أخبار الآن | ريف اللاذقية – سوريا (جمال الدين العبد الله)

بعد تحرير ريف اللاذقية بجبليه الأكراد والتركمان في عام 2012، بدأ المدنيون بالعودة إلى بيوتهم رغم القصف بالبراميل المتفجرة والقذائف الصاروخية المتنوعة، وبدأ الناس يعتادون الظروف الحالية للمنطقة، والقيام بمشاريع حيوية صغيرة بدأت تكبر يوماً بعد يوم إلى أن أصبحت مؤسسات تجارية صغيرة تغذّي المنطقة بالمواد الغذائية والتموينية.

نشطت بعض "الدكاكين" الصغيرة بشكل محدود لتأمين احتياجات ومستلزمات قاطني المنطقة من مدنيين وعسكرين، حيث كانت المواد الغذائية تأتي من مناطق النظام لانعدام المعامل والمصانع المنتجة، عدا الخبز والخضراوات المنتجة محليّاً، حيث كان يتواجد في كل قرية دكانا صغيرا أُعيد افتتاحه بعد تحرير المنطقة، وحتى منزل يبيع المواد الأساسية.

يقول "أبو شوكت" أحد أصحاب المحلات التجارية الصغيرة في جبل الأكراد: "بعد تحرير منطقة سلمى وعودة بعض المدنيين نحو المنطقة، أعدت افتتاح دكّاني الصغير بالبضائع القديمة التي لا تزال سارية الصلاحية، إلى أن أصبحت تأتيني البضائع – رغم أسعارها المرتفعة- من مناطق النظام، فأمنت لقمة عيش لعائلتي، وساهمت بتأمين المواد الضرورية للسكان".

المناطق التجارية وتغيرات أسعار البضائع

أخذت منطقة "الناجية" التابعة إدارياً لريف إدلب، والتي تعتبر الآن من ريف اللاذقية؛ النصيب الأكبر من التجارة في الريف اللاذقي، فافتتحت فيها محلات الجملة الكبيرة للمواد التموينية، ومحلات الصرافة والحواسيب والجوالات والخضار والصيانة والأدوات الكهربائية والمحروقات، والمحلات الصناعية وصيانة السيارات والمطاعم المتنوعة رغم تعرضها للقصف بين الفترة والأخرى.

ويُنظر لتلك المناطق على أنها المركز الحيوي لريف اللاذقية المحرر، إلى أن غزت محلاتها البضائع التركية عبر المعابر الحدودية، والتي تتميز باعتدال أسعارها بالمقارنة مع البضائع التي كانت تأتي من مناطق النظام مرتفعة الثمن والتي اقترب تاريخ انتهاء صلاحيتها.

ولكن المشكلة الرئيسية لتلك المناطق أنها تتأثر وبشكل كامل مع ارتفاع وانخفاض العملات الأجنبية وأهمها الدولار، حيث ومعظم المدنيين وأصحاب الزراعات والصناعيين يتعاملون بالليرة السورية التي لا يستقر سعرها، كما يقول "برهان" أحد المزارعين الذي يشتري البذور والأسمدة بشكل دوري: "في بعض الأحيان عندما أريد أن أشتري مستلزماتي يقوم التاجر بحساب السعر على الدولار الأميركي، بينما نقوم ببيع بضاعتنا بالليرة السورية المتداولة حتى الآن، فنضطر بشكل أو آخر إلى رفع سعر المنتجات.

غلاء الأسعار وتغيرها بشكل شبه يومي يعزوه "خالد" وهو أحد التجار في الناجية التعامل بالعملة الأجنبية: "معظم بضائعنا تأتي من تركيا، ونشتريها بالدولار الأميركي، حيث أن أسعار البضائع ثابتة، ولكنها تغيرت وبشكل كبير بارتفاع العملة، وإلى الآن يتعامل معظم الأهالي بالليرة السورية، نقوم بأخذها وشراء الدولار بسعر أعلى وهكذا دواليك".

الحملة العسكرية الأخيرة وتأثيرها على التجارة

بعد الهجمة العسكرية الشرسة التي تشنها قوات النظام على ريف اللاذقية بهدف السيطرة على المواقع الاستراتيجية للثوار، تقوم الطائرات الحربية الروسية بالإغارة على المراكز الحيوية وتجمعات الأهالي بغية تهجيرهم، كما حصل مع قرية "الناجية" التي أغلقت معظم محلاتها ونزح سكانها نحو المخيمات الحدودية.

هذا الأمر دفع البعض إلى افتتاح دكاكين صغيرة من الخشب وحتى من الخيم، على الشريط الحدودي بغية تأمين حاجيات اللاجئين، وتقتصر فقط على المواد الأساسية والضرورية، التي لا تأتي مع المساعدات الإنسانية التي تقدّمها الهيئات الإغاثية للمخيمات، وترتفع أسعار البضائع بسبب صعوبة تأمينها واستهداف الطرقات الواصلة بين المراكز التجارية البعيدة وهذه الدكاكين.

وانتشرت أيضاً ظاهرة الباعة المتنقلين مؤخراً على الشريط الحدودي وذلك بعد تضرر المحلات الكبيرة، سواءً على السيارات الصغيرة والمتوسطة، وصولاً إلى البيع على الدّراجات النارية!، حيث تتميز بخفّة الحركة والتنقل من مكان إلى آخر منادين على بضائعهم، وإمكانية الانتقال بها بشكل يومي من منطقة إلى أخرى.

يقول "أحمد" وهو أحد النازحين على الشريط الحدودي والذي كان يمتلك دكاناً في إحدى قرى جبل التركمان وهجرها نتيجة القصف على المنطقة: "بعد أن هجرت قريتي ودكاني، وضعت حقيبتين كبيرتين على جانبي دراجتي النارية، وأتنقل يومياً بين المخيمات التي أعرف معظم سكانهم، فلا عمل لي لأعيل أولادي، ولا أستطيع افتتاح دكان ولو صغيرة قرب المخيمات".

وينتظر أصحاب المحلات التجارية الصغيرة والكبيرة عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الحملة العسكرية الأخيرة، ليعيدوا الحياة إلى محلاتهم التي طالتها صواريخ النظام وحليفه الروسي، وإعادة تغذية مناطق ريف اللاذقية بحاجياتهم الأساسية رغم ارتفاع الأسعار.