال المادية وانتشار الفقر في منع معظم الأهالي من إعادة إعمار منازلهم المهدمة مما جعلهم يعانون من النزوح والتشرد والتنقل من مكان إلى آخر بحثاً عن الاستقرار.

"حسام البيك" أحد مسؤولي المجلس المحلي في "معرة النعمان"، يقول: "نتج عن تحرير المنطقة حجم هائل من الخراب، فنصف عدد المنازل تضررت بشكل كلي أو جزئي، مع دمار البنية التحتية كالماء والكهرباء والصرف الصحي، ما أدى إلى سوء حالة وحياة ومعيشة الأهالي، والتكلفة المادية العالية لأسعار مواد البناء ومستلزمات الإصلاح منعت الفقراء وذوي الدخل المحدود من إعادة بناء منازلهم، فهم بالكاد يستطيعون تأمين قوت يومهم، ناهيك عن أن مواد البناء كلها مستوردة وسعرها مرتبط بالدولار مما أدى إلى غلاء أسعارها بشكل جنوني أمام الهبوط المستمر لقيمة الليرة السورية ما جعل معظم الأهالي يسكنون في خيام قماشية لا تحمي ساكنيها من العوامل الجوية وتخلو من كافة مقومات الحياة الكريمة."

مشروع إعادة الإعمار

نفذت منظمة "بنيان" مشروعاً يعيد بناء 400 وحدة سكنية في ريف إدلب لإعادة تأهيل المنازل في قرى "وادي الضيف" وعودة الحياة إليها وبالتالي تخفيف المعاناة عن الفقراء، بدعم من منظمة قطر الخيرية، وقد تم توزيعها على 20 قرية منها: "الدير الغربي، معرشمشة، الحامدية، دار السلام ، بسيدا، معرحطاط، بابولين وغيرها".

المهندس "عماد الحسين" يعمل مديراً للمشروع يتحدث عنه قائلاً: "المشروع يستهدف الفقراء العاجزين عن إعادة إعمار منازلهم، ويعد من الضروريات في هذه الأيام فالحياة لابد لها أن تستمر وكان الهدف منه تشجيع الناس على العودة إلى منازلهم وإعادة الحياة إلى المنطقة بشكل عام وتوفير الاستقرار بعد ما عاناه الناس من النزوح الذي ضاقوا به ذرعاً ."

ميزات وفوائد المشروع

يعاني أهالي ريف إدلب من انتشار البطالة على نطاق واسع وشح فرص العمل، ولكن هذا المشروع كان له دوراً كبيراً وفعالاً في تحسين مستوى الاقتصاد المحلي في المنطقة عن طريق تشغيل الورشات الخاصة بأعمال البناء وما يترتب على ذلك من عمالة، حيث قام بتحسين دخلهم خلال فترة التنفيذ، كما قمنا بتأسيس معملا للبلوك الإسمنتي خاص بالمشروع لتحقيق الفائدة للعمال فيه وتأمين "البلوك" بتكلفة أقل.

أما على صعيد اختيار المستفيدين، يلفت السيد المدير إلى أن الإعلان كان عن طريق المجالس المحلية، حيث بدأت تسجيل الطلبات وتم اختيار العائلات الأكثر تضرراً وفقراً مع منح عائلات الأيتام وأصحاب الإعاقات أولوية الاختيار، ثم بدأت المرحلة الثانية من المشروع التي تم فيها بناء المنازل حيث نقوم بجرف المنزل القديم المهدم وبناء منزل مكانه بمساحة 50 متر مربع يضم غرفتين ومطبخ ومرافق صحية ،مع العلم بأن جميع المنازل موحدة مساحة وشكلاً.

رفع المعاناة عن كاهل الفقراء

"أسعد الخشان "من قرية "معرحطاط" في ريف إدلب، اضطر للعيش في خيمة مع زوجته وأولاده على أطراف القرية، فبعد تهدم منزله لم يستطع إعادة بنائه لسوء أحواله المادية كما أنه لم يستطع دفع بدل إيجار منزل يأويه وأسرته ويحفظ كرامتهم، ولكن فرحته كانت كبيرة عندما شمله المشروع وتم من خلاله إعادة بناء منزله من جديد مما وضع حداً ونهاية لرحلة معاناته مع الشقاء والتشرد ويلفت إلى أنه شعر بأن حلماً كبيراً تم تحقيقه عندما تسلم مفتاح منزله الجديد.

أما الأرملة "أم ثائر" من قرية "دار السلام" فتقول: " قدرنا كسوريين أن نشاهد بيوتنا تنهار أمام أعيننا، مع أن البيت يعني لصاحبه الكثير ففيه جنى العمر كله، لقد تهدم منزلنا الذي بناه زوجي بكده وعرق جبينه على مدار سنين طويلة، والذي يحمل في كل زاوية منه ذكرياتنا وأحلامنا، وقد اضطررت للعيش أنا وأولادي عند أقربائنا مما زاد من معاناتنا ولكن لحسن الحظ استفدنا من المشروع الذي أعاد بناء المنزل من جديد حيث عاد كسابق عهده ملاذاً ومأوى كريماً لي ولأولادي."

أكثر ما يحتاج إليه الشعب السوري هو تأمين سكن يليق بكرامة الإنسان ويعيده إلى البيئة السكنية الملائمة، فالنظام يستطيع أن يدمر بيوت السوريين لكنه لن يتمكن من تدمير آمالهم بالنصر وصراعهم من أجل البقاء.

مشروع إعادة الإعمار في ريف إدلب .. يعيد الأمل باستمرار الحياة