أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا ( وضحى عثمان)

تتبع مدينة "خان شيخون" في محافظة إدلب، وتتميز بموقع إستراتيجي جعلها موقعا لصراع السيطرة بين النظام والجيش الحر، فهي تعد نقطة الوصل بين محافظتي حماة وإدلب. فنظام الأسد أرادها تحت سيطرته لجعلها نقطة عسكرية لإمداد قواته في الشمال، أما الثوار فاستماتوا لتحريرها منذ بداية الثورة، بهدف قطع إمداد النظام في معسكراته في معرة النعمان.

الحراك السلمي وسيطرة النظام

منذ انطلاقة الثورة السورية، أصبحت مدينة خان شيخون الأكثر شهرة بمظاهراتها السلمية آنذاك، وكانت المظاهرات تشهدها ساحاتها كساحة البحرة والسوق.

المظاهرات الضخمة التي كانت تحتضنها خان شيخون، وقيام الثوار بقطع الطريق الدولي، وتدمير أرتال للنظام فيها، فضلا عن انشقاق معظم أبناءها عن مؤسسات النظام العسكرية والمدنية، كلها أسباب دفعت النظام للحشد تمهيدا لاقتحامها، حيث كان ذلك بعد قصف مكثف تمكن النظام من إحكام سيطرته عليها نهاية عام 2013.

ومع احتلال النظام للمدينة، سجلت العديد الانتهاكات، وأهمها حادثة إطلاق النار على المتظاهرين، بوجود لجنة المراقبين التابعة لجامعة الدول العربية، حيث استشهد وجرح العشرات على مرآى من المراقبين، أضف أن سيارة كانت تقل المراقبين تعرضت للاستهداف من قبل النظام بقذيفة آر بي جي، فقام أهالي المدينة بحمايتهم في أحد المنازل ومن ثم تسهيل تنقلهم.

وبعد تطور الأحداث وازدياد بطش النظام المعلن، تحول الطريق العام المحاذي للمدينة إلى طريق للموت والسلب من قبل مجموعة من اللصوص اللذين ألصقوا أعمال السلب والقتل بالثوار والأهالي، فقام أهل المدينة بمحاربة تلك العصابات والقضاء عليها ودفعوا ثمن ذلك دماء كثيرة من أبنائهم.

آثار احتلال النظام لها على الأهالي

عاشت المدينة مراحل متناقضة، فتارة تقع تحت سيطرة النظام، وتارة تعيش الحرية المنشودة التي لا تخلو من رائحة الموت، بفعل القصف المتكرر عليها. وفي ظل وجود النظام في المدينة، عانى سكانها الأمرّين من خطر القنص، إذ كان قناصة النظام متمركزين في المباني المرتفعة المحيطة بالمدينة، وكثيرة هي الحالات الناجية من الموت، لكنها لم تسلم من الإعاقة، فقصة الشاب "أحمد" الذي تعرض للقنص خير دليل، ذلك الشاب الذي يحمل إجازة في هندسة المعلوماتية مُقعد الآن ويتنقل على كرسي متحرك بعد أن استقرت رصاصة القناص في عموده الفقري عند مروره بالقرب من حاجز السلام، الشهير بفظاغته.

يعرب أحمد عن أسفه قائلا: "لم أضع في مخيلتي يوما من الأيام أن أكون مقعدا، لقد بذلت وعائلتي كل ما بوسعنا لأصبح مهندسا، وكنت أطمح أن أطور الكثير من الاختراعات المتعلقة بمجال التكنولوجيا. كثيرا ما أفكر عن سبب استهداف القناص لي، فأنا لم أكن مسلحا وجميع من كانوا يتعرضون للقنص مثلي من المدنيين".

تحرير المدينة والقصف عليها

بعد سنتين من العيش تحت وطأة الاعتقال والقنص والمضايقات بكل أنواعها، استطاع الثوار تحرير المدينة، حيث كان النظام يطوقها بأكثر من عشرين حاجزا، ومن أشهرها معسكر الخزانات والسلام والنمر والفقير والمسبح، فتلك الأسماء يعرفها أهالي خان شيخون جيدا ويتذكرونها حتى الآن.

وبعد تنفس مدينة خان شيخون عبق الحرية من جديد كان لابد من دفع الضريبة، إذ تتعرض المدينة بشكل يومي لقصف بالصواريخ العنقودية المحرمة دوليا، وغارات جوية تنفذها المقاتلات الحربية الروسية والنظامية.

يقول "أحمد شيخو" قائد الدفاع المدني في خان شيخون: "يوميا نسجل وقوع ضحايا بصفوف المدنيين نتيجة القصف المدفعي والعنقودي، والذي غالبا ما يكون مصدره قاعدة بريديج العسكرية، كما أننا وثقنا استشهاد 57 مدنيا بالقصف الجوي، هنالك مقاتلات روسية تضرب الأسواق بالمدينة ونملك إثباتات على ذلك".

رفض الأهالي للنزوح

وما يميز تلك المدينة عن ما حولها من مدن وبلدات، هو بقاء أغلب سكانها فيها رافضين النزوح وترك مدينتهم رغم الخطر الكبير على حياتهم.

وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من جبهات القتال مع النظام لا تبعد عن خان شيخون سوى ستة كيلو مترات، لكن أهلها استطاعوا التغلب على كل الظروف، وأوجدوا بدائل عن كل مستلزمات الحياة، فكل حي بالمدينة لديه مولد كهربائي، وخزان يؤمن مياه الشرب للأهالي. يقول "أبو خالد" مدير إحدى المدارس الخاصة: "نحن باقون هنا والأعمار بيد الله، وحده قادر على حمايتنا، إما أن نعيش بكرامة أو نموت تحت أطلال منازلنا، ليس بإمكاني تصور أن أدفن في تراب خارج بلدي".

بإرادة جبارة وإصرار كبير، يستمر سكان هذه المدينة، متحدين آلات الحرب التي تعددت وتنوعت، فالأوطان تبقى وكل الطغاة إلى زوال.