أخبار الآن | دمشق – سوريا (آية الحسن)

بدأ عرض فيلم "فانية وتتبدد" للمخرج نجدة أنزور وإنتاج المؤسسة العامة للسينما، في دار الأوبرا في دمشق وفي أمكنة أخرى مثل مجمع دمر الثقافي وسينما الكندي في مشروع  دمر، وقد سبق عرضه الأول حملة دعائية واسعة، وكان قد سوقه القائمين عليه على أنه الفيلم الذي يفضح ممارسات داعش والتي لم يصل إليها الإعلام ولم يعرف بها الناس.

وبعد يومين من عرض الفيلم بدأ يخف الحماس وتتناقص أعداد الحضور حتى تم إيقاف العرض بسبب عدم الإقبال عليه، علماً أن هناك أوقات مختلفة لعرضه في فترة بعد الظهر والمساء، ولكن من الواضح  أن الجمهور الدمشقي بات يمل مثل هذه الأفكار المباشرة التي تنتهي بشكل مفرح ومُرضي للجميع، على عكس واقعهم المخيب للآمال.

فيلم ممانع بالفكرة

في أولى تصاريح المخرج بعد بدء العرض، يربط بين حضور فيلمه المُسيس وحب الوطن فيقول: "الإقبال على حضور الفيلم يعبرّ عن إرادة هذا الشعب المتمسك بالحياة، ويؤكد موقفهم من مضمونه، وتتويجاً لكل الجهود المبذولة بالحفاظ على الهويّة السوريّة".

ومن هنا يعتبر "أنزور" نفسه محارباً مدافعاً عن الوطن، وهو الذي لا يأبه بقدسية الدماء المهدورة والتضحيات المبذولة، فالمعروف عنه أنه الواجهة السينمائية الرخيصة للنظام والذي لا يتوانى بأن يدافع عنه بطريقته. 

مرةً أخرى صوّر أنزور فيلمه ضمن مناطق سيطرة النظام والمناطق المشتعلة والمدمرة، وتحديداً في بلدة "داريا"؛ البلدة التي تعاني حصاراً خانقاً منذ وقت طويل وإلى اليوم لم يتوقف النظام عن قصفها بشكل مستمر. وهذه التجربة هي واحدة من تجارب كثيرة قام بها أنزور في "داريا" بعد تصوير مسلسله "تحت سقف الوطن" فيها، المسلسل الذي أحدث سجالاً كبيراً بين الناس إذ لم يمض وقتها على مجزرة داريا سوى أشهر قليلة. مثل هذه الأمور المستفزة تعد مغازلة مباشرة للنظام رفعت من نسبة محبيه من المؤيدين كثيراً، هذا إلى جانب أنه كان يُعرّف عن نفسه بفاضح الإسلاميين والمتشددين بأعمال تلفزيونية مثل "ما ملكت أيمانكم".

سينما سهلة للمؤيدين

أصبح فيلم أنزور جاهزاً في وقت قياسي مقارنةً بأفلام سوريّة أخرى، فقد تراوحت مدة الإنجاز قرابة الستة أشهر، هذا وقد تجاوزت تكلفة إنتاجه مائة مليون ليرة سورية أي ما يساوي 455 ألف دولار. مبلغاً من الممكن أن يساهم بإعادة إعمار سورية، كما يقول "حسن" 22 عاما، طالب في المعهد العالي للفنون المسرحية والذي عبّر عن استيائه من أجواء الفيلم وفكرته. فقال: "إنه فيلم سهل ومباشر، حتى أنه سخيف، لا يمكنك اليوم أن تجبرني على مشاهدة ما خفي عني حول حقيقة داعش، التي أصبح صيتها يملأ العالم، فكل الناس تعرف اليوم حقيقة ما يجري، نحن لدينا اليوتيوب وهذا العالم صغير".

القائمون على الفيلم استبقوا العرض بتصريحاتٍ صحفية، قالوا فيها إن المشاهدين لن يروا في الفيلم فظائع داعش كما يصوّرونها بأنفسهم، فمهما حاولنا التقليد لن نصل إلى تجسيد تلك الفظائع كما تبدو في الحقيقة.

يقول "أمجد" 25 عاما، رداً على التصريحات: "هذا ما يجعل من الفيلم مباشرا وخفيفا، فأغلب الظن أن المخرج قد دُعيّ لإخراج الفيلم حيث كان نصيبه من المال كبيرا هو والممثلين، زد على ذلك أن الفيلم الناجح لا يجذب الحضور بغموض موضوعه، فكيف إذا كان الموضوع داعش، يكفيك أن تقرأ مقالاً وتشاهد صوراً حتى تعرف الحقيقة.

توقف عرض فيلم " فانية وتتبدد" .. الجمهور الدمشقي يقاطع سينما النظام

مواضيع مُسيسة

يبدأ الفيلم بمشاهد يوزّع فيها الشيخ "أبو محمد" الذي أدى دوره "زيناتي قدسية" السبايا على المجاهدين، وسط طقس احتفالي بمباركة "الأمير أبو الوليد" فايز قزق، فيما تحاول "ثريا" رنا شميس، الحفاظ على توازنها كمعلمّة وأم بمواجهة داعش والفكر الذي يفرضه، لتبدأ  معانتها الأكبر في خوفها على طفلتها والتي يقع الأمير بغرامها ويتزوجها، تزداد مأساة الأم عندما تعتقل وتتعرض للتعذيب.

لم يُغفل أنزور الدور الكبير للجيش السوري في إنقاذ المدنيين من براثن الإرهاب على حدّ وصفه، معتبراً أنه المخلّص الذي ينتظر قدومه أهالي المدينة بفارغ الصبر، ويُختتم الفيلم بمشهد يعبّر عن الانتصار المنتظر حيث يتعاون الجندي "مازن" مع الداعشي العائد إلى حضن الوطن "أبو دجانة" مجد فضّة ويقومان برفع علم البلاد في ساحة البلدة وسط فرحة أهلها لخلاصهم من سيطرة داعش، لتكون عودة أحد العناصر لرشده هو ما أدى لسيطرة الجيش على المنطقة، حيث تتجلى فيه الخلاصة الساذجة التي يريد النظام إيصالها كما يقول "أحمد 30" عاما، شاب مهتم بالسينما، والذي يعتبر أن الفيلم بمثابة استمرار لدعاية الحكومة السورية التي تتشدق بأنها تفتح ذراعيها لمن يريد إلقاء السلاح دون أن تكون يديه ملوّثة بالدماء، وهذه هي الديباجة التي يلجأ إليها الفنانون من مؤيدي النظام.

يصف أنزور شريطه السينمائي بغير التقليدي فهو يوضح الفظائع الحقيقية لجرائم داعش وهدفه هو الإضاءة على حقيقة داعش من الداخل، واستدارج المشاهد لعيش التجربة كاملة، وكأن كل ما عاشه السوريون خلال السنوات الخمس ليس كافياً ليعيشوا تجربة الموت اليومي.