أخبار الآن | ريف دمشق – سوريا (ورد مارديني)

"إسراء" ابنة بلدة "سقبا" في الغوطة الشرقية، فتاة تبلغ من العمر ثمانية عشر ربيعا، تركت دراستها منذ سنتين بطلب من والدها الذي كان يخاف عليها جدا من القذائف والغارات الجوية، استجابت لطلب والدها والتزمت المنزل.

تخبرنا والدتها: "كانت من الطالبات المتميزات والجميع يشهد باجتهادها وأدبها وأخلاقها، تركت دراستها لترضي والدها مع أنها كانت تعشق الدراسة. وكأي فتاة في هذا العمر يبدأ الخاطبون بطلب يدها، وتم خطبتها لشاب من بلدتنا، كان منضما إلى مجاهدي الغوطة الشرقية".

وتضيف: عندما علمت إسراء أنه مجاهد مع الثوار قبلت به دون أن تراه، فقد كانت تتمنى الزواج ببطل من أبطال الثورة.

تزوجت "إسراء" من عريسها "أحمد" وعاشت معه سنة وشهرين، كانت تقضي أيام مناوبته الليلية عند أهلها، وفي إحدى الليالي جاءها خبر استشهاده، الخبر الذي كانت مستعدة لاستقباله فقد كان أحمد يهيئها دائما لسماع هذا الخبر ويطلب منها الصبر إن حصل واستشهد.

إسراء رغم قوتها وصلابة إيمانها إلا أن الخبر كان موجعا لقلبها جدا خاصة بعد أن اعتادت على وجوده في حياتها.

تحدثنا أختها "دعاء": استشهاد أحمد كان خبرا مؤلما على عائلتنا بأكملها، مع ذلك كانت إسراء تظهر صبرها أمام جميع الناس لكن دموعها لم تكن تنقطع طوال الليل،  فقد كانت تنام معي في نفس الغرفة وتقضي كل الليل بالبكاء والأنين، لا أذكر ليلة إلا وبكت فيها من حزنها على أحمد، كما أن ألمها الأكبر كان يكمن بعدم حملها من زوجها وتقولي لي: ليس لدي شيء أخسره  يا أختي، لو كان لدي طفل منه لكنت تمسكت بالحياة، لكن ليس لدي ما يعلقني بهذه الحياة.

شعر والد إسراء بالحزن الشديد على ابنته، خاصة بعد انتهائها من قضاء العدة وعزلتها عن جميع الناس، فلم يجد لها حلا للتخلص من حالة الكآبة والحزن التي تعيشها إلا العودة إلى دراستها لعلها تنسى وجعها قليلا وتعود إلى سابق عهدها.

فرحة كبيرة غمرت قلب إسراء عندما علمت أن والدها قبل بعودتها إلى المدرسة وبدأت تحضر نفسها للتسجيل في أحد المراكز التعليمية في البلدة وتم قبولها في المركز.

بعد عدة أيام من دوامها، عادت إلى منزلها لتواجه صدمة أخرى، فقد استشهد والدها بإحدى القذائف وهو يحضر لأطفاله بعضا من الخبز كي يتناولوا الفطور.

تقول لنا والدتها: شعور لا يوصف أن تفقد عزيزا على قلبك دون استئذان، كانت فاجعة على العائلة بأكملها، فنحن لا نملك معينا بعد الله إلا زوجي والصدمة الكبرى كانت على قلب إسراء، فلم نصدق متى استعادت قوتها بعد استشهاد زوجها لتعود لها الصدمة مرة أخرى مع استشهاد والدها.

لم تعد إسراء تقوى على الحياة بعد أن فقدت سندها، فقد كانت تستمد القوة من والدها الذي فارقها بعد زوجها بخمسة شهور.

تروي لنا دعاء آخر حديث دار بينها وبين أختها إسراء في الحادي عشر من كانون الثاني: "انهيار نفسي أصاب إسراء بعد استشهاد والدي، لم تترك مدرستها لكنها كانت دائما تدعو الله أن تلحق بزوجها وأبيها وأذكر إلى الآن آخر جملة تلفظت بها قبل خروجها من المنزل، قالت لي: أتمنى يا أختى أن أستشهد وألحق بزوجي ووالدي، فزوجي الذي كان يمنحني الحب والأمان في زمن لا يعرف إلا القتل والدمار رحل دون عودة وسندنا في هذه الحياة رحل أيضا".

ذهبت إسراء يومها إلى المدرسة ولم تعد، لقد تحققت أمنيتها. استشهدت إسراء بإحدى القذائف وهي في طريقها إلى منزلها بعد عودتها من دوامها حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر، لحقت بزوجها وأبيها بعد شهر من استشهاده.

ربما ارتاحت إسراء وتحققت أمنيتها، لكنها تركت وراءها أما مهمومة وأختا حزينة على فراقها.