أخبار الآن | حماة – سوريا – (نجوى بارودي)

منذ بدء الحراك الثوري في سوريا، قام النظام باعتقال أعداد كبيرة من طلاب المدارس، وتم تعذيبهم بشكل وحشي، واستمرَّ النظام في أعمال الاعتقال والتعذيب للأطفال منذ بداية الثورة السورية وإلى الآن، كما يزيد عدد الأطفال المعتقلين في سجون النظام عن عشرة آلاف طفل، وقد تم توثيق حالات القتل لأكثر من عشرة آلاف آخرين نتيجة القصف العشوائي، ومنهم من قضى تعذيبا، أو قنصا أو جوعا، أو في مجزرة أو بالكيماوي.

خمس سنوات من القهر والقتل والتشريد عاشها أطفال سورية ليس بمقدور أي طفل في أي دولة من دول العالم أن يعيشها، تعددت أشكال الوحشية التي يمارسها النظام السوري والنتيجة واحدة، جيل بالملايين مليء بالخوف والحقد والأمراض النفسية وضياع الهوية .

الأطفال النازحون .. والعودة إلى البيت

نصف مليون طفل في محافظة حماة وحدها يعيشون في خيام بعيدا عن قراهم التي تدمرت أغلبها بفعل القصف اليومي، لا يملكون أية وسيلة من وسائل العيش يصارعون البقاء في البراري محرومين من التعليم والصحة والغذاء والأمان

ربما كانت "العودة إلى منزلي" الإجابة التي تجمع كل من تحدثنا إليهم من الأطفال النازحين في ريف حماة، أقصى أمنياتهم العودة إلى غرفهم وألعابهم وأصدقائهم الذين قتل معظمهم نتيجة الممارسات التي قام بها النظام في قراهم، وهم على مقاعد الدراسة أو في طريق عودتهم إلى المنزل أو على أسرتهم وهم نائمون، ومن تبقى منهم يعاني من تداعيات الضغط النفسي والخوف.

عنف يومي يعيشه غالبية السكان في محافظة حماة وريفها، ربما لا يمر يوم دون أن نسمع عن أعداء الشهداء التي تفوق المئات "في حماة وحدها ستون بالمائة منهم أطفال"، وإن لم يتأذوا جسديا فإن آثار الحرب بادت واضحة عليهم فأغلبهم فقد والديه أو أحدهما فاضطر إلى العمل أو التشرد في الشوارع دون تعليم أو عناية صحية.

أمراض نفسية وتشويه لمعنى الحياة

"محمد" ابن التسع سنوات، يعيش مع والدته في موقف للسيارات في مدينة حماة، تبدو عليه علامات الخوف والغضب حين تحدثه يجادلك بلغة الكبار: "سأحمي والدتي منهم، أخذوا اختي التي تكبرني بسنتين ولم تعد .. الله على الظالم"، ولكن الظلم الذي تعرضت له عائلته فاق بكثير ما قد يعايشه طفل في عمره. تقول والدته: "اغتصبوا أخته البالغة من العمر 15 سنة وأخذوها معهم، قتلوا والده وحرقوا منزلنا وكل ذلك أمام ناظريه، لم أستطع إرساله إلى المدرسة لأنه ليس لدينا معيل الآن سواه، يخرج من الصباح الباكر يقوم بكل الأعمال ضمن المدينة شطف الأدراج، العتالة، غسيل سيارات وفي بعض الأحيان يضطر للتسول كي نسد جوعنا".

أما "سعاد" فلم نستطع التحدث معها، فما إن اقتربنا منها حتى لاذت بالفرار. تقول والدتها: "منذ سنتين وسعاد مصابة بالصدمة نتيجة مشاهدتها لحالات وفاة مروعة وجثث مشوهة لأقارب لها أثر هذا على قدراتها العقلية، وهي الآن تعاني من مشكلات نفسية، وقلة الشهية للطعام، والابتعاد عن الناس والخوف، ما إن تسمع صوتا لتفجير أو إطلاق رصاص حتى تصاب بالهستيريا والبكاء الشديد".

تقول "سها" 14 سنة: "أحاول التفكير في المستقبل بشتى الوسائل ولكن رؤية والداي وهم يموتون تحت الركام مشهد لن أنساه في حياتي، أحب الرسم ولكن أين سأرسم على وحل المخيمات!، كل ما يدور في مخيلتي هو الجثث وأزيز الطائرات، أخاف النوم وإن نمت أبلل فراشي يوميا".

نتيجة القصف العشوائي والممنهج الذي مارسه النظام للمدارس والمراكز الصحية في حماة، فقد غالبية الأطفال حقهم في التعليم والعناية الصحية، انتشرت الأمراض بينهم نتيجة الجوع والفقر وانعدام التغذية عدا عن الفتيات اللواتي تعرضن للاغتصاب وما ترك من أثر على نفوسهن.

ما من مكان آمن في حماة يحمي هؤلاء الأطفال حتى في المخيمات التي هي الأخرى تتعرض لقصف متقطع ليدفع الأطفال كأهاليهم ثمنا باهظاً لكرامة طالبوا بها.