أخبار الآن | ريف دمشق – سوريا (ورد مارديني)

يستند المسعف "أبو أحمد" على سيارته الخاصة بنقل الجرحى، كما لو كانت عيناه قادرة على حفر ثقب يساعده في الهرب من حياته: "عندما حملت الطفلة بارعة ذات التسع سنوات تقريبا التي اغتالتها غارة جوية من الطيران الحربي على بلدتها "دير العصافير" ووضعتها في سيارة الإسعاف، تذكرت طفلتي فهي من عمرها، تأثرت جدا بإصابتها على الرغم من أنني مسعف والمسعف يجب أن يتحلى بصلابة القلب لكنني صراحة لا أستطيع حبس دموعي عندما أرى أطفالا مصابين، ليس لهم ذنب  أنهم من مناطق ثائرة".

نقل المسعف أبو أحمد الطفلة "بارعة يوسف" إلى النقطة الطبية التي يعمل بها ومنظر والدتها المفجوعة وعمها المقهور لم يغب عنه كل الطريق، أدخلها إلى المشفى وتم نقلها إلى غرفة العمليات وهنا انتهى دوره، وبدأ دور الأطباء في محاولة إنقاذها من الموت.

يجتمع في غرفة العمليات حوالي أربعة أطباء وأربعة ممرضين، يحاولون بذل كل جهدهم لإنقاذ الطفلة بارعة من الموت، يخرج الأطباء واحدا تلو الآخر من الغرفة وملامح اليأس ظاهرة على وجوههم؛ تحكي ألمهم وسخطهم على الظلم الذي يتعرض له أطفالنا دون أي تحرك دولي أو أممي لحمايتهم.

ربما كان الطبيب "محمود" وهو مختص بالجراحة العامة يملك شعورا أنها ستفارق الحياة، لكنه كطبيب وواجبه أن يفعل كل ما يقدر عليه لعلاج أي مريض، لم يستسلم لشعوره لكن الموت كعادته أقوى من كل المشاعر، وعندما يحين موعده لن يتغلب عليه أي طبيب، يقول: "دخلت إلى غرفة العمليات فوجدت المخدر قد أنهى تخدير الطفلة بارعة، و دخل معي إلى الغرفة أربعة أطباء غيري وهم الطبيب المساعد في الجراحة العامة و طبيب الجراحة العظمية لتصحيح البتر الذي تعرضت له يدها اليسرى، وطبيب مختص بالجراحة الوعائية لوصل بعض الأوعية في يدها اليمنى، بالإضافة إلى طبيب الجراحة الفكية، فقد تسببت إصابتها أيضا بفقدها لشفتيها وفكيها السفلي والعلوي، وعندما بدأ طبيب الجراحة الفكية بعمله كانت بارعة قد فارقت الحياة بعد أربع ساعات من العمل المتواصل لإنقاذها من الموت".

وبينما يخيم على المشفى جو من القلق والتوتر النفسي باستقبال أعداد كبيرة من الجرحى جراء الغارات الجوية على بلدة دير العصافير، تخرج الممرضة "سمر" من غرفة العمليات لترى والدة الطفلة بارعة وقد ركضت إليها ودموعها اختلطت مع دماء جروح طفلها الذي ودعته قبل لحظات في إحدى النقاط الطبية، لتأتي مع شقيق زوجها وكلها أمل أنها ستجد طفلتها بارعة على قيد الحياة: "أرجوك أخبريني أين طفلتي بارعة، أرجوك قولي لي أنها بخير فوالدها معتقل منذ ثلاث سنوات وطفلي الصغير قد فارق الحياة قبل لحظات".

يحاول عم الطفلة بارعة تهدئة والدتها، وتضطر الممرضة سمر إخبارها أن بارعة قد استشهدت وتهرب من صراخ الأم ومن حكايات الموت والألم التي تراها يوميا كما تصفه لنا: "نستقبل يوميا في نقطتنا الطبية عددا من الجرحى والشهداء، أغلبهم من الأطفال، بارعة ليست الطفلة الوحيدة التي كانت هدفا للنظام ولأعوانه الروس، فهي مثال واحد عن آلاف الأطفال الذين نودعهم يوميا في ثورتنا".

انتهى البارحة باستشهاد الطفلة بارعة وأخيها من بلدة دير العصافير، تاركين وراءهما والدتهم المفجوعة على فراقهما من جهة، وفراق والدهما المعتقل منذ ثلاث سنوات من جهة أخرى.