أخبار الآن | إسطنبول – تركيا (أسامة زين الدين)

لم تكن ظاهرة هجرة العقول والأدمغة السورية خارجها أمرا غريبا على المجتمع السوري، فغياب الحريات السياسية والقمع والفساد الإداري والمالي شكل الدافع الأكبر لهم للخروج وإيجاد فرص عمل خارجها. وزاد قمع النظام وتوحشه في ملاحقة أي صوت يعارضه من هذه الظاهرة خلال السنوات الأخيرة، ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة تحصي هذه العقول بسبب ازدياد حركة الهجرة وتغيرها يوما بعد يوم بسبب الوضع الذي تشهده سوريا، إلا أنه تم إحصاء ما لا يقل عن سبعة عشر ألفا ممن يحملون شهادات الدكتوراه والطب والصيدلة قد هاجروا إلى البلدان المجاورة أو وصلوا إلى أوربا، وتشير إحصائيات نشرتها صحيفة ألمانية عن وجود ما لا يقل عن خمسة ألاف سوريا لاجئا في ألمانيا تلقوا تعليما يتناسب مع معايير التعليم للحكومة الألمانية.

الأكاديميون في بلدان اللجوء

يواجه الأكاديميون السوريون في بلدان اللجوء المحيطة بسوريا عقبات جمة كان أبرزها قوانين تلك البلاد التي تضع العراقيل أمام عمل السوريين وتوظيفهم بشكل رسمي، والاستفادة من كفاءاتهم وخبراتهم، وشكل حاجز اللغة أيضا عقبة أمامهم مما اضطر كثير منهم للعمل في مهن متواضعة غير اختصاصاتهم سعيا لتأمين لقمة العيش وغلاء المعيشة، أو تعرضوا للابتزاز من قبل الشركات الخاصة التي تعاقدت معهم بشكل غير رسمي وتقاضوا منها رواتب أقل بكثير مما يتقاضاه زملائهم.

"محمد" سوري حصل على الدكتوراه في الهندسة، ويسكن أحد الشقق المتواضعة في إسطنبول يقول أنه يعمل لدى مكتب هندسي بشكل حر ويتقاضى منه ربع ما يتقاضاه من هو في مثل خبرته من الأتراك، إلا أنه مضطر للرضوخ لذلك بسبب ضيق ذات اليد، وعدم وجود قانون أو جهات ترعى وتحفظ حقوق الأكاديميين، وأشار إلى وجود عدد من أصحاب الكفاءات والخبرات يعملون في معامل كعمال عاديين سعيا لحفظ كرامتهم وتأمين رزقهم بالحد الأدنى.

محاولات جادة لتوظيف الكفاءات السورية

شهدت تركيا منذ عام ونصف ولادة "منبر الجمعيات السورية" وهو تجمع لعدد كبير من الجمعيات السورية المرخصة في تركيا، والتي تعد جهة رسمية تعترف بها الجهات التركية حيث خصص المنبر في ملف التعليم جهده لتأمين فرص عمل مناسبة للكفاءات السورية، ويؤكد أمين السر "باسل هيلم" سعي المنبر بالتعاون من مسؤول من رئاسة الوزراء التركية لإيجاد حلول تضمن توظيف الأكاديميين السوريين، وتوجيه خبراتهم حسب الاختصاص، وتوفير فرص عمل لهم في الجامعات التركية، وتوزيع أجور عادلة لهم ومنع استغلالهم.

أثمر هذا التعاون عن تقديم قاعدة بيانات ب 570 أكاديميا سوريا في تركيا، بدأ التواصل مع بعضهم من قبل الجهات التركية لإيجاد عمل مناسب لهم، كما أثمر ذلك عن إطلاق الحكومة التركية إذن عمل للأكاديميين السوريين حيث تجاوزت العقبات القانونية التي كانت تمنع عملهم، كما أكد "هيلم" على تكليف المنبر للجنة تحضيرية ستعمل على إنشاء مؤتمر موسع للأكاديميين السوريين وتسعى لحل مشاكلهم وإعداد قاعدة بيانات موسعة لهم وربطهم بالصروح والمؤسسات العلمية التركية.

موقع تركي خاص لتوظيف الأكاديميين ودعوات لاستثمارهم

أعلنت تركيا على لسان رئيس مؤسسة التعليم العالي لديها عن نيتها توظيف الأكاديميين السوريين، حيث خصصت بريدا الكترونيا خاصا لاستقبال سيرهم الذاتية وطلبات توظيفهم، كما أعلنت أنها ستطلق بدءا من منتصف هذا الشهر قاعدة بيانات افتراضية ستمكن أية كفاءة سورية  من إدخال بياناتها فيها لحين إيجاد فرصة عمل وشواغر مناسبة.

كما أعلن المسؤول عن المساعدات الإنسانية في  رئاسة الوزراء التركية عن إحصاء ما يزيد عن 550 أكاديميا وتم توظيف 315 منهم في الجامعات التركية وأنهم وصولوا إليهم عبر تعاون جمعيات المجتمع المدني السورية.

أما مدير مركز البحوث السياسية والهجرة في جامعة "هاجي تبه" فقد دعا إلى استثمار طاقات الأكاديميين السوريين والاستفادة منهم في الجامعات التركية، وأردف قائلًا: "يجب أن نكسب هؤلاء، لأن قدراتهم مهمة بالنسبة إلينا، فضلًا عن أهمية الدور الذي سيلعبونه في عملية التكامل في تركيا، وينبغي علينا في هذا الإطار التحرك بشكل سريع"، مشددا على وجود أشخاص مؤهلين جدًا من بين اللاجئين السوريين الموجودين في البلاد.