أخبار الآن | لبنان – (مالك أبو خير)

في المشفى الميداني كان يصرخ قائلا "لاتقطعوا رجلي، الا ما تلاقوا طريقة غير البتر، يا دكتور ابو محمد الا ما تلاقي طريقة يا دكتور منشان الله" واستسلم جسده لابرة المخدر فيما الطبيب لم يستطع ان يقول له ان قدمه قد تشوهت ولابد من بترها فضلا انهم ضمن منطقة محاصرة والادوية بالكاد تتوفر.

عندما استيقظ شيء واحد فقط كان عاجزا عن فعله، وهو كيف يخبر خطيبته التي يحبها ان قدمه قد بترت، لم يخف من واقعه القادم، او انه كيف سيسير على قدم واحدة، لم يفكر بأي شيء، وحدها خطيبته كانت محور تفكيره الوحيد، وكان يقول بنفسه "لايكفي وجعها وألمها كيف لي أن اخبرها ما حصل لي، تبا للقذيفة التي سببت لي كل هذا وتبا لهذا الحصار اللعين".

خطيبته تقيم في لبنان، مع عائلة سورية لاجئة، تعمل في تنظيف المنازل رغم انها خريجة جامعية، هي الاخرى كانت في دمشق كما خطيبها، اعتقلت وبعد اطلاق سراحها هربت ولجأت الى لبنان، وبقيت تتنقل من مكان الى آخر الى أن استقرت مع عائلة سورية، وفي اليوم التالي وصلها الخبر، كان كالصاعقة عليها بقيت تحاول طوال النهار حتى استطاعت الاتصال به وانكر لها ما حصل مؤكدأ انه مجرد اشاعة وان اصابته طفيفة.

لكنها علمت من اقارب لها حقيقة ما حصل ولم تخبره بذلك، وتابعت معه على وكأن شيئا لم يكن، وبدأت تطلب منه الخروج من تلك المنطقة المحاصرة مهما كلف الأمر، ودام اصرارها لاكثر من ستة اشهر وهي تصر على طلبها، وكانت تتحجج انها وحيدة وبحاجة الى وقوفه الى جانبها في الغربة، فهي تعرف انه لم يبقى له اي احد، فأهله جميعهم ماتوا في القصف وما تبقى من اقاربه بين مفقود ومعتقل ولاجئ، كان اصرارها يزداد مع كل اتصال، فيما كان خوفه من قول الحقيقة لها ايضا يزداد، حيث كان يخاف من ان يصبح عبئا عليها حين يصل اليها، فهو بات عاجزا عن العمل بسبب الاصابة بالاضافة ان لبنان من الصعب تأمين فرص عمل لمن هم في وضعه.

بعد مرور حوالي 8 اشهر اتصلت به وهددته ان لم ياتي ستسافر الى تركيا وترحل عبر البحر الى دول اللجوء ولن يسمع صوتها مرة اخرى، وخصوصا ان الحصار كان قد اصبح من الممكن الخروج منه نتيجة توفر طرق تمكنه من الوصول الى لبنان.

حين استجاب لطلبها وجاء الى لبنان، اخبرها عن المكان الذي وصل اليه لكي تاتي اليه وتأخذه، كان الافكار تجول في راسه عن ردة فعلها حين تراه وتشاهد ما حدث له، وكيف سيعيش معها في بيت تسكنه اسرة ثانية، وكيف سيؤمن مصاريفه ومصدر دخل له ولها، كانت الافكار تدور كالعاصفة في رأسه دون أي جواب.

حيث دخلت كان المشهد مغايرا لما كان يعتقد حيث يقول "ركضت نحو وغمرتني، لكنها كانت تتصرف بتجاهل تام بما يخص موضوع قدمي المبتورة، وكأن الامر غير موجود ولم تحسسني للحظة واحدة ان الأمر قد اثر عليها، لم تشاء ان تجرحني او تحسسني بالعجز، اخذتني ومن ثم ذهبنا نحو المنزل وخلال وجودنا بالسيارة سالتها هل تعلم العائلة السورية انني ساكن معهم فسكتت مع ابتسامة صغيرة وادرات وجهها ".

ويتابع حين وصلت "تفاجأت بانها استاجرت غرفة صغيرة لي، فيها كل ما احتاجه ومن ضمن ماهو بها" كرسي متحرك "حيث قالت انها استطاعت تأمينه من احدى الجمعيات وتركتني في المنزل ورحلت بعد قدمت لي كل ما يمكن ان احتاجه".

بعد عدة ايام عقد قرانهم عند احد الشيوخ، وانتقلت للعيش معه وكانت المفاجأة له انها استطاعت من عملها و دعم بعد الجمعيات ان تؤمن له ثمن "قدم اصطناعية" وماعليه سوى أن يقوم بالذهاب للجمعية حتى يقوم بتركيبها والعودة لحياته من جديد.

كانت تعرف ما حصل له، وعملت طوال اشهر على تأمين مسكن وكرسي متحرك استخدمه لحين تركيب القدم الصناعية له، وكانت السند له في غربته بل انها استطاعت تؤمن له عمل في احد المحلات يناسب وضعه الصحي.

سألتها وكان سؤالي قاسيا نوعا ما "ماذا لو كان الامر بالعكس، هل كان سيفعل نفس ما أنت فعلت، هل سيكون وفيا كما أنت الان، فأجابت" عندما خرجت من الاعتقال وقف والدي بين اهالي الحي يبكي ويقول انني جلبت العار له لكونه من الاشخاص اللذين يعتقدون أن الفتيات اللواتي يتعرضن للاعتقال بنظره ونظر العديد من العائلات يجلبون العار لاهلهن، حينها كان هو واقفا وقال لوالدي … ابنتك تاج فوق راسي وراس كل اهالي هذه المنطقة وكانت تقوم بمعالجة الجرحى والنساء والاطفال، اذا انت ترى ماحدث معها عار فانا اراه شرف على صدري واذا هي قبلت برجل غير متعلم مثلي ان يتزوجها عندها سيكون اجمل خبر اسمعه في حياتي … كلماته هذه وحدها كفيلة لي ان اقول لك انه سيفعل ما فعلت وقد يكون أكثر ".

*ملاحظة: الصورة المرافقة تعبيرية