أخبار الآن | ريف حمص – سوريا – (خليل يونس)

لم تكن مدينة تدمر تنتظر أن يكون مآلها بيد بربرية داعش التي ستعمل على تدمير معالمها وروحها بعد أن كان حلم هذه المدينة وأبنائها هو السير نحو حريتهم التي كانت مسلوبة من قبل النظام. داعش في تدمر، كما في كل مكان، اعتداء وانتهاك لكل قيم الحياة.

الموت للكفار .. منذ متى أصبحنا كفاراً؟

"جواهر" تروي لأخبار الآن قصتها، وقد انتهى بها المقام في مدينة حمص مع أهلها. تقول: "كنا نعيش في إحدى القرى القريبة من الرقة، ودعانا عمي إلى تدمر لنعيش هناك بعد أن ساءت أحوالنا. هو مهندس وأحواله لا بأس بها ولديه بيت لنا. لم يمض أقل من شهر ودخل داعش إلى تدمر. اعتقلوا عمي بحجة أنه كان يعمل عند النظام، مع أنه كان معتقلاً عند النظام بسبب الثورة. حاول أبي كثيراً أن يفهمهم أن عمي كان مع الثورة وأنه اعتقل، ولكنهم لم يسمعوا له. وما علاقتهم هم أصلاً بالثورة؟ أبي يحمد الله أنهم لم يعتقلوه لأنه ذكر الثورة!".

"ميساء" التي كانت نازحة مع أهلها إلى تدمر هرباً من داعش وقصف النظام تروي لأخبار الآن: "وصلنا إلى تدمر واستأجرنا بيتاً عند أناس طيبين من أهل المدينة. في الفترة الأخيرة كان يبدو على أبي التعب، كان معظم الوقت صامتاً ولكنه بلحظة قد يصبح كالبركان، كنا نعلم أنه متعب، فما رأيناه وما مر علينا ليس سهلاً. في يوم من الأيام سمعنا أصواتاً عند جيراننا وصراخاً، خرج أبي ليرى ماذا يجري، فإذا بعناصر من داعش يأخذون شاباً وأبوه يبكي ويترجاهم. حاول أبي الكلام معهم ولكن قام أحدهم بضربه على صدره وأخذ يصرخ كالمجنون "كلكم كفار.. الموت للكفار!" وهنا أبي فقد عقله وأخذ يصرخ "كفار؟! منذ متى ونحن كفار؟! نحن كفار؟ أنتم الكفار!". هجم عليه الداعشيون وضربوه وأخذوه مع الشاب. كنا نراقب ذلك ونبكي ونترجاهم من خلف الباب أن يتركوه. وحتى الآن لا نعرف عنه شيئاً".

خطف .. وسبي!

تكمل ميساء قصتها: "لم يغفر الداعشيون لأبي ما قام به، في اليوم الثاني اقتحموا البيت بحجة التفتيش. لدينا أخت تعيش مع زوجها وبنتها الصغيرة في المدينة أيضاً. كانت مع زوجها وابنتها قادمين لزيارتنا، وما إن وصلوا إلى الباب حتى انقض عليهم عناصر داعشيون. سمعنا الجلبة ولم تسمح أمي لأخي الوحيد أن يخرج خوفاً عليه. كان الداعشي الذي يتكلم معهم تونسياً أو مغربياً، لهجته غريبة وسريعة. أخذوا أختي وزوجها وابنتهم، في المساء عاد الزوج وابنته فقط بدون أختي! كان يبكي مثل الطفل الصغير ونحن نبكي معه، وكان لا يعرف لماذا أبقوها عندهم! ضربوه هناك وسألوه عمن يكون ولماذا أتى إلى بيتنا؟ في اليوم الثاني ذهب ليسألهم عن زوجته، وعندما عاد كان كالمجنون، قالوا له أنها كافرة بنت كافر ويجب أن تُسبى! أخبرهم أننا مسلمون ولكن لم ينفع كل ذلك! أصبنا برعب كبير وشعرنا بانهيار كل شيء، ولكن أمي كانت الأقوى، بدأت بنفس اللحظة تتصل بالعديد لتأمين خروجنا من المدينة، وبنفس الوقت لترى إن كانت تستطيع فعل شيء لأختي، لقد خافت أن يصبح مصيرنا كمصيرها. تحرك أقرباء لنا بعد أن علموا أنهم يستطيعون فك أسر أختي بالمال، جمعنا ما يمكن جمعه، وذهب عمي وزوج أختي، وعادوا بها بعد أن دفعوا المال. ولكننا لم ننتظر، دبّر لنا أقرباءنا أمر خروجنا، ووصلنا إلى حمص وتركنا أبي هناك بين أيديهم".

"أبو محمد" من سكان تدمر ونازح إلى حي الوعر في حمص، كان له قصة مع تنظيم داعش إثر دخوله إلى تدمر. يروي أبو محمد: "تشاجر ابني مع أحد عناصر داعش لأنه أراد منه أن يغلق دكاناً نملكه، تدخّل يومها أهل الحي واسترضوا خاطر الداعشي وأغلقوا الدكان وأرسلوا ابني إلى البيت. في اليوم الثاني وحين كان ابني يريد أن يفتح الدكان، انقض عليه عناصر من داعش واختطفوه. كانوا ينتظرونه! لم أعلم إلا في وقت متأخر حين ذهبت لأرى سبب تأخره، فأخبرني أهل الحي بما حصل معه. في اليوم الثاني ذهبت وراجعت من أجله، وقالوا لي أن لا أقلق، وأنه سيخرج بغضون أيام. لكن الذي جرى بعد أيام أنهم أخبروني أن ابني قرر الالتحاق بهم! أنا أعرف أنهم يكذبون، طلبت أن أراه، فقالوا لي ليس الآن. ولم يمض أسبوعين بعد ذلك إلا وجاؤوا ليقولوا لي أن ابني قد قتل في معركة حصلت قرب الفرقلس! طلبت جثته ولكنهم قالوا أنهم دفنوه هناك لأنه كان من الصعب عليهم أن يحضروه إلى تدمر. بسبب مقتل ابني، وظروف الحياة الصعبة تحت حكم داعش واستمرار قصف طيران النظام للمدينة، تدبرت أموري وغادرت إلى حمص".