أخبار الآن | ريف دمشق – سوريا (سونيا العلي)

تدهور المستوى الاقتصادي للمواطن السوري بشكل متزايد مع ارتفاع وتيرة الحرب، وقد شمل غالبية فئات المجتمع، ولم يكن الموظف السوري بمنأى عن الأوضاع المزرية التي تأصلت في حياته حتى أصبح همه الوحيد وأقصى ما يحلم به هو تحصيل لقمة عيشه.

موظفو الدولة بين خيارين

الأحداث في سورية وضعت الموظف في وضع لا يحسد عليه، فقد وضع أمام خيارين: ترك الوظيفة أو الانصياع لقوانين النظام، فإما أن يتخلى الموظف عن راتبه ووظيفته وبالتالي يكون عرضة للبحث عن عمل يعيل فيه أسرته،  أو يبقى على رأس عمله وبالتالي اتهامه بالوقوف مع قتلة شعبه.

يجتاز الموظف في القطاع العام الكثير من الصعوبات والمتاعب للحصول على الوظيفة بشق الأنفس محاولا أن يبعد عن نفسه شبح البطالة والفقر والجوع، فيجد نفسه غارقاً في نوع آخر من البطالة لأن الراتب الشهري متدن ولا يكفي للعيش في مستوى لائق، خصوصاً بعد هبوط قيمة الليرة السورية إلى مستويات قياسية وارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية لرواتب الموظفين  الزهيدة التي بالكاد تكفي لسد الرمق .

الموظف "أبو أحمد" 41 عاماً، من معرة النعمان معيل لأسرة كبيرة يتحدث عن معاناته: "الراتب الذي نتقاضاه لا يتناسب مع موجة الغلاء الفاحش الذي نعيشه، حتى أنه يتلاشى قبل منتصف الشهر، ولكنه رغم قلته يظل نعمة، فهو يغنيني عن الحاجة وأستطيع به أن ألبي حاجات أسرتي الأساسية، لكن الهاجس الذي يراودني ويجعلني أعيش حالة من الخوف هو أن أفقده في يوم من الأيام، فنحن لا نمتلك أي مصدر آخر للعيش سوى هذا الراتب".

صعوبة الحصول على الراتب

لكن الأمر لا يقف عند قلة الراتب في محافظة إدلب، فبعد تحرير المدينة أصبح على الموظف تحمل مشقة السفر إلى محافظة حماة ليجلب راتبه الذي يضيع نصفه بين أجرة الطريق ودفع الأتاوات والضرائب للحواجز الأسدية المنتشرة بكثافة على الطريق بالإضافة إلى ممارستهم للقهر والظلم والترهيب على المسافرين .

فصل الموظفين المؤيدين للثورة

يقوم النظام بفصل جميع الموظفين الذين يظهرون تأييداً للثورة أو يشاركون في فعالياتها وذلك لضمان الولاء المطلق له، كما قام بفصل الكثير من الموظفين فقط لانتمائهم إلى مناطق ثائرة .

"أسعد الحميد" 45 عاماً، من قرية "خان السبل" التابعة لمعرة النعمان كان يعمل موظفاً في قطاع التربية قبل أن يتم فصله مع الكثير من زملائه، يقول: "يحاربنا النظام في لقمة عيشنا، يريد إذلالنا بجميع الوسائل، تم فصلي لأنني خرجت مع أبناء بلدي في المظاهرات السلمية لأجد نفسي بعد ذلك دون عمل، وبعد عشرين عاماً قضيتها في خدمة الدولة لم أحصل على أي تعويض أو مساعدة أو تأمين، وأنا اليوم أبيع المحروقات في الشارع لعلي أجد في عملي سبيلاً للعيش يمكننا من البقاء في هذه الحياة الخانقة ولأكمل دوري الأبوي في تأمين احتياجات أولادي ."

كما أصدر النظام في تشرين العام المنصرم 2015 يتضمن وجوب تقديم الموظف لوثيقة "بيان وضع" ويتم الحصول عليها من شعبة التجنيد المحلية وتثبت أنه غير مطلوب للخدمة العسكرية الإجبارية أو الاحتياطية وفي حال لم يحصل الموظف عليها يتم فصله من عمله .

سفر الموظفين يستوجب موافقة أمنية

يعاني موظفو الدولة من منع السفر إلى خارج سورية فهم بحاجة إلى موافقة أمنية وتأتي غالباً بالرفض مما يدفع الكثير من الموظفين إلى تقديم استقالتهم في حال اضطرارهم للسفر، وفي الآونة الأخيرة باتت الاستقالة أيضاً بحاجة إلى موافقة أمنية ويظهر بذلك شكل واضح لما يمارسه النظام من انتهاك الحقوق وسلب للحريات، وهذا ما أجبر الموظفة "هبة كرامي" 31 عاماً، من معرة النعمان للسفر إلى تركيا بطريقة غير نظامية عندما رفضت مديريتها منحها إجازة بدون راتب لمدة عام واحد، تحدثنا قائلة: "مع تزايد وتيرة العنف في منطقتنا لم نجد مهرباً من النزوح إلى تركيا وعندما أردت الحصول على إجازة عاد الطلب بعد ثلاثة أشهر بالرفض فاضطررت لترك الوظيفة والسفر."

قرار يثقل كاهل موظفي إدلب

لقد أصبح الأمر أكثر صعوبة وتعقيداً بالنسبة إلى موظفي محافظة إدلب بعد أن أصدر محافظ إدلب مؤخراً قراراً يلزم جميع الموظفين بالالتحاق بدوائرهم المماثلة في مدينة حماة، والتخلف عن ذلك يعني الفصل مما زاد من همومهم ومتاعبهم.

يحدثنا عن ذلك "أبو حسن الجبّان" من قرية "كفرومة" التابعة لمعرة النعمان: "الأمر في غاية الصعوبة والراتب الذي نحصل عليه أصبح علينا أن نصرفه في دفع إيجار المنزل والمواصلات وعلينا أن ننقل أماكن سكننا، لا شك أنها طريقة غير مباشرة اتبعها النظام لتسريح أكبر عدد من موظفي إدلب ."

أما وقع هذا القرار على الموظفات فهو أكثر حدة وصعوبة لأنه سيدفع بالكثيرات إلى ترك وظائفهن لصعوبة الالتزام بالدوام في محافظة أخرى.

تحديات كثيرة ومتاعب جمة تواجهها طبقة الموظفين في سورية يفرضها عليهم النظام المستبد الذي أصبح جل همه بعد الثورة الحفاظ على كرسيه مهما كلفه ذلك من قتل وتشريد وتجويع .