أخبار الآن | درعا – سوريا (أسامة زين الدين)

شهدت الثورة السورية بعد خمس سنوات كثيراً من المشاريع الخيرية والإغاثية التقليدية التي أدت وظيفة حيوية وهامة في مساعدات المنكوبين، والمتضررين والفارين من جرائم النظام ومليشياته، ولعبت دورا كبيرا في التخفيف من حجم الكارثة الإنسانية التي وصفت بأنها أعظم الكوارث بعد الحرب العالمية الثانية، في بلد صنفته الأمم المتحدة على أنه أخطر بلد في العالم، وقد فاق حتى الصومال وأفغانستان والعراق في تردي أحواله الأمنية، وسط ترد غير مسبوق في حالته الاقتصادية وصلت لدرجة أن يعيش 82% من سكانه تحت خط الفقر، حسب تقرير سابق لليونيسيف.

تجسدت معظم المشاريع الإغاثية بسلل إغاثية، كفالات شهرية، أو معونات مادية إلا أنها استنزفت كثيرا من موارد الهيئات الإنسانية، وتركت أثراً اجتماعياً سلبياً بدأت ملامحه تظهر بركون بعض المستفيدين لهذه السلل وانتظارها شهريا، وعزوفهم عن العمل حتى لو توافر، وخاصة في الأماكن ذات الاستقرار النسبي والتي لم تشهد ضغطا عسكريا كبيرا في مختلف المناطق الحورانية.

المشاريع الصغيرة خيار تنمية مستدامة

شكلت مطرقة الحاجة الماسة للمتضررين للإغاثة العاجلة، وسندان استنزاف الهيئات الإغاثية وبعض الآثار السلبية التي تظهر نتيجة الإغاثة المستمرة تحدياً كبيرا لهذه الهيئات، فعمد بعضها لمواجهته باتباع استراتيجية "المشاريع الصغيرة" التي تؤمن للمتضررين فرصة عمل أو تساعده على تأمين دخل شهري ثابت لهم من كسب يدهم.

تجارب ومشاريع عدة بدأت تظهر في درعا، كان لـ "رابطة أهل حوران" يد السبق فيها، فسعت في أحد مشاريعها كما يقول مديرها الإعلامي لأخبار الآن، إلى تمليك الأهالي في القرى الزراعية لمواش مع تزويدهم بأعلافها خلال فترة التمليك الأولى، حيث يستطيع الأهالي عبر رعايتها الاستفادة منها وبيع منتجاتها مما يساعدهم على كفاية أنفسهم بالحد الأدنى دون انتظار مساعدة خارجية من أحد.

كما قامت الرابطة أيضا عبر مشروع مدر للدخل بتزويد عدد من الأسر المتعففة، آلات خياطة تستطيع النساء من خلالها بدء عمل خاص بها، وزودت هذه المكنات بمحركات تعمل على الطاقة الشمسية، وذلك تفادياً لتعطل العمل الذي تسببه الانقطاعات الطويلة للكهرباء في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار. وسبق للرابطة كما يضيف مديرها الإعلامي أن قامت بإنشاء مشغلا ضخما للخياطة يقوم بتوظيف وتدريب عدد من العائلات والنساء الذين ساءت أحوالهم، إلا أنه كان عرضة لغارة جوية من قبل النظام.

وقد قامت عدة منظمات إنسانية ناشطة في درعا بالقيام بمشاريع زراعية لمئات الدونمات، وأخرى صناعية وخدماتية تقوم بتشغيل اليد العاملة في مناطقها وتكفيها حاجتها.

بنك متعثر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة

"جهاد أبو محمد" ناشط انتقد الاستمرار بنمط الإغاثة التقليدية وشرح أثرها على احتمال اندثار حِرف ومهن كانت أساسية في المجتمع الحوراني، وأدرك خطورة الاعتماد الكامل للمجتمع المحلي على مساعدات تأتي من الخارج، وتبقى رهن المتغيرات الدولية والسياسية، لتصبح فيما بعد سيفا مسلطا على رقاب السوريين، فسعى مع عدد من الناشطين لإنشاء بنك يقدم قروضاً حسنة للأهالي الراغبين بافتتاح أعمال خاصة بهم ولا يملكون رأس المال اللازم له، ووضع مع عدد من الناشطين تصورا لعدد من المهن التي تجعل من يدهم هي اليد العليا دون انتظار حسنة من أحد، بحيث يقدم البنك لهم رأس المال الكافي لبدء أعمالهم، ومن ثم يسترده بتقسيط مريح ودون فائدة على المدى الطويل بعد أن يؤتي المشروع ثماره.

واجه المشروع عدة عقبات من بينها صعوبة الحصول على تمويل، والوضع الأمني غير المستقر وتفاقم موجة النزوح، وخاصة مع بدء القصف الروسي واستهدافه للأسواق العامة والبنى التحتية.

تجربة وليدة لا تزال قيد التطوير

يذكر أن التحول نحو التنمية في المناطق المحررة من قبل المنظمات الإنسانية لا يزال في بدايته، وقد أقامت "هيئة الشام" في وقت سابق مؤتمرا الاستجابة الإنمائية، دعت إليه معظم الهيئات الإنسانية الكبرى العاملة في سوريا، حيث ركز في مختلف جلساته على قضايا التنمية في المناطق المحررة في سورية وبحث وسائل الانتقال من العمل الإغاثي إلى العمل التنموي، والتمكين الاقتصادي والإنعاش المبكر في مناطق الأزمات، وأهمية المشاريع التنموية في سورية ومنهجية دراستها وتنفيذها.